سلسلة وحي القرآن الكريم .. في رحاب سورة آل عمران

الإثنين 15 آذار , 2021 12:42 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

 

سلسلة وحي القرآن الكريم

"مع سورة آل عمران"

 

سورة آل عمران، سورة مدنية من السور السبع الطوال في القرءان الكريم، آياتها 200 آية، وهي الثالثة من حيث ترتيبها في المصحف الشريف، سميت باسمها لورود قصة آل عمران وهو والد السيدة مريم عليها السلام، حيث نذرت زوجته ما في بطنها لعبادة الله عز وجل، فلما وضعت حملها، إذا به أنثى، أسمتها مريم وأعاذتها بالله تعالى من شر الشيطان الرجيم، وبقيت على نذرها الذي نذرته لله سبحانه، ولهذه السورة المباركة فضل مرتبط بفضل سورة البقرة، روى مسلم في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة"، والبطلة هم السحرة.

 

وتتحدث هذه السورة عن قضيتين مهمتين:

_ الأولى: مجادلة النصارى في شأن سيدنا عيسى عليه السلام، حيث قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالوا إن الله ثالث ثلاثة، فأتت آيات سورة آل عمران لتقرر حقيقة عيسى ابن مريم عليه السلام، وأنه عبدٌ لله تعالى وروحٌ منه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء، ثم أرسله تعالى إلى قومه بالمعجزات الساطعات، وأيده بالدلائل الواضحات، حيث قال الله على لسان رسوله عيسى عليه السلام: {وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}،

وكانت افتتاحية هذه السورة دالّةً على عظمة الله تعالى الحي القيوم المنزه عن صفات النقص فلا يحتاج إلى خلقه ولا يشبههم، ولا إله معه ولا ابن له، ولا ثاني له ولا ثالث، فهو الأحق أن يعبد، قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وبعد هذه الحقيقة الثابتة، ذكر الله تعالى بعض الصفات الدالة على عظمته وتفرده بالألوهية فقال سبحانه: {َزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}، {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}، {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}، {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

_ والثانية: هي الحديث عن غزوة أحد، ففي غزوة بدر انتصر المسلمون على عدوهم رغم قلة الإمكانات وضآلة العدد، فكانت غزوة أحد، حيث أراد مشركو مكة الانتقام لقتلاهم في بدر، وقد كان النصر في بداية المعركة للمسلمين، غير أن الرماة خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا أماكنهم، فباغتهم المشركون، وحصلت انتكاسة مؤلمة لجيش المسلمين، ليعلموا أن النصر الحقيقي هو بامتثالهم الكامل لأوامر الله تعالى واتباعهم لهدي النبي صلى الله عليه وسلم،ثم مرت السورة على ذكر بعض الحقائق التي يجب على المؤمنين وضعها نصب أعينهم، حتى لا يهابوا لقاء عدوهم مخافة الموت، لأن الموت حقيقةٌ لا مفر منها، وأبرز هذه الحقائق:

_ بشرية النبيّ صلى الله عليه وسلم: وأنه رسولٌ كسائر الرسل، سيترك الدنيا ويفارقها إلى جوار رحمة ربه، تاركاً لأصحابه من بعده ميراثاً نبوياً عظيماً، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، وقد نزلت هذه الآية أثناء معركة أحد حين أشاع المشركون خبر موت النبي صلى الله عليه وسلم إضعافاً لهمم المسلمين.

_ حتمية الموت المؤكد: وأن الأعمار والآجال بيد الله سبحانه، فلا تموت نفسٌ إلا عند انتهاء أجلها المقدر، {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}، وفي ذلك رد على المنافقين {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فأتى ذكر الموت في هذه السورة ليبين كذب دعوى المنافقين الذين دعوا الناس إلى الهروب وترك القتال مخافة الموت، بل من مات من المؤمنين في المعركة، إنما رزقه الله تعالى الشهادة في سبيله والحياة الدائمة في النعيم المقيم، {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
_ بيان الفوز الحقيقي: وأنه يكمن في النجاة من النار والظفر بالجنة، وليس مجرد الانتصار في معارك الدنيا، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

وختم الله القسم الأخير من السورة ببيان عظيم التفكر في آياته وفي هذا الكون الفسيح، لما في التدبر والتفكر من زيادة إيمانٍ بالله الخالق العظيم، {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ، ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ، ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد}.

ثم جاءت الآية الأخيرة من السورة لتكون خلاصة الخلاصة، فبعد الحديث عن عظمة الله تعالى وعن مخالفة أهل الكتاب في عقائدهم، وكذلك بعد الحديث عن غزوة أحد وحال المنافقين فيها، جاء الأمر الرباني:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل