رسالة إلى دعاة التفرقة والخصام

الجمعة 21 نيسان , 2023 12:18 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

قضى المسلمون قرابة نصف قرن وهم يتخاصمون بحجج شتى، ويتعادون بذرائع متعددة، واستُعملت لتبرير الخصومات مختلف الوسائل، وسُخّرت لبثّ الكراهية كافة المنابر، واستُحضرت لشحن النفوس كل العناصر، واستُخدمت أصناف الأبواق، وجُيّشت جميع الأطياف كي يتفرق المسلمون بذرائع شتى.
فبالنفخ في بوق الخلافات المذهبية ونبش ما في بطون الكتب من مواقف وأحداث أليمة هنا وهناك وتسليط الأضواء عليها تفرق المسلمون وتقاتلوا وتذابحوا وكفّر بعضهم بعضاً، وبالطعن في الولاء للعروبة بين من يجب أن يكونوا في غاية الوئام تحاربت الدول العربية ودخلت جيوشها في معارك طاحنة، وكلٌّ من الأطراف يتهم الآخر بالخيانة للقوم ويدّعي هو حماية قيم العروبة، وأخيراً تصارع أبناء الوطن الواحد في هذا البلد وذاك على جزء من مساحة الوطن بدعوى سَبَق هذه العشيرة والعائلة في السيطرة على محافظة أو مدينة  أو حيّ، وأصبح الناظر من بعيد إلى مجتمعاتنا يحتار في وصف الأمة هذه المتشظّية حتى آخر قطعة والمتخاصمة على أصغر قضية والمتنافرة على أبسط الأمور، فلا قرآن يجمع المسلمين، ولا قبلة توحد المؤمنين، ولا دم يربط العرب بعضهم ببعض، ولا وطن يوّحد أبناءه ويضعهم تحت جناحيه.
كانت ولا تزال نقاط الخلاف موجودة منذ أن قدّم هابيل وقابيل قربانهما وتمّ قبول أحد القربانين دون الآخر من قبل الله سبحانه وتعالى، لكن أن يصل الحسد بالأخ ليقرر قتل أخيه ويُريق إنسان دم شقيقه بسبب أمر لا دخل له فيه بصورة مباشرة فهذا هو الإثم الأعظم.
وكانت تلك البداية رغم أن قابيل قد ندم على فعلته الشنيعة تلك فور قتل أخيه، لكن البداية تلك كانت سنّة شاعت منذ ذلك التاريخ وتلتها أنواع القتل فرادى وجماعات وعمليات إبادة جماعية من جانب طرف بحق أمم وشعوب في مناطق عديدة على هذا الكوكب حتى يومنا هذا، والقادم أفظع حتماً بسبب تطور الأسلحة وتحديث أدوات القتل.
لكن إذا أمعنّا النظر في أحداث الماضي القريب والمتوسط والبعيد وجدنا وراء كل خصام مآرب لا علاقة لها بالحجج والذرائع التي يستعملها كل طرف لشحن النفوس وكسب المناصرين وحشد المقاتلين، حيث تختفي جميع الحملات التحريضية وتتوقف كل الخطابات التخوينية، ولا يعود أحد يسمع كلاماً عدائياً من الطرفين المتقاتلين، بل يتلاقى الأعداء الألدّاء حتى الأمس بالعناق الحارّ ويتصافحون وكأن حرباً لم تكن بينهم لسنين، ويجلس المتقاتلون على مائدة فيها ما لذّ وطاب من أصناف الطعام، ويتبادلون الأحاديث الودّية والضحك بادٍ بوضوح على الوجوه، وفي نفس الوقت يصف كل طرف من قُتل من جنوده ومقاتليه شهداء ويُلصق على جثامينهم ميداليات البطولة والشجاعة، أما أمهات وآباء أولئك الضحايا فلا يجدون أمامهم فلذات أكبادهم، والعائلات قد خسرت رب أسرتها ومن كان يأتي إليها بقوت يومها، وتصمت فجأة كل القنوات الفضائية والأرضية عن استعمال عبارات تطعن في شرعية النظام المعادي حتى الأمس، وتنعت بأشنع العبارات الحاكمين هناك، وتتغير بصورة كاملة صياغة خطب الجمعة التي تُقدّم من جانب دوائر الحكام إلى الأئمة ليتلوها على حشود المصلين في مختلف المساجد، ويتقابل الذين كان يحقد بعضهم على بعض حتى الأمس فقط متأثرين بأجواء العداوة والشحناء في كامل أجواء الودّ والصفاء من دون خوف من ملاحقة أجهزة المخابرات، والإتهام بالعمالة لدولة أجنبية التي نتيجتها الإعدام.
أما المسخّرون في الماضي لبثّ الشحناء على المنابر والشاشات فمنهم من كان يقبض ثمن فعلته من قبل حيث كان يستخرج من بطون الكتب والتاريخ ما يهيّج الشبان الجاهلين ويحقن نفوس المواطنين الغافلين ويحرض على الفتك والقتل لإخوة في الدين أو لأقرباء في الدم أو لشركاء في الوطن، وهو اليوم نفسه يفتش في كتب الحديث ومصادر التاريخ نفسها عما يؤلّف بين القلوب ويدعو إلى توحيد الصفوف ونبذ الخصومة والعداء، وتفويت الفرصة على الأعداء المتربصين بالأمة، لأن الذين كانوا حتى الأمس يريدون غاية أدركوها أو أنهم اضطُروا للتخلي عن مآرب كانوا يتمنونها، وكل طرف كان قد بذل الأموال بآلاف المليارات من الدولارات، واستعمل مختلف أنواع الأسلحة، وارتكب أشنع الجرائم، وينتهي بشحطة قلم كل الماضي الأليم، ويُطوى ملف العداء الشديد، وتختفي كافة مفردات الخطاب التحريضي من جانب كل طرف ضد الآخر، وهذا العلاّمة والخطيب والمذيع صار يأتي بأجمل العبارات على طريقته وبأسلوبه لتسويق ما قرره الحاكمون.
المهم أن فترة الشحن في النفوس وإثارة الفتن والتي بدأت بكل قوة منذ لحظة انتصار الثورة الإسلامية في إيران قد انتهت، والأموال الطائلة التي صُرفت طوال هذه السنوات من ثروات البلاد في سبيل بثّ الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة قد ذهبت هباءً، والحروب التي شُنّت لإسقاط الجمهورية الإسلامية وتمزيق إيران أشلاء قد فشلت، بل والذين وقفت إلى جانبهم إيران من الدول والجماعات قد صمدوا بل وانتصروا، وفي المقابل فإن الجماعات التي دفعتهم الأطراف المناوئة للجمهورية الإسلامية للعداء ضدها وقدمت إليهم كل ما طلبوه من مال وسلاح ودعم سياسي على أعلى المستويات قد تلاشوا واضمحلّوا، بل صار لدى كل واحد منهم ثروات طائلة يتاجر بها ويكسب الأرباح له ولأبنائه وذرياته حتى أجيال، ولم نعُد نسمع بالبطولات التي كان يتفاخر بها " الثوار "، ولا أحد يقوم بعمليات انتحارية ويمزّق جسده أشلاء بين جموع المصلين والزوار وفي الأسواق الشعبية طلباً للجنة وأملاً بالجلوس على مائدة الرسول صلى الله عليه واله.
إن النماذج التي ذكرنا في التاريخ كثيرة، لكن الإعتبار من الماضي وعدم الوقوع في نفس الفخ الذي وقع فيه الماضون لم نجده عند من يدّعون أنهم الفطاحل والمطلعون، أو أن المال الوفير المقدّم لهم من أجهزة المخابرات قد أعمت عيونهم وغطّت على قلوبهم كونهم كما الشعراء ( في كلّ وادٍ يهيمون )، والمهم عند هذه الفئة من " العلماء " مع الأسف كسب رضا السلطان ونيل عطاياه وذلك بإزاء تأمين رغباته وتبرير سلوكه وسياساته فقط لا غير بحجة وجوب إطاعة ولي الأمر في كل حال.
المهم أن الفرصة الآن أصبحت سانحة ليتلاقى المسلمون معتصمين بحبل الله ويتوحد العرب من الشرق والغرب تحت راية الإسلام، وصار بإمكان قادة ووزراء الدول الإسلامية والعربية تبادل الزيارات الودية، ولم يعُد لأحد من أصحاب السماحة والفضيلة والذين يعتلون المنابر حجة إذا كان سكت في الماضي عن تبليغ رسالة الإسلام الحنيف والدعوة الى الوئام والأخوة بين المسلمين خوفاً من سوط الحكام وسيف الملوك، لأن الفرصة أصبحت سانحة اليوم ليقوموا هم أنفسهم بتضميد الجروح الكثيرة في جسد الأمة ومعالجة المشاكل المتراكمة وتنقية الأجواء وتصفية النفوس وتقريب القلوب وإحياء أجواء الأخوة وتجسيد حقيقة الودّ والوئام حتى لا يعود لسابق العداء أي أثر ولماضي الخصام أية بقية، ويستغني الحكام عن الإرتماء في حضن ( أشد الناس عداوة للذين آمنوا ) طلباً للعون على الإخوة في الدين، وبذل مئات المليارات لكسب حماية العم سام من التهديد بالغزو والإجتياح من جانب الأخ العزيز حتى قبل يوم واحد فقط، وعقد صفقات السلاح بعشرات آلاف المليارات لأجل استعمالها في الحروب بين إخوة الدين وأبناء الأمة العربية الواحدة والشركاء في الوطن الغالي، بل صار يجب صرف تلك الأموال في سبيل سعادة الشعوب ولأجل رخاء المواطنين وعمارة البلاد.
إنني قد طالبت مراراً وتكراراً وفي عدة مقالات الدول التي ذهبت في عدائها للثورة الإسلامية في إيران إلى الغاية القصوى بل والأطراف التي ذهبت بعيداً في بثّ السموم ضد شيعة أهل البيت عليهم السلام في جميع أرجاء المعمورة إلى التروي قليلاً والنظر إلى الواقع الذي لا مفرّ منه حيث البلاد متجاورة والمصالح متشابكة والشعوب متداخلة والعائلات أيضاً متزاوجة، والإستعانة بالعدو الصريح على الأخ والقريب والشريك لا يقبله عقل، والتوسل بالأساطيل الأجنبية والجنود المرتزقة لا تحمي الدول والعروش، بل إن الحوار الأخوي ومناقشة موارد الخلاف بعيداً عن التهديد بالسلاح والتلويح بالحروب هما الوسيلة الفضلى للتعامل بين الدول والحكومات، والتخلي عن الإستقواء بالأجنبي الذي لا يريد سوى مصالحه والتي لا يمكن تأمينها سوى عن طريق بثّ روح التفرقة وفرض حالة العداء وتأليب الإخوة على بعضهم البعض ليسهل عندئذٍ استعمار البلاد ونهب الثروات والتحكم بالقرارات.
إن انتهاز الفرص الثمينة جداً واجب اليوم أكثر من أي وقت مضى، وتثبيت روح الأخوة بين أبناء مذاهب المسلمين هو فرض من رب العالمين، والعودة إلى سابق المودة بين أطياف الشعوب العربية تفرضه وحدة الدم وواقع القربى، أما الأعداء فإنهم لا يريدون الخير في كل حال لنا كمسلمين وهذا ما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه في كتابه المجيد بقوله: ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ) صدق الله العلي العظيم.

 


السيد صادق الموسوي


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل