سلسلة آفات اللسان | "الغِيبة"

السبت 13 آذار , 2021 02:57 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

 

سلسلة آفات اللسان

 "الغِيبة"

 

تعريف الغِيبة لغةً واصطلاحاً

معنى الغِيبة لغةً: الغِيبة: الوَقيعة في النَّاس؛ لأنَّها لا تقال إلا في غَيْبَة، يقال: اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه وذكره بما يكره من العيوب وهو حق، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب، وغابَه: عابه، وذكره بما فيه من السُّوء، كاغتابه.

معنى الغِيبة اصطلاحاً: قال ابن التين: الغِيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب، وعرَّفها الجوهري بقوله: أنْ يتكلَّم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه، فإن كان صدقاً سُمِّيَ غِيبَةً، وإن كان كذباً سمِّي بُهتاناً، وقال المناوي: هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ.

 

أدلة تحريم الغيبة

- عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته" رواه مسلم.

- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنَّه قال: "مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثُمَّ قال: بلى، أمَّا أحدهما: فكان يسعى بالنَّمِيمَة، وأما الآخر: فكان لا يستتر من بوله، قال: ثُمَّ أخذ عوداً رطباً، فكسره باثنتين، ثُمَّ غرز كل واحد منهما على قبر، ثُمَّ قال: لعله يُخفف عنهما مالم ييبسا" .

 

أقوال العلماء والصالحين في الغيبة

- قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع منك.

- وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنَّه مرَّ على بغل ميِّت، فقال لبعض أصحابه: لأنْ يأكل الرَّجل من هذا حتَّى يملأ بطنه، خيرٌ له من أنْ يأكل لحم رجل مسلم .

- وعن يحيى بن الحصين عن طارق قال: دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إنَّ ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوة وشر  .

- وقال محمد بن كعب القرظي: إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بعبد خيراً زهده في الدنيا، وفقهه في الدِّين، وبصره عيوبه، قال: ثُمَّ التفت الفضيل إلينا، فقال: ربما قال الرَّجل: لا إله إلا الله؛ فأخشى عليه النار، قيل: وكيف ذاك؟! قال: يغتاب بين يديه رجل، فيعجبه، فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعها؛ إنما هذا موضع أن ينصح له في نفسه، ويقول له: اتقِ الله  .

- وعن محمد بن سيرين أنه قال: إنَّ أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس  .

- وعن الشَّعبي رحمه الله: أنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيَّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منِّي خصالاً ثلاثاً: لا تغتب من له سرٌّ، ولا يسمعنَّ منك كذباً، ولا تغتابنَّ عنده أحداً.

- ومرَّ ابن سِيرين بقوم، فقام إليه رجل منهم فقال: أبا بكر، إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا، فقال: إني لا أحِلُّ لك ما حَرَّم الله عليك، فأمَّا ما كان إليَّ فهو لكم.

-قال الغزالي: أعلم أن الذكر باللسان إنما حرم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام.

 

آثار الغِيبة على الفرد والمجتمع

للغيبة أضرار كثيرة في الدنيا والآخرة، وهذه الأضرار لها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فلا بدَّ من التنبيه عليها، والاطلاع على تبعاتها؛ كي نتجنبها ولا نقع فيها، ونحذر ارتكابها.

 

1- الغِيبة تزيد في رصيد السيئات، وتنقص من رصيد الحسنات: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته"، وهذا يدل على ما يلحق المغتاب من الإثم بسبب افتياته على خلق الله تعالى الذي حرم الغِيبة، وفي نفس الوقت افتات على حق الإنسان الذي اغتابه.

2- الغِيبة من أربى الربا: معصية الربا من أشد المعاصي؛ لأنَّ المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها، لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم، ولهذا جعلها الشارع أربى الربا، وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله، ولا جاهه فيكون إثمه عند الله أشد من إثم من زنى ستًّا وثلاثين زنية، هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل  .

3- صاحب الغِيبة مفلس يوم القيامة: عن أبى هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنَّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار".

4- الغِيبة تسبب هجر صاحبها: الواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين، عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأنَّ ذلك من تمام الإنكار عليه.

5- الغِيبة تجرح الصوم: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة، في أن يدع طعامه وشرابه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم" .

6- يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه في جوف بيته: فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"

7- عقوبة المغتاب النار.

8- لا يغفر لصاحب الغِيبة حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغِيبة.

9- الغِيبة تترك في نفس الفرد جوانب عدائية، بسبب ما تتركه على سمعته ومكانته.

10- الغِيبة تظهر عيوب الفرد المستورة، في الوقت الذي لا يملك فيه الدفاع عن نفسه.

11- الغِيبة تدل على دناءة صاحبها، وجبنه، وخسَّته.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل