المحكمة الدولية, الانحياز المخزي, واميركا المحرك ــ يونس عودة

الثلاثاء 30 أيار , 2023 09:22 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

رغم إقرار مسؤولين اميركيين واوروبيين ان زمن التغول الأميركي يتراجع وهو في طريقه الى الافول, وانه حمل في تكوينه بذور نهايته, والتوقع ان تكون عملية سقوطه مدوية, الا ان الدولة الأميركية العميقة التي بنت أدوات ومنظمات إقليمية ودولية بمظلات حقوقية وإنسانية وثقافية وإعلامية, لا تزال تراهن على ان وسائل الدفاع ووسائل حماية التغول, ونشر ثقافته المدمرة, لا تزال قادرة على إطالة عمر تلك الكيانية عبر استهداف الساعين الى الانعتاق من النظام العالمي غير العادل, والمتوحش في كثير من جوانبه.

في هذا السياق, لا تتردد الولايات المتحدة الأميركية, من استخدام المحكمة الجنائية الدولية, وهي ليست عضوا فيها, لا بل رفضت الانضمام اليها, ليس فقط لأنها تعتبر نفسها فوق نظم العدالة الدولية, بل ان النظام الأميركي يعتبر من حقه البطش والقتل وارتكاب المجازر, وشن الحروب, وعلى تلك المنظمات ان تبرر افعاله الشنيعة أينما كان. ومن ضمن تلك المنظمات "المحكمة الجنائية الدولية " التي تحولت في أحيان كثيرة. شاهد زور, يعتمد على معطيات مزورة, ويساهم في طمس الحقائق غب الطلب الأميركي, رغم الالتباسات السائدة في علاقة المحكمة المذكورة مع إدارات أميركية متعددة, تعرضت على خلفيتها الى عقاب أميركي،"لان المدعي العام الذي كان يقود المحكمة تجرأ على قول حقيقة لا يمكن ان تغطيها اهوال الجريمة الأميركية ,سيما على خلفية ارتكاب جرائم الحرب الواضحة التي ارتكبها الجنود الاميركيون سيما وان نظام المحكمة يفترض ان يتيح لها محاكمة مرتكبي تلك الأفعال التي ترقى الى جرائم حرب, وجرائم ضد الإنسانية, فعوقبت المحكمة, واستقالت المدعية العامة فاتو بنسودة من منصبها بسبب إعلانها النية بالتحقيق في جرائم الحرب من قبل أميركا وحلفائها في أفغانستان، وهو أول تحقيق للمحكمة بشأن مشاركة جنود أميركيون في ارتكاب جائم حرب، وقد وجدت بنسودة أن البنوك أغلقت حساباتها، وألغت بطاقات الائتمان الخاصة بها. حتى أن أقاربها تمّ تجميد أصولهم في المصارف، امتثالاً للقواعد التي وضعتها وزارة الخزانة الأميركية. وذلك بموازاة اعلان مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، مما يعني أن المحكمة "ماتت بالفعل بالنسبة لها"، فيما وصفها وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو بانها كانت "فاسدة" وانها تقوم بـ "محاولات غير مشروعة لإخضاع الأمريكيين لولايتها القضائية". وهو ما تردده الحكومات الأميركية, المتعاقبة، برفض اختصاص المحكمة، باي شكل من الاشكال, رغم ان تحقيقات المحكمة تستند الى مشاهدات, واعترافات علنية لجنود اميركيين, فجرى تهديد المحكمة, من خلال اصدار قانون يتيح لواشنطن استخدام جميع الوسائل الضرورية والمناسبة للإفراج" عن أي شخص أميركي أو متحالف تحتجزه المحكمة الجنائية الدولية, وذلك في سياق أميركي معروف, لتبرير الغزو واختطاف الأشخاص من أي بلد, واطلاق التهم ضد كل من لا يسير تحت الظلال الأميركية السوداء, بذرائع تهديد الامن القومي, او يشكل خطرا على الاميركيين, او مجرد تصنيفه كمعاد للسياسة الأميركية.

ليس من احد لا يعلم, ان التشكيلة الجديدة للمحكمة الجنائية الدولية برئاسة البريطاني كريم خان, كانت ضمن حراك أميركي رسمي، رغم تشكّيك خبراء القانون الدولي، بحيادية خان ومهنيّته، بسبب الطريقة الانتقائية غير العادلة في اختياره لملفات محدّدة، واستبعاده أخرى وقفل الادراج على ملفات الجرائم الأميركية حول العالم، لا بل أقدمت على تنفيذ الرغبات الأميركية بلا جدال ,و فتح خان ما وصفته المحكمة بأنه "تحقيق في جرائم الحرب المحتملة والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية"، بعد رحلته الأخيرة إلى أوكرانيا، حتى انه تجرأ على اصدار امر اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ,وكشفت وكالة "رويترز" سيطلب خان مساعدة أميركا وهي الدولة التي عاقبت سلفه.

هنا يظهر العنصر الأخطر الذي يغض الطرف عنه هو أن المحكمة، تعتمد على التقارير الاستخباراتية التي تزودها بها واشنطن في أي قضية قانونية في المستقبل، وهذا سينطبق حتماً على أوكرانيا، حيث تؤكد المحكمة أنه يمكنها متابعة القضايا في أفغانستان وأوكرانيا باعتبارهما من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ،بينما ليست للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على الدول التي ليست طرفاً فيها.مثل روسيا ،و لم يتطرّق خان أبداً إلى ممارسات القوات الأوكرانية، وخصوصاً أن جهات دبلوماسية غربية كانت تحدّثت عن ممارسات وارتكابات اخطر قام بها جنود أوكرانيون ومرتزقة يدفع لهم الغرب وأميركا من جيوب دافعي الضرائب.

ان المحكمة الجنائية الدولية التي باتت خاضعة للولايات المتحدة، تغض الطرف عن الجرائم الإسرائيلية الموصوفة, والعلنية, واليومية في فلسطين وضد شعبها, وهي لا ترقى فقط الى جرائم حرب، بل وأيضا إلى جرائم ضد الإنسانية, وجرائم عنصرية بكل ما للكلمة من معنى, وفي السياق طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية المحكمة الجنائية الدولية بالخروج عن صمتها ومحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومن يقف خلفهم.مع الإشارة الى أن "هذه الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي جزء لا يتجزأ من مسلسل القتل اليومي بحق أبناء شعبنا بغطاء وموافقة المستوى السياسي الإسرائيلي".

ليس من المرجح ان لا تلتفت هذه المحكمة الى النداءات الفلسطينية ما دامت خاضعة الى الضغط والابتزاز الأميركيين, كي لا يتكرر درس بسنودة, اذا تحرك الضمير الشخصي, ومحاولة اعلاء العدالة مقابل التقارير الأميركية المزورة, التي يضج العالم فيها بين فترة وأخرى, وان كانت مسبوقة بانذارات مبكرة حول سلوك المحكمة الذي لا يمكن فصله عن الهيمنة الغربية على المؤسسات القانونية الدولية, وضمنا المحكمة الجنائية الراقدة في السرير الأميركي.

ليس سقوط المنظمات الدولية, ولا سيما التي تتعاطى العدالة في الحبائل الاميركية, الا مؤشرات اخرى على ترنح نظام الهيمنة العالمي بقيادة الولايات المتحدة, وهو جزء من ارهاصات قيام عالم جديد, ينتصر في اصحاب الحق على بنائي الباطل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل