"إسرائيل".. وسقوط الهيبة بعد الخيبة ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 16 نيسان , 2024 11:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بصرف النظر عن الادعاءات "الإسرائيلية" حول النسبة المئوية من المسيرات والصواريخ التي تمّ اعتراضها خلال الهجوم الإيراني، سواء قبل وصولها أجواء فلسطين المحتلة أو في أجوائها، فإن هذا الهجوم غير المسبوق، منذ تأسيس الكيان الصهيوني قبل 75 عاماً، احتاجت حكومة نتانياهو قبله وخلاله وبعده، لطلب النجدة من بوارج وقواعد ثلاث دول "عظمى" في بحريّ المتوسط والأحمر: أميركا وبريطانيا وفرنسا، لمساعدتها على اعتراض مسيرات وصواريخ معروفٌ توقيت انطلاقها من إيران بالدقيقة والثانية، وموعد وصولها بالدقيقة والثانية، وتحقق الهدف الرئيسي من الهجوم قبل الوصول: "إسرائيل" تستغيث طلباً للمساعدة، وبقايا الهيبة التي كانت في الماضي انتهت بلا رجعة، وتحديداً منذ عامي 2000 و 2006 مع لبنان، وقبل الورطات الخائبة لهذا العدو مع الداخل الفلسطيني في الأعوام 2006، 2008، 2012، 2014، 2021 و 2022، إلى أن جاءت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، لتقصم ظهر "إسرائيل" وتُقصي عنها نهائياً هالة "الدولة التي لا تُقهر".

سوف يلمس أي متابع عربي أو دولي، أن الردُ "الإسرائيلي" على إيران إن حصل فهو تفصيل، لأن الردّ الإيراني على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق يبقى الأهم، لسببٍ وجيهٍ جداً، أن "إسرائيل" نمَت في الوسط العربي المتخاذل المرتعِد الخائف، وكل عمليات التطبيع التي حصلت معها جاءت من منطلق استقوائها على العرب، لكن "إسرائيل" التي اختبرت وتختبر بمرارة قدرات المقاومة اللبنانية في شمال كيانها، واختبرت وتختبر بمرارة أكبر  المقاومة الفلسطينية في الداخل، لم تعُد بأمان في محيطها العربي، رغم تواجد المُطبِّعين العرب من حولها، كالأردن على سبيل المثال، الذي تصدَّت دفاعاته لبعض المسيرات الإيرانية من منطلق اعتبار مرورها في أجوائه خرقاً لسيادته!

ولو افترضنا أن "إسرائيل" قررت الردّ على الهجوم الإيراني، فهو سيكون رمزياً، لأنها ستواجه دولة مساحتها مليون وستمئة ألف كيلومتر مربع، فيما كل البنى الأساسية للكيان الصهيوني هي في وسط فلسطين المحتلة على مساحة لا تتعدى ألف ومئتي كيلومتر مربع، ولا مجال للمقارنة في حال نشوب مواجهة، لكننا نبقى في موضوع سقوط الهيبة الصهيونية، وننقل عن الوزيرين قي مجلس الحرب، غانتس وآيزنكوت، أن الردّ كان يجب أن يحصل فوراً ليلة وقوع الهجوم الإيراني، لا بل عند انطلاق المسيرات والصواريخ من إيران، وأن انتظار الرأي الأميركي الرافض أصلاً للرد "الإسرائيلي" هو انتقاص من هيبة الدولة العبرية، رغم أن غانتس وآيزنكوت وكل مسؤول أو مستوطن صهيوني يدرك، أن قوة "إسرائيل" من دون أميركا جبروتٌ فارغ، هي التي عجزت عن مواجهة المقاومة في غزة، وهي التي تخشى مواجهة المقاومة في لبنان، وهي التي تستغيث بأميركا والحلفاء لإعانتها في صدّ هجوم إيراني يعتبر مناورة بسيطة بالنسبة للقدرات الإيرانية الذاتية.
 
وحيث ثبُت بعد عملية 7 أكتوبر أن "إسرائيل" تصرخ لأميركا عند أي استحقاق أمني، وأن المواجهة مع حماس منفردة استوجبت أساطيل جوية وبحرية لنقل الأسلحة والذخيرة من أميركا، فإن الخصوصية الداخلية الأميركية تُلزم الرئيس بايدن وهو في مرحلة "البطة العرجاء" التي تسبق الانتخابات الأميركية بعد ستة أشهر، أن يتحاشى حرباً مع إيران، شاملة كانت أم جزئية، خاصة أن منافسه دونالد ترامب يُعيِّره عند كل "دعسة ناقصة"، بدءاً من "السماح" لروسيا بغزو أوكرانيا، وتجرّؤ حماس على عملية 7 أكتوبر، وأخيراً وليس آخراً ما قاله ترامب هازئاً من بايدن خلال إلقاء خطاب انتخابي في ولاية بنسلفانيا تزامناً مع حصول الهجوم الإيراني على إسرائيل: "لو كنا نحن في مناصبهم لما تجرأت إيران على مهاجمة إسرائيل".

صحيح أن بايدن يحتاج لتحقيق إنجاز يعزز بقاءه في البيت الأبيض لولاية ثانية، "إنجاز" حققه باراك أوباما باغتيال أسامة بن لادن عام2011، و"إنجاز" حققه ترامب باغتيال أبو بكر البغدادي عام 2019، لكن بايدن عاجز عن قول كلمته في غزة، تماماً كما عجزت كل ترساناته عن تطويع القطاع المحاصر منذ ثمانية عشر عاماً، وعاجز حتى عن دعم إسرائيل للدخول الى رفح، فكيف له أن يُجازف بشبه مواجهة مع إيران وهو لم يستطع إيقاف صواريخ أنصار الله في اليمن عن ضرب البوارج والسفن التي تعتبرها اليمن معادية؟!

ونتوقف على ضفاف البحر الأحمر ونتساءل، أية بارجة أو سفينة أو حتى زورق لصيد السمك، لا بل سمكة، تستطيع البقاء في مياه البحر الأحمر إذا نشبت الحرب مع إيران، سيما وأن أميركا ومعها بريطانيا وفرنسا قد تنزلق للمشاركة بداعي حفظ أمن "إسرائيل" ولكن، ماذا لو نفذت روسيا تهديداتها بدعم إيران في حال نشوب هذه الحرب، بل ماذا عن استنفار كوريا الشمالية لقدراتها الصاروخية في الإطار نفسه، وهل يتحمل بايدن في أواخر عمره وأواخر أشهر ولايته هذه المخاطرة العظمى، وهو بمواجهة الجمهوريين الذين يستسيغون مراقبة آخرته، فيما حزبه الديمقراطي منقسم على نفسه على خلفية العدوان على غزة؟ وهل يتحمل بايدن مسؤولية اشتعال أسعار النفط والغاز وما يرتبط بهما، وما يترتب عن ذلك من أعباء اقتصادية على أميركا واوروبا، بل هل يضمن بقاء قواعده وبوارجه وجنوده بمنأى عن هكذا مواجهة ؟

ونٌضيف، تبقى غزة هي صلب الموضوع، وما يحصل فيها من مقاومة ومن صمود شعبي رغم المجازر، أعظم من أن تسيطر عليه لا أميركا ولا كل الدول العظمى، لأنه واقع شعب ينزح مع خيمته من الشمال الى الجنوب وبالعكس، وهو باقٍ في غزة كأمرٍ واقع طبيعي، يجب أن يستوعبه العالم، كل العالم، وتستطيع "إسرائيل" أن تحقق النصر إذا قرر مليونان ونصف مليون فلسطيني الرحيل عن غزة، لكن ما يحصل هو العكس، من خلال الهجرة العكسية لليهود من "إسرائيل" الى أميركا وأوروبا، لانتفاء الأمن والأمان في "أرض الميعاد" ما دام الفلسطيني لم يعُد الى أرضه، وهو عائد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل