الإنفراج الإقليمي، صُنِع في الصين مع كفالة... ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 14 آذار , 2023 10:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مع إعلان التوافق السعودي الإيراني من بكين، والتحضير لإحياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين، ربما يكون على دول الخليج العربي تقييم حجم مليارات الدولارات المهدورة لشراء الأسلحة الأميركية، خلال الحقبة التي كانت واشنطن تصوِّر إيران أنها البعبع الإقليمي النووي الذي يهدد ممالك وإمارات الخليج، التي أدخلت نفسها في سباق تسلح من جهة، وأوسعت أحضان صحاريها للقواعد الأميركية المُتنقلة من جهة أخرى، مع علم أنظمة هذه الدول، أن نقطة قوة أميركا هي في بُعد أراضيها عن أماكن إشعالها للحروب، ونقطة ضعف العرب أن آبارهم النفطية سوف تشتعل عند أول شعلة لحربٍ إقليمية، وأيضاً نقطة قوة إيران أنها عقائدياً ودينياً ترفض بناء قوة تدمير شامل على ما أكده المرشد الأعلى مراراً، ونقطة ضعف بعض الخليجيين أنهم كانوا يرفضون تصديق كل ما هو خارج الإملاءات الأميركية.

وإذا كان بعض المحللين قد ذهبوا في اجتهاداتهم، الى قياس الكيلومترات التي قطعها الإيراني أو السعودي للوصول إلى الصين، فإن وقائع السنوات الماضية من الصراعات الإقليمية العديمة الجدوى، دفعت بالقيادة السعودية الحالية الممثَّلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان الى مدٌ يد المصافحة لطهران، ولو من الصين، وسط انهيار العلاقات الأميركية السعودية الى أدنى مستوى منذ رحيل "الصديق الشخصي ترامب"، سيما أن المستجدات التي لدى السعودية هي محض إقليمية، وهي من قبيل الصدفة "شرقية الملامح" بالوقائع والنتائج، لكنها تتقاطع مع مصالح روسيا والصين في مواجهتما للآحادية القطبية.

أولاً، الرفض الإيراني لأي طرف إقليمي المشاركة من باب العداء لها في محادثات إحياء الإتفاق النووي مع دول خمسة زائد واحد، مما قطع الطريق على السعودية أن تتشارك مع أميركا في ما يسمى "ضغط الكماشة" الدولي/ الإقليمي على إيران، الحريصة في الوقت نفسه على خطاب ودود مع محيط عربي سنِّي تسعى لأن يكون ضمن جناح وحدة إسلامية وكتلة شرق متوسطية بمواجهة "الشيطان الأكبر".

ثانياً، الحرب على اليمن التي سبق لولي العهد السعودي في حمأة "عاصفة الحزم" أن هدد بنقلها الى قلب إيران، هذه الحرب أثبتت عبثيتها، لأن بلداً فقيراً بالمعنى المادي مثل اليمن لم يكن أصلاً لديه ما يخسره، وقد حصدت "العاصفة" ما حصدت من بشر وحجر على مدى ثماني سنوات، لكن اليد اليمنية لامست جنوب المملكة في جيزان وعسير، وأرعبت صواريخ أنصار الله مدناً خليجية هادئة، ولم يتبدل الوضع الميداني عما هو عليه، لا بل أن العكس قد حصل، وتأثرت أسواق البورصة والإستثمارات في دول الخليج عند كل سقطة صاروخ يمني.

ثالثاً، الوضع في سوريا لم تعُد ضربات العدو الإسرائيلي الجوية قادرة على أي تغيير ميداني أو سياسي فيه، والشمال المُحاذي لتركيا مجرد بؤر لتنظيمات إرهابية من بقايا داعش والنصرة، وقد أظهرت كارثة الزلازل الأخيرة حاجة سكان الشمال الى الحضن المركزي في دمشق، خصوصاً، بما يرتبط بإعادة إعمار البنى التحتية وإسكان آلاف العائلات النازحة أو العائدة من الولايات التركية المُدمَّرة، ومع وقوف معظم العرب على بوابة دمشق حالياً وانحسار الدور التركي، فإن عودة الشمال الى حضن النظام باتت مسألة ضرورية لإعادة الحياة الى الخارطة السياسية السورية الواحدة، وهذا ما تؤيده المملكة السعودية ضمن ترتيب أوراق عودة سورية الى الجامعة العربية.

رابعاً، وهو بيت القصيد في مفاجأة التوافق الإيراني السعودي، الذي صُنع في الصين مع كفالة، أن المملكة ومنذ عهد الملك عبدالله، تؤكد عدم إمكانية التطبيع مع "إسرائيل" قبل إقرار الحل العادل للقضية الفلسطينية، ومحاولات التهدئة العسكرية بين فصائل المقاومة الفلسطينية على اختلافها مع سلطات العدو، كانت ولا زالت تتولاها مصر ومديرية المخابرات المصرية العامة تحديداً، بهدف تطويع الجانب الفلسطيني بوعد حل الدولتين، وهذه كانت مهمة المصريين منذ عهد الرئيس الراحل حسني مبارك والمخابرات العامة المصرية بشخص اللواء الراحل عمر سليمان.

واستمرت مساعي التهدئة في عهد الرئيس السيسي بشخص رئيس المخابرات العامة الحالي اللواء عباس كامل، لكن المتغيرات والإنتفاضات على مستوى الشارع الفلسطيني بمواجهة العدو في الضفة الغربية واستنفار قطاع غزة في نفس الإتجاه، جعل الدور المصري في تطويع المقاومة الفلسطينية مستحيلاً، وبالتالي انحسر دور مصر في تمهيد التطبيع السعودي مع كيان العدو عبر إخماد الشرارات العسكرية الفلسطينية بمباحثات سياسية عقيمة كما اتفاق أوسلو، ما يجعل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مستحيلاً ، خصوصاً بوجود حكومة صهيونية يمينية عنصرية، وبالتالي، بات الدور المصري عاجزاً عن تحقيق سلام يُذكر يُمهِّد للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهذا كان السبب الرئيسي لوقف الدعم السعودي لمصر على مستوى الاستثمارات أو المساعدات، وأدى الى أزمات عميقة حتى على المستوى الشعبي عبر مواقع التواصل وانعكاس ذلك على أوضاع العمالة المصرية في السعودية.

وفي الخلاصة، بات اللقاء الحواري المباشر بين السعودية وإيران من مصلحة بلدين كبيرين، وربما تكفي كوارث "الربيع العربي" لأن تكون عظة للطرفين، وبوجود رعاية صينية مكملة للدور الروسي في الشرق، من حق شعوب المنطقة سواء كانوا عرباً أو فرساً مقاربة مصالحهم الإقليمية المشتركة، خصوصا ،أن هناك ربيعاً من نوع آخر يدقُّ أبواب "إسرائيل" وعساه يدكًّ كيانها...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل