الصدق مع الله ... سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه

الخميس 24 شباط , 2022 01:39 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

أوصاني شيخي:

الصدق من صفات الأنبياء، قال الله تعالى على لسان أنبيائه صلى الله عليهم أجمعين، مبيناً صفة الصدق فيهم، والتي هي من أهم الصفات:

1- {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء/61]، لسان حال سيدنا إبراهيم، يدعو ربه سبحانه وتعالى أن يكون من الصادقين، على الرغم من أن الأنبياء معصومون، إلا أنه أخذ بالأسباب داعياً ربّه سبحانه وتعالى.

2- {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} [مريم/41]، فكانت صفة إبراهيم أبي الأنبياء -عليه السلام- أنّه كان صدّيقًا، فلا يكذب ولا يخلف مواعيده.

3- {َاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}[مريم/54]، وصف الله تعالى نبيّه بالصدق قيل لأنّه قد وعد رجلًا بأن يأتيه بعد عام وأتاه، وهذا ما يجب أن يكون عليه المرء في جميع أوقاته وأحواله وأيامه.

4- {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}[مريم/56]، فقد وصف الله تعالى نبيّه إدريس بالصدق، فكان يصدق القول والفعل.

5- {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف/46]، وصفه الرسول الذي كان معه في السجن بالصدق لما رآه منه من صدق. "الصادق الأمين" كانت هذه الصفات تلازم اسم نبينا صلى الله عليه وسلم، كان صادقاً مع الجميع، لا يكذب ولا يغش؛ لهذا نال ثقة الجميع في قريش، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وكل من آمن به على الصدق، والتحلي به، والابتعاد عن الكذب لما له من آثار سلبية على الإنسان والمجتمع الذي يعيش به.

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم عدّة أحاديث تحث على الصدق وتحذر من الكذب منها:

1- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني أبو سفيان: (أن هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم أي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ فزعمت: أنه أمركم بالصلاة، والصدق... قال: وهذه صفة نبي).

2- عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة).

3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الحديث إليَّ أصدقه).

4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

5- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة).

6- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم).

علينا أن نلتزم بالنص الشرعي، ونأخذ به، مستعينين بنصائح أهل العلم والمعرفة، سامعين قولهم، مستجيبين مطلبهم، داعين لهم بعد فراقهم، اللهم فاجزهم عنا خير الجزاء، وأسكنهم الفردوس الأعلى، واجعلهم شفعاء لنا يوم الحساب.

صدق الشيخ ووفاؤه:

إنه إيمان ينبع من القلب، ويرسخ في النفس، ويلامس الروح، مداعباً إياها بطمأنينة لا مثيل لها، كيف لا؟!، وهي التي تمثلت بقوله تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب/23]، صدق الله فأعطاه الله سؤله.

أوصاني شيخي بالصدق مع الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يمكن أن يكون دون الصدق مع النفس والجسد والروح، تروّضها على العبادة والطاعة بصدق، فتوصلك إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يورثك الصدق مع الآخرين، مع أبيك وأمك، وأخيك وأختك، وزوجك وبنيك، ومجتمعك المحيط بك، ويكسبك ثقة الآخرين.

صدق الشيخ عبد الناصر جبري ـ رحمه الله تعالى ـ شيخه الشيخ أحمد كفتارو ـ رحمه الله تعالى ـ فأعطاه الله تعالى ما يريد، وهذا ما لمسته على فترة سنتين من ملازمته، فما نسي عند كل صباح أن يقف على باب كلية الدعوة الجامعية قائلاً: ((اللهم زد هذا المكان سعة واتساعاً، وبركة ونوراً إلى قيام الساعة، ليعم خيره ونوره وبره الدنيا كلها يا رب العالمين، وهيئ له من يقوم على خدمته ورعايته من العلماء الأتقياء الأنقياء، واجعل هذا في أبنائنا وطلابنا وأحبابنا يا رب العالمين))، وهذا لا يكون إلا من باب الصدق والإخلاص لهذا المكان.

ومن صدقه أيضاً ـ رحمه الله ـ:

1- صدقه مع أهله: كان الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ صادقاً مع أمه وأبيه، هذا الصدق تجلّى في خدمتهما، وطلب مرضاتهما، والعمل على برّهما، ذهب معهما إلى الحج خادماً،ساهراً على راحتهما.

2- صدقه مع القضية الفلسطينية: بقي الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ صادقاً في موقفه ضدّ المحتلين لأرض فلسطين، ساعياً في ميدانه السياسي في جمع الكلمة بين الفصائل الفلسطينية في الداخل اللبناني، داعماً لموقفهم، داعياً الشعوب العربية والإسلامية إلى ترك كل الخلافات جانباً، والتوحّد من أجل تحرير الأرض المقدسة.

3- صدقه مع أبنائه: عمل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ على تربية أبنائه على البر والتقوى، معلماً إياهم أفضل تعليم أكاديمي في مجال الشريعة الإسلامية وغيرها من العلوم، حريصاً عليهم، فلا ينمّون ولا يغتابون ولا يحقرون، ليكون نهجهم نهج أبيهم ـ رحمه الله تعالى ـ وهو نهجٌ مبني على الصدق والإخلاص.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل