الثبات - الوحدة الإسلامية
الوحدة الإسلامية
تتجلى في شهر رمضان
إننا أمةٌ قدْ جمعها الله من شتاتٍ، ووحد عناصرها بعدَ فُرْقَةٍ وأعادها إلى مجدها بعد اغترابٍ طويلٍ مع الزمان قبل الإســلام، ثم أرسى لها قواعدَ السلامةِ في دينها ودنياها والتي من أهمها الوحدةُ العامة التي يجب أن لا ينسى مذاقها الفرد في قلب المجتمع والمجتمع كله وهو يتعامل مع الفرد.
ومن عظمة هذا الدين أنَّه لا يترك فرصةً إلا واغتنمها في إشاعة روح الوحدة العامة بين أفراد الأمة بكل وسيلةٍ وفي أيِّ مناسبةٍ.
ورمضان الكريم في عطائه يفئ علينا ما يجب الالتفات إليه من معالم الوحدة المفروضة لا اختيار للعباد فيها، فالوحدة فريضةٌ والتفرق بلوى وانتكاسةٌ إيمانيةٌ لا يمكن رتقها بأي بدائل أخرى ولو كانت من جلائل الأعمال وكريم الخصال ونقاء السرائر.
رمضان يمنح رسائل للقلوب للدلالة على هداها وراحتها ومنها أنَّ الوحدة فرحةٌ وحبورٌ وسعادةٌ وأنَّ التفرق انتكاسةٌ إيمانيةٌ وشقاءٌ، فكيف نشقى وقد أتانا رمضان جامع أشتات الخير.
رمضان يوجه رسالة إلى جميع القائمين لله بأي أمرٍ من دعوةٍ أو خدمةٍ أو ثقافةٍ أو تثقيفٍ أو تربيةٍ بأن يتزودوا من زاد هذا الشهر الكريم ثقافة توحيد الجهود والقلوب وضبط الخطى جمعاء على دربٍ واحدٍ لمصلحة الجميع .
ولو كان لرمضان لسانٌ ينطق لأمرنا بتقوى الله في أمر الجماعة المسلمة الكبرى والتي لا تعرف الألوان والواجهات المميزة ارحموا أمتكم باجتماعكم وعدم تفرقكم.
ومن مظاهر الوحدة الإسلامية في شهر رمضان الصوم الذي يحمل معه رسالة المواساة والتضحية التي تبحث عن الأخلاق الحسنة والتسامح، والتي تعتبر من الخصال التي تقرب أفراد المجتمع بعضهم ببعض الآخر.
إنَّ توقف ملياري مسلم عن الأكل والشرب من شروق الشمس لغروبها، تطبيقاً لدعوة الله في كتابه قبل ١٤٠٠ سنة، معجزة من المعجزات التي تدل على وحدة المسلمين، أمة تتوحد في إفطارها وإمساكها وصيامها أليست من أكبر الإشارات والدلالات والواجبات على أنها بخير إذا اعتصمت بحبل الله المتين ونبذت الفرقة،
والأمة من خلال الصوم تحقق ما يلي:
- وحدة الهدف والغاية: الهدف العبودية، والغاية تقوى الله.
- وحدة الضمير: الصوم يُؤدَّى بنية صادقة في ضوء مراقبة الله سبحانه، وأثر ذلك يعود على المجتمع في شئونه الاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية والميدانية في ساحة القتال.
- وحدة الشعور بالمسئولية: الإحساس بالمسئولية التضامنية في بناء المجتمع وازدهاره أمر واجب، والدفاع عنه واجب، والشعور بآلام المسلمين واجب، والمشاركة الوجدانية والمادية في تفريج كروبهم ومناصرتهم واجب... إلخ.
- وحدة الصف: تتجلى وحدة الصف في تربية الصائمين على الخشونة والصبر وقوة الإرادة، واحتمال المتاعب؛ فلا مجال للترف والإسراف، بل سبيل الصائم التقشف وضبط النفس، والحسم والعزم؛ فتكتمل الوحدة على أساس متين من الدين.
لذلك تظهر مسؤولية المرجعيات الدينية كبيرة في هذه الفترة بالذات وإن التكلفة البشرية والإنسانية لا يمكن أن تترك أي شخص متفرجاً بل يجب علينا أنْ نكون إطفائيين، والإطفائي لا يسأل عمن بدأ وإنما يحاول أن يطفئ الحريق، ومن الواجب شرعاً أن يقوم العلماء والحكماء ببذل الجهد لإطفاء نار الفتن، وللإصلاح امتثالاً للأمر الإلهي العظيم.
لذلك وجب على العقلاء من جميع الطوائف والفرق أن تجلس على مائدة الحوار ويكون الهدف الاساسي من هذا الحوار هو الوصول الى الحق والاصلاح الداخلي للبيت الاسلامي، ويكون هذا الحوار مصبوغ بصبغة التزكية والتنقية للنفوس، ثم بعدها نتفق على التسامي فوق طائفيتنا ونتفق على السلم الداخلي، حتى نستطيع اسماع الاخرين صوت الاسلام، ونؤكد أن شهر رمضان هو رمز من رموز الوحدة الإسلامية.
ما أحوجنا لهذه المعاني الرمضانية العظيمة، في زمان كثر فيه الحقد والجهل والتكفير، رمضان أيها المسلمون ليس مظاهر، رمضان تغيير للنفوس وإصلاح للمعاملة مع الخالق ومع المخلوقين.