الْحَجُّ أَشْهُر مَّعْلُومَات .. سلسلة خطب الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه

الإثنين 14 حزيران , 2021 04:12 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات ـ إسلاميات

إنّ الحمد لله، نحمده تعالى ونشكره، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وإليه المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرة أعيننا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن سار على طريقه واتبع هداه إلى يوم الدين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران-الآية 102. أما بعد عباد الله:

قال الله تبارك وتعالى بعد قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} سورة البقرة-الآية197: تبدأ أشهر الحج من شهر شوال، ونحن اليوم في شهر ذي القعدة، أي بقي بيننا وبين الوقوف في عرفات أقل من شهر أو يزيد قليلاً، متمنين أن نكون بين الحجيج، مرزوقين أداء هذه الفريضة، وهي الركن الركين من أركان الإسلام؛ لأنها تكاد أن تكون جامعة للإسلام كله، ابتداءً من التلبية، والصلوات، ومن لم يستطع أن يقدم هدياً فليصمه ويعطي ويتصدق، ويتعلم الآداب والأخلاق مع كثافة الحجيج وشدة الحر، وهذا المكان المبارك ليس للتنزه، إنما للنسك والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} سورة المزمل-الآية8، اترك المخلوق وابق مع الخالق، من أجل توثيق هذه العلاقة وبنائها البناء الصحيح؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى مصدر وجودك، ومصدر عطائك، ومصدر الخير إذ لا وجود للخير بدونه، مقام عالٍ ترتقيه عندما تحج بشكل صحيح، واحرص على زيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، قف بين يديه وسلم عليه، وإذا كنت من أهل البصيرة –خارج دائرة البصر- تجد النور المنصوب من الأرض إلى السماء، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة))، وقال في موضع آخر: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))، أيها المسلم: إن لم تجد حلاوة الإيمان في نفسك فابك عليها، واذهب إلى طبيب القلوب وهو العالم الرباني عسى أن تحظى بتلك الأنوار وأن تتذوق حلاوة الإيمان.

لم يخلقنا الله سبحانه وتعالى حتى يعذبنا، إنما خلقنا لنكون سعداء بمعرفته، وبالسير على طريقه، طالبين مرضاته، عاملين بأحكامه، منتهين عما حرم، فإن خرج الإنسان عن هذه التعاليم عاش شقياً، ((عَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ ، ،أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ : انْظُرْ مَا تَقُولُ ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ فَقَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي ، وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا . فَقَالَ : يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ . ثَلاثًا)) انطلاقاً من هذا الحديث، من منا سأل نفسه وحاسبها؟ من منا قارن بين نص الحديث وأعماله اليومية؟ من اتق الله بجاره وأهل بيته؟

ما يضنينا في هذه الأيام العصيبة كثرة الجدال، فوق الفقر وقلة المادة، وارتفاع الأسعار، وشح السلع، أصبنا ببلاء الجدال بما نعرف وما لا نعرف، لننتقل به إلى الثرثرة، وبها إلى الخصام، ومنه إلى الإقتتال، الواجب علينا أيها الأخوة أن نتماسك وأن يحب بعضنا بعضاً، سواء كنا متعلمين أو أميين، مدنيين أو عسكريين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل