"إسرائيل".. انتهى زمن الانتصار؟!

الثلاثاء 11 نيسان , 2023 10:31 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

انتهت جولة التصعيد الأخيرة التي أعقبت عملية إطلاق عشرات الصواريخ تجاه منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة، في خطوة شكَّلت صدمة وإرباكاً كبيرين للأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية. حدثٌ وضع "إسرائيل" في مواجهة خيارات صعبة أمام نجاح يُسجل لفصائل المقاومة في تثبيت معادلة قوة الردع برسائل "وحدة الساحات". 

هناك مقولة عسكرية مشهورة تقول: "هاجم عدوك حيث هو غير مستعد، واظهر في المكان غير المتوقع". هذا ما جرى بالفعل. بدت "إسرائيل" كمن بلع المنجل، فإطلاق الصواريخ من جبهة لبنان كان تخطيطاً ذكياً محكماً، والتوقيت مع عنصر المباغتة المفاجئ كان ضربة معلم، وما تبعه من إطلاق 3 صواريخ من سوريا يعطي مؤشراً قوياً على أن محور المقاومة اتخذ قراراً بتغيير قواعد اللعبة بشكل جديد مع "إسرائيل".

لعلَّ من أبرز تداعيات المشهد بعد هذه الجولة أن هيبة "إسرائيل" كُسرت مجدداً كما كل مرة، فبعدما كانت تتحدث قبل سنوات عن ترميم صورة الردع، أصبحت اليوم بفعل الضربات الأخيرة التي تلقتها تتحدّث عن تأكّل كبير في قوة الردع الإسرائيلية، ما جعل بنيامين نتنياهو يتحدث بشكل صريح عن أن "إسرائيل" سترد بقوة على ما جرى، بهدف استعادة قوة الردع الإسرائيلية التي فُقدت. 

سلوك "إسرائيل" وطبيعة الرد الأخير على صواريخ الجليل بقصف أهداف مفتوحة في قطاع غزة ولبنان معاً، كانا بهدف ترميم شيء من قوة ردعها التي تأكّلت بعد الصدمة الأولى، وكانا أيضاً دليلاً على أنها تفزع من تأجيج ساحات المواجهة في آن واحد.

ثمة سؤال يطرح نفسه في هذا الصدد: هل يمكن لـ"إسرائيل" أن تخوض مواجهة وتستفرد بساحة واحدة تحقيقاً لرؤيتها القائمة على "الفصل بين الساحات" بما يحقق مصالحها الأمنية في الدرجة الأولى؟ 

الإجابة بالتأكيد ستكون أنَّ أي سيناريو يمكن أن تفكّر فيه "إسرائيل" مجدداً على قاعدة الاستفراد بساحة دون الأخرى والتغول بعدوانها أكثر، لن يكون سهلاً عليها إلا بعد التأكد من أن استهداف أي ساحة لن يفضي إلى اشتعال ساحات أخرى، وهذا ما لم يعد مضموناً في إستراتيجية محور المقاومة الذي أعلن تعزيز مفهوم وحدة الساحات عنواناً للصراع مع "إسرائيل".

أكثر ما يؤرق "إسرائيل" الآن هو إستراتيجية "وحدة الساحات" في وجهها، وهو ما عبر عنه رئيس شعبة الاستخبارات اللواء أهارون حاليفا، الذي حذَّر في الأسابيع الأخيرة من توحيد الساحات. وقد استند إلى خطاب غالانت الأخير بهذا الشأن، الذي قال بشكل صريح إن "إسرائيل" ستشهد عمليات من لبنان وغزة والقدس والضفة الغربية والشمال، والآن "تل أبيب".

كشفت جولة التصعيد الأخيرة أنّ "إسرائيل" لم يعد بوسعها تحديد قواعد الاشتباك على صعيد التوقيت والجغرافيا، وحال التردد والارتباك الإسرائيلي كانت واضحة منذ اللحظة الأولى للضربة الصاروخية.

كما أنَّ طبيعة الرد التي طالت أراضي فلسطينية ولبنانية تدلّل على أن خيارات نتنياهو في التعامل مع المشهد كانت صعبة ومعقدة ومحسوبة كمن يسير في حقل ألغام خوفاً من انزلاق الأوضاع إلى حرب مفتوحة مع كل الجبهات في آن، وهو السيناريو الذي تخشاه "إسرائيل" بقوة، والذي تحدثت عنه مراراً وتكراراً ووصفته بطوق النار الذي يلتف حول رقبتها من قوى محور المقاومة ودولها في المنطقة.

تعيش "إسرائيل" أزمتين مستفحلتين، سياسية وأمنية، مع استمرار التظاهرات الداخلية رغم التطورات الأمنية وإطلاق الصواريخ الأخيرة، واشتعال ثورة الأقصى والقدس في وجه بن غفير وسموتريتش، وتصاعد عمليات المقـاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحال الغليان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، مع تأكّل واضح ومتزايد لقدرة الردع لديها. 

ماذا يعني هذا الوضع لـ"إسرائيل"؟ 

يعني ذلك أنّ "إسرائيل" بدأت تغرق شيئاً فشيئاً في أزمتها الوجودية، وهي تعيش رعباً حقيقياً وحالاً من فقدان الأمن والمستقبل معاً. ومن الضروري هنا التوقف أمام ما نشرته جمعية "ناتال" الإسرائيلية للدعم النفسي حديثاً، والتي كشفت زيادة بنسبة 100% على خلفية العمليات الأخيرة، وقالت إنها تتلقى مئات الاستفسارات من إسرائيليين مصابين بالهلع يخشون مغادرة المنزل بسبب العمليات الأخيرة وإطلاق الصواريخ، وهم في حالة خوف شديد، ما يعني انعدام الأمن الشخصي للمستوطنين.

ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أيضاً اعترافات حديثة لقائد سابق في سلاح الجو في "الجيش" الإسرائيلي، قال فيها: "لم أشعر أبداً، حتى في أصعب الأوضاع، بأننا نعيش تهديداً وجودياً مثل هذه الأيام. لديَّ مشاعر في جسدي وروحي لم أشهد مثلها من قبل. أنا أرصد هذه المشاعر لدى الغالبية الساحقة من زملائي".

وأضاف: "الخطوط العريضة لأمن إسرائيل تستند إلى ثلاثة جوانب ذات أهمية بالغة: وجودنا كدولة ديمقراطية، وقدرتنا على الدفاع عن أنفسنا، والعلاقات مع الولايات المتحدة. لست متأكداً من أن جميع أعضاء هذه الحكومة يعرفون هذا ويدركونه". هذا يعني أن الأوساط العسكرية والأمنية على مستوى الأفراد وعلى الصعيد الشخصي أصبحت تعيش حال القلق بفقدان الأمن والمستقبل بالعيش في "إسرائيل". 

"إسرائيل" والمواجهة مع حزب الله: إلى أين؟

أمام المعادلات الجديدة التي طالت قوة الردع بشكل مباشر، تعيش "إسرائيل" أزمة كبيرة، ولن تستطيع تحمل حرب طويلة الأمد مع حزب الله، وهي تقف منذ عام 2006 حائرة وعاجزة ومرتدعة، وتتجنب مواجهة مباشرة معه، نظراً إلى معطيات وتقديرات حديثة نشرها الإعلام الإسرائيلي عن قدرات حزب الله الصاروخية، والتي تحدث عنها بشكل واضح، وقال إن حزب الله يستطيع خوض حرب مدتها 30 يوماً متواصلاً يطلق فيها يومياً 5 آلاف صاروخ بمختلف أجيالها بمفرده، وهذه الصواريخ قادرة على أن تطال كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

ماذا حققت المقاومة الفلسطينية؟

كسرت المقاومة الفلسطينية معادلة الردع بطريقة جديدة، ما يثبت أن الصراع بين الشعب الفلسطيني و"إسرائيل" بعد التطورات الأخيرة بشكل خاص دخل بالفعل مرحلة إستراتيجية جديدة تتمثل بفقدان "إسرائيل" عنصر المبادرة أو القدرة على تحديد قواعد الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية مرة أخرى، كما فقدتها في معركة "سيف القدس" في أيار/مايو 2021 من جهة، وفقدانها قوة الردع وتأكله إلى درجة كبيرة من جهة أخرى، وهو ما يعكس حالة الفشل الأمني الذريع للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية أمام مقاومة نهضت وبدأت تضرب الأمن الإسرائيلي في كل الساحات، وهي تبعث رسالة تقول: "المقاومة عنوان المرحلة"، للرد على اقتحامات الأقصى ولجم حكومة نتنياهو الفاشية.

تبقى معضلة "إسرائيل" الكبيرة التي يصعب عليها إيجاد حلّ لها هي قدرتها على تحقيق التوازن بين ضرورة ترميم الردع وإمكانية فتح بوابة الجحيم عبر مواجهة متعددة الساحات والجبهات لا يمكن التنبؤ بها والتحكم في مسارها، فكل الخيارات باتت أمامها معقدة وصعبة.

 

شرحبيل الغريب ـ الميادين

 

   إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل