ماذا بعد الحج ؟ ـ إعداد: محمود الأحمد القادر

الخميس 14 تموز , 2022 09:00 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات ـ إسلاميات

ماذا بعد الحج؟

على الحاجّ عند عودته من الحج المداومة على الطاعات لأنها مفتاح الخير والنجاة يوم القيامة، وعليه ترك المعاصي لأنها تقسي القلب، وتمحق بركة العمر والرزق، وتفقد صاحبها لذة الطاعة.

الحج من أفضل الأعمال وأجل العبادات عند الله سبحانه وتعالي، فالحج المبرور سبب لغفران الذنوب، ولا جزاء له إلا الجنة، لكن سؤالا دائما ما يطرح نفسه بعد أداء المسلم فريضة الحج، ألا وهو: ..وماذا بعد الحج؟، هل من أدى فريضة الحج، فأحرم ولبى وسعى وطاف ورمى وحلق ونحر الهدي، وطلب المغفرة والرحمة والتوبة من ربه، وعاهده وعاهد نفسه، على ألا يعود إلى معصيته، فرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.. هل يمكن أن تحدثه نفسه بأن يعود إلى اقتراف السيئات والمعاصي، وماذا عليه أن يفعل لتجنب ذلك؟!.

بدورهم هنأ علماء الدين كل من اختاره الله عز وجل ودعاه لزيارة بيته وأتم عليه المناسك، ليعود صفحة بيضاء كيوم ولدته أمه، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم حين قال: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، وقالوا إن هذه نعمة كبرى تستوجب الشكر، وليس أعظم من المداومة على الطاعة شكرا لله عز وجل على تمامها، ورجاء لدوامها.

وحذر العلماء كل من أدى فريضة الحج، من أن يناله الكسل والتراخى والتقصير فى حق الله والعباد كأن يضيع صلاة، أو يمنع خيرا عن الناس، أو يأكل الربا، أو الرشوة، أو يقطع الأرحام، أو يخوض فى أعراض الناس، أو يكذب ويطغى ويتكبر، أو يحجب الميراث عن مستحقيه، أو يقصر فى زكاته، وغير ذلك من أمور الدنيا، وصدق الفضيل بن عياض رحمه الله حين قال: «إنَّ الله تعالى يختم على عمل الحاجّ بطابع من نور؛ فإياك أن تفك ذلك الختم بمعصية الله عز وجل». وأكدوا أن الزهد فى الدنيا والرغبة فى طيب الآخرة، فضلا عن المداومة على الأعمال الصالحة والطاعة، من علامات قبول الحج، كما أن مواسم الخير تعد فرصة للالتزام بالتقوى والاستقامة ورفع الدرجات.

التقوى أعظم المقاصد

وأشار السادة العلماء، إلى أن حصول التقوى من أعظم مقاصد الحج وفوائده؛ حيث قال سبحانه: «لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ»، فالتقوى التى يتربى عليها الحاج فى حجه هى التى ينبغى أن يسير عليها فى حياته متعاملا بمقتضاها مع نواهى الله وأوامرِه، وأن الحج لا رفث فيه ولا فسوق ولا جدال، فإنه تربية وتهذيب للسلوك ليصبح ذلك خلق العبد فى كل حال، وليكون كما وصف النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ»، موضحا أن الاستقامة من أولى ما يوصى به المسلم بعد التقوي؛ كما أوصى بها النبى صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله رضى الله عنه حين قال: يا رسول الله، قل لى فى الإسلامِ قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَِّه فَاسْتَقِمْ»، ولما كان العبد مع الاستقامة معرضا للخطأ والتقصير، قال الله تعالي: «فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ»، فعلى كل حاج أن يلتزم بمنهج الله تعالى فى كل تعاملاته، ولا يعود إلى اقتراف الذنوب والمعاصي، التى خرج وتطهر منها بعد أدائه الركن الخامس للإسلام، ويحقق قول النبى صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

وأضافوا: أن المؤمن ينبغى أن يحمل دائماً فى قلبه هم القبول لعمله، ويتذكر فى كل حين، قول الحق فى الكتاب المبين: «..إنما يتقبل الله من المتقين»، وهذا ليس فى الحج وحده، بل فى الحج وغيره، فكم فى الناس من يؤدى العمل والعبادة، ولا يلتفت إلى قضية القبول، وكأن عنده ضمانا من الله بالقبول، بينما يصف ربنا تبارك وتعالى حال عباده الصالحين فيقول: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»، موضحا أنه إذا كان الحاج منذ أن يلبى وحتى ينقضى حجه وينتهي، فإن كل أعماله حجه ومناسكه تعرفه بالله، وتذكره بحقوقه سبحانه، وأنه لا يستحق العبادة سواه، ولا تسلم النفس إلا إليه سبحانه؛ فكيف يهون على الحاج بعد ذلك أن يصرف حقا من حقوق الله من الدعاء والاستعانة بغيره؟! وأى أثر للحج فيمن عاد بعد حجه مضيعا للصلاة، مانعا للزكاة، أكلا للربا، أخذا للرشوة، قاطعا للأرحام؟!.

محطة تحول

وأكد العلماء أنه من المعلوم أن الحج يعتبر للحاج ميلادا جديدا، وأول ما ينبغى أن يفتتح به هذا الميلاد هو توبة العبد لربه، وعزمه على إصلاحِ شأنه كله، قال تعالي: «..وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، موضحا أن من الخطأ الكبير أن يظن الإنسان أن مواسم الطاعات فرصة للتخفف من الذنوب والسيئات، ثم إذا ذهبت هذه المواسم وقع بعدها فى المخالفات، وتنتهى فترة إقباله على الله تعالى بانتهاء تلك المواسم والأيام المباركة، بل إنه يجب على المسلم أن يجعل مواسم الخير فى العبادة محطة تحول كامل لواقع حياته؛ من حياة الغفلة والإعراض عن الله، إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله، مشيرا إلى أن من إغواء الشيطان وخداع النفوس الأمارة بالسوء أن يعود كثير من الناس بعد الحج إلى سالف ذنوبه ومعاصيه، والله ينادينا بنداء الإيمان أن نستقيم على شرعه، ونستجيب له ولرسوله، ونتقيه حق تقاته، ونعبده حق عبادته فى حياتنا إلى مماتنا، قال تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ»، مؤكدا انه يجب علينا ان نتذكر عظيم نعمة الله علينا، حيث إنه مع كثرة ذنوبنا وعظيم خطايانا وزلاتنا أن؛ يوفقنا بالوقوف بين يديه، وأن نستغفره ونستهديه؛ ويكرمنا بأن ييسر لنا الحج ليغفر لنا ذنوبنا وخطايانا؛ فما أكرم من رب رحيم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل