القرآن بين السنة والشيعة ... "مصحف السيدة فاطمة عليها السلام"

الإثنين 03 آب , 2020 01:21 توقيت بيروت الوحدة والتقريب

الثبات - الوحدة الإسلامية 


القرآن بين السنة والشيعة

مصحف السيدة فاطمة عليها السلام

 

القرآنُ الكريمُ هو كتابُ اللهِ المُعجِز عند المسلمين، يُعَظِّمُونه ويؤمنون بأنّه كلامُ اللهِ تعالى وبأنَّه قد أُنزل على محمد بن عبد الله للبيان والإعجاز، وبأنَّه محفوظ في الصدور والسطور من كلِّ مسٍّ أو تحريف وبأنَّه منقولٌ بالتواتر، وبأنَّه المتعبد بتلاوته، وبأنَّه آخر الكتب السماوية بعد صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل.

فالقرآنُ الكريمُ هو الكتاب الخالد لهذه الأمة، ودستورها الشامل، وحاديها الهادي، وقائدها الأمين، كما أنَّه الكتاب الخالد للدعوة الإسلامية، ودليلها في الحركة في كل حين، وله أهمية كبيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة؛ فهو يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، ويشرع من التشريعات ما يحفظ كيان الأسرة تظللها السكينة وتحفها المودة والرحمة، كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام الطاقات الكامنة في المجتمع، وينشد الأمة القوية المتماسكة الشاهدة على العالمين.   

يرى المسلمون أنَّ الإنسان المسلم لا يستغني عن القرآن؛ فبه حياة قلبه ونور بصره وهداية طريقه. وكلُّ شيءٍ في حياة المسلم مرتبط بهذا الكتاب، فمنه يستمد عقيدته، وبه يعرف عبادته وما يُرضي ربه، وفيه ما يحتاج إليه من التوجيهات والإرشادات في الأخلاق والمعاملات، وأنَّ الذي لا يهتدي بهذا الكتاب يضيع عمره ومستقبله ومصيره، ويسير في ظلمات الجهل والضلالة والضياع، وذلك بناءً على ما جاء في عدد من السور والأحاديث النبوية، كما في سورة الإسراء: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيراً}.

لذلك كلِّه فالقرآن الكريم هو الركن الأول والركيزة الأهم في وحدة المسلمين كافة ورصِّ صفوفهم وجمع كلمتهم في وجه التحديات.

 الوحدة الإسلامية التي هي المطلب الأول لكلِّ ذي لبٍّ من أهلٍ الإسلام، وهي مطلب ديني على كل مسلم وحقٌ يتوجب السعي أقصى درجات الجهد من أئمة الفِرق والمذاهب.

والوحدة الحقيقية التي تكون مبنية على منهج علمي صحيح تُحَرَرُ فيه مسائل الاختلاف وتُبرَزُ فيه وجوه الاتفاق، كي تجتمع الأمة على ما اتفقت عليه وتوجه جهودها فيما يَهمُّ الأمة من قضايا كبرى، ويعذر المسلمون بعضهم البعض فيما اختلفوا فيه من أمور لا تمسُّ أصول دينهم.

إنَّ التعرض لموضوع الوحدة بأسلوب علمي يسدُّ الباب أمام المتشددين الذين يَزعمون أنَّ من يحرص على الوحدة الإسلامية هو داعٍ لتمييع الدين ونقضِ أساساته.

وفي ضَوء حديثنا عن القرآن الكريم نتعرض لعدة مسائل بنى عليها كثيرٌ من أهلِّ التشدد تكفيرهم لبعض المسلمين، ومهمتنا هنا عرض الأقوال للوصول للحق في هذا المسائل، والقضية الأولى في هذه السلسلة في الحديث عن "القرآن الكريم بين السنة والشيعة"، وسنعرض هذه القضية من خلال ثلاث مقالات متتابعة:

-المقال الأول: هل يوجد قائل بتحريف القرآن الكريم من المسلمين (السنة والشيعة)؟

-المقال الثاني: ما هو مصحف فاطمة عليها السلام عند الشيعة وما موقف أهل السنة منه؟

-المقال الثالث: ما حكم من يقول بتحريف شيء من القرآن الكريم عند المسلمين (السنة والشيعة)؟

وهذا المقال الثاني:

 

القرآن بين السنة والشيعة

مصحف السيدة فاطمة عليها السلام

 

أولاً: عرض عام لمعنى مصحف السيدة فاطمة عند الشيعة

 

1-ما هو مصحف فاطمة عليها السلام؟

كتاب فيه بعض الأسرار والأخبار الغيبية، ويعتبر أوّل كتاب أُلّف في الإسلام، فلم يكتب قبل هذا الكتاب، وهو كتاب أملاه جبرائيل الأمين عليه السلام على سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام من وراء حجاب، وكتبه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بخطّه المبارك.

فقد مكثت عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، أو أقلّ أو أكثر، وقد دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها، فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها.

2-ورثه الأئمة عليهم السلام:

يعتبر الشيعة مصحف فاطمة عليها السلام من ضمن ميراث أهل البيت عليهم السلام العلمي، ومن جملة ودائع الإمامة يتوارثونه، فهو ينتقل من معصوم إلى آخر، حتّى وصل بيد الإمام صاحب الزمان عليه السلام.

ولم يصل المصحف ليد شيعتهم، ولم يطّلعوا عليه، ولم يدّعِ أحد من علماء الشيعة اطلاعه على المصحف، أو يقول، المصحف عندي موجود، وما يدّعيه أعداء أهل البيت عليهم السلام، بأنّ مصحف فاطمة عليها السلام في تناول الشيعة في العراق، أو في الحجاز، أو في إيران، أو أي مكان آخر هو مجرد افتراء وكذب.

2-كتاب حوادث وليس قرآناً:

المصحف كتاب فيه أخبار ووقائع وحوادث، أخبر بها جبرائيل عليه السلام فاطمة الزهراء عليها السلام بما يكون، وأخبرها عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله، ومكانه في الجنّة، وأخبرها بما يجري على أولادها وذرّيتها، من قتل وتشريد وظلم من الأمويين والعباسيين، وكذلك بشّرها بدولة ابنها المهدي الموعود عليه السلام، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأخبرها بما يحلّ بالأُمم، وما يملك من الملوك، وكيف تنتهي هذه الدنيا.

فالشيعة يعتقدون أنّ مصحف فاطمة عليها السلام ليس فيه شيء من القرآن، والشيعة ليس لهم قرآن غير قرآن المسلمين، ولا يعترفون بغيره.

مصحف فاطمة عليها السلام ليس فيه أحكام في الحلال والحرام، وليس فيه شيء من القرآن، ولا كتاباً منزلاً على الناس، ولكن نستطيع أن نقول: أنّه كتاب تاريخي، يتحدّث عن أُمور، سوف تقع في المستقبل.

 

ثانياً: من أقوال أئمة الشيعة في مصحف فاطمة

 

-العلامة العسكري معالم المدرستين السيد مرتضى العسكري (ج 2 / ص 32 – 34): "وأقام بعض الكتاب أيضاً ضجة مفتعلة أخرى على أصحاب مدرسة أهل البيت وقالوا بأنَّ لهم قرآناً آخر اسمه "مصحف فاطمة (ع )" وذلك لأنَّ كتاب فاطمة سمي بالمصحف، والقرآن أيضاً سمي من قبل بعض المسلمين بالمصحف، مع أنَّ الأحاديث تصرح بأنَّ مصحف فاطمة ليس فيه شيء من القرآن، وإنما فيه ما سمعته من أخبار من يحكم الأمة الإسلامية، حتى أنَّ الإمام جعفر الصادق لما ثار محمد وإبراهيم من أبناء الإمام الحسن (ع) على أبي جعفر المنصور قال: " ليس في كتاب أمهم فاطمة اسم هؤلاء في من يملك هذه الأمة".

-محمد جواد مغنية في الشيعة والتشيع حقيقة مصحف فاطمة: "نسب إلى الإمامية القول بأنَّ عند فاطمة بنت الرسول مصحفاً، فيه زيادات عن هذا القرآن الكريم، وقبل أن نبين حقيقة هذه النسبة نشير إلى عقيدة المسلمين في صيانة الكتاب العزيز.

اتفق المسلمون بكلمة واحدة على أنه لا زيادة في القرآن، ما عدا فرقة صغيرة شاذة من فرق الخوارج، فإنها أنكرت أن تكون سورة يوسف من القرآن، لأنها قصة غرام يتنزه عن مثلها كلام الله سبحانه. ونسب إلى بعض المعتزلة إنكار سورة أبي لهب، لأنها سب وطعن لا يتمشى مع منطق الحكمة والتسامح.

ونحن لا نتردد، ولا نتوقف في تكفير مَن أنكر كلمة واحدة من القرآن، وإن جحود البعض، تماماً كجحود الكل، لأنه طعن صريح فيما ثبت عن النبي (ص) بضرورة الدين، واتفاق المسلمين.

أما النقصان بمعنى أن هذا القرآن لا يحتوي على جميع الآيات التي نزلت على محمد، فقد قال به أفراد من السنة والشيعة في العصر البائد، وأنكر عليهم يومذاك المحققون شيوخ الإسلام من الفريقين، وجزموا بكلمة قاطعة أن ما بين الدفتين هو القرآن المنزل دون زيادة أو نقصان للآية 8 من سورة الحجرات: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). والآية 41 من سورة فصلت: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).

واليوم أصبح هذا القول ضرورة من ضرورات الدين وعقيدة لجميع المسلمين، إذ لا قائل بالنقيصة، لا من السنة، ولا من الشيعة. فإثارة هذا الموضوع، والتعرض له ـ في هذا العصر ـ لغو وعبث، أو دس وطعن على الإسلام والمسلمين".

 

ثالثاً: حكم القائل بمصحف فاطمة عند أهل السنة

 

لا يثبت أهل السنة والجماعة مصحف السيدة فاطمة وأنكروا وجوده، لكن السؤال الأهم هل يترتب على إثباته تكفير وخروج عن الملة، الجواب: لا رغم وجود الاختلاف

وذلك لعدة أمور:

1- الشيعة قالوا بنزول جبريل على السيدة فاطمة بالنبوة لكن دون أن يقولوا بدعوى النبوة لها.

2- لم يقل الشيعة بأنَّ مصحف السيدة فاطمة هو بديل عن القرآن ولا أنَّه جاء ليتمم شيئاً ناقصاً من القرآن الكريم، بل ولم يذكر شيء من الأحكام.

بناء على ذلك:

تعتبر مسألة إثبات مصحف السيدة فاطمة من المسائل الخلافية بين السنة والشيعة لكن مسألة لا يترنب عليها تكفير واحد منهم ولا إخراجه عن ربقة الإسلام، وتبقى مسألة أقلَّ بكثير من القضايا الكبرى التي يتفقون عليها ويجتمعون عليها تحت مظلة الإسلام.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل