"التراويح" أرح بها نفسك وعقلك .. سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه

الإثنين 11 نيسان , 2022 01:00 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

أوصاني شيخي قيام شهر رمضان المبارك:

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ في المَسْجِدِ، فَصَلَّى بصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إليهِم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قالَ: قدْ رَأَيْتُ الذي صَنَعْتُمْ ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ علَيْكُم وذلكَ في رَمَضَانَ)).

وعن عبد الرحمن القاري قال: ((خَرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ؛ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، ويُصَلِّي الرَّجُلُ فيُصَلِّي بصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ علَى قَارِئٍ واحِدٍ، لَكانَ أمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمعهُمْ علَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معهُ لَيْلَةً أُخْرَى والنَّاسُ يُصَلُّونَ بصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هذِه، والَّتي يَنَامُونَ عَنْهَا أفْضَلُ مِنَ الَّتي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وكانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أوَّلَه)).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غيرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فيه بعَزِيمَةٍ، فيَقولُ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَالأمْرُ علَى ذلكَ ثُمَّ كانَ الأمْرُ علَى ذلكَ في خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِن خِلَافَةِ عُمَرَ علَى ذلكَ)).

وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: ((صُمنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم رمضانَ فلم يقُم بنا شيئًا منَ الشَّهرِ حتَّى بقِيَ سبعٌ فقامَ بنا حتَّى ذَهبَ ثلثُ اللَّيلِ، فلمَّا كانتِ السَّادسةُ لَم يقم بنا، فلمَّا كانتِ الخامسةُ قامَ بنا حتَّى ذَهبَ شطرُ اللَّيلِ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ لو نفَّلتَنا قيامَ هذِهِ اللَّيلة. قالَ فقالَ: إنَّ الرَّجلَ إذا صلَّى معَ الإمامِ حتَّى ينصرِفَ حُسِبَ لَهُ قيامُ ليلةٍ، قالَ: فلمَّا كانتِ الرَّابعةُ لم يقُم، فلمَّا كانتِ الثَّالثةُ جمعَ أَهلَهُ ونساءَهُ والنَّاسَ، فقامَ بنا حتَّى خشِينا أن يفوتَنا الفلاحُ. قالَ قلتُ وما الفلاحُ قالَ السُّحورُ ثمَّ لم يقم بقيَّةَ الشَّهرِ)).

وعن عمرو بن مرة الجهني -رضي الله عنه- قال: ((جاء رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رجلٌ مِنْ قُضاعةَ، فقال له: يارسولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إن شهدتُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنك رسولُ اللهِ ، وصَلَّيْتُ الصلواتِ الخمسَ وصُمْتُ الشهرَ، وقُمْتُ رمضانَ، وآتيتُ الزكاةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: مَنْ مات على هذا كان مِنَ الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ)).

وجاء في صحيح البخاري، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَان)). وجاء في صحيح مسلم، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تقدم من ذنبه)).

الأحاديث التي سبق ذكرها، تحثّ على قيام الليل (صلاة التروايح)، فصلاة التراويح سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يصل فيها العبد ربه طيلة ليالي شهر رمضان المبارك، عابداً راكعاً ساجداً قانتاً داعياً باكياً متضرعاً علّ الله سبحانه وتعالى يقبله ويجعله من المرحومين المغفور لهم بإذن الله سبحانه وتعالى، وصلاة التراويح في رمضان تهذب النفس وتعطيها قوة على مصارعة الذنوب والتصدي لها، وبالأخص في زماننا، فالفتن باتت معك في كل مكان تذهب إليه، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ لهذا لابدّ لك من وقت تستريح فيه من ذنوب كثرت وعظمت، وهذا لا يكون إلا في صيام وقيام طيلة شهر رمضان المبارك.

جاء في كتاب النتف في الفتاوى، لمؤلفه: أبي الحسن علي بن الحسين بن محمد السُّغْدي الحنفي، المتوفى سنة ٤٦١هـ: صلاة ‌التَّراويح وإنها عشرون ركعة في كل لَيلَة من شهر رَمَضان، في كل ركعتين يسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصليها في حَياته وحده، وكذلِكَ أصحابه، حتى كانَ زمان سيدنا عمر فجعل للنَّاس إمامين فِي شهر رَمَضَان، فكان أُبي بن كعب يصلِّي بالرجال وكان ابن أبي حثمَة يصلِّي بالنسَاء.

أوصاني شيخي على قيام شهر رمضان، بصلاة تراويح عشرين ركعة، لا تنقص قط؛ وكان حريصاً علينا كطلاب في مجمع كلية الدعوة الجامعية على هذا؛ لهذا عمل في سنة 2015م على شراء عباءة (كلابية) وطربوش (طاقية) لكل طالب منا، داعياً كل واحد فينا إلى الصلاة في الصف الأول، وإلى جانبه، وهكذا حتى ننهي عشرين ركعة، وثلاث ركعات وتر، ثمّ نسلم على بعضنا في دائرة يعمها الحب والتسامح، وهكذا طيلة شهر رمضان المبارك، ترك الشيخ رحمه الله تعالى فينا سنناً عظيمة، تحتاج إلى تقوى وصبر، كما عرفناه صابراً محتسباً قائماً راكعاً ساجداً قانتاً دون كلل أو ملل، صاحب عزيمة قوية يصلي دون شيء يستند إليه رحمه الله تعالى، ودون غياب أو انقطاع، يختار كل يوم طالباً يعطي درساً لخمس دقائق، وذلك بعد السلام من الركعة الرابعة؛ وذلك لصقل نفوسنا وتحضيرها للدعوة في مكان يقيمنا فيه الله سبحانه وتعالى، وبعد الانتهاء من الصلاة كنا نجلس في مكتبه في الكلية، نتدارس شيئاً من النحو والعقيدة، وهكذا طيلة الأيام المباركات.

اعمل على أسرتك وأهل بيتك، واجعل منهم هداةً مهديين مباركين، عوّدهم على القيام في شهر رمضان، فلا المسلسلات تسمن، ولا البرامج الفكاهية تغني من جوع، ومن لم يطع الله سبحانه وتعالى لن يطعيك، فانظر إلى أولادك ذكوراً وإناثاً، واصحبهم معك إلى المسجد طيلة أيام شهر رمضان المبارك، واجعلهم من الطائعين لله لكي تحظى ببرّهم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل