الثبات - التاريخ الإسلامي
أهم الأحداث في شهر محرم
معركة ذات السَّلاسل
بعد أن انتهى الصحابي الجليل قائد جيوش المسلمين خالد بن الوليد رضي الله عنه من حربه على المرتدين من بنى حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب، جاءته الأوامر من الخليفة أبي بكر رضي الله عنه بالتوجه إلى الأراضي العراقية، مع عدم إكراه أحد من المسلمين على مواصلة المسير معه إلى العراق، ومن أحب الرجوع بعد قتال المرتدين فليرجع؛ فانفضَّ كثير من الجند، وعادوا إلى ديارهم، ليس خوفاً ولا فراراً من لقاء الفرس، ولكن تعباً وإرهاقاً من حرب الردة؛ فلم يبقى مع خالد سوى ألفين من المسلمين.
سمع هرمز بمسير خالدٍ، وعلمَ أنَّ المسلمين تواعدوا الحضير، فسبقهم إِليه، وجعل على مقدِّمته القائدين قبا، وأنو شججان، ولما بلغ خالدٌ أنَّهم يمَّموا الحضير، عدل عنها إِلى كاظمة، فسبقه هرمز إِليها، ونزل على الماء، واختار المكان الملائم لجيشه، وجاء خالدٌ، فنزل على غير ماءٍ، فقال لأصحابه: حطُّوا أثقالكم، ثمَّ جالدوهم على الماء فلعمري ليصيرنَّ الماء لأصبر الفريقين، وأكرم الجندين.
وحطَّ المسلمون أثقالهم، والخيل وقوف، وتقدَّم الرَّاجلون، وزحفوا إِلى الكفَّار، ومنَّ الله تعالى بكرمه وفضله على المسلمين بسحابةٍ، فأمطرت وراء صفوف المسلمين، ونهلوا من غدرانها فتقوَّى بذلك المسلمون، وهذا مثلٌ من الأمثلة الكثيرة الشَّاهدة على معيَّة الله جلَّ جلاله لأوليائه المؤمنين بنصره، وإِمداده، وواجه المسلمون هرمز، وكان مشهوراً بالخُبْثِ، والسُّوء، حتى ضُرب المثل بخبثه، فعمل مكيدةً لخالدٍ، وذلك أنَّه اتفق مع حاميته على أن يبارز خالداً ثمَّ يغدروا به، ويهجموا عليه، فبرز بين الصَّفين، ودعا خالداً إِلى البراز، فبرز إِليه، والتقيا فاختلفا ضربتين واحتضنه خالدٌ، فحملت حامية هرمز على خالدٍ، وأحدَقوا به، فما شغله ذلك عن قتل هرمز، وما أن لمح ذلك البطل المغوار القعقاع بن عمرٍو حتَّى حمل بجماعةٍ من الفرسان على حامية هرمز، وكان خالد يجالدهم، فأناموهم، وحمل المسلمون من وراء القعقاع حتَّى هزموا الفرس .
وهذا هو أوَّل المشاهد الَّتي ظهر فيها صدق فراسة أبي بكرٍ حينما قال عن القعقاع: لا يهزم جيشٌ فيه مثل هذا، وأمَّا خالد؛ فقد ضرب أروع الأمثال في البطولة، ورباطة الجأش، فقد أجهز على قائد الفرس وحاميته من حوله، فلم يستطيعوا تخليصه منه، ثمَّ ظلَّ يجالدهم حتَّى وصل إِليه القعقاع ومن معه، فقضى عليهم، وقد كان الفرس ربطوا أنفسهم بالسَّلاسل حتَّى لا يفرُّوا فلم تغن عنهم شيئاً أمام اللُّيوث الباسل، وسمِّيت هذه المعركة بذات السَّلاسل.
وغنم المسلمون من الفرس حمل ألف بعير، وبعث خالدٌ سرايا تفتح ما حول الحيرة من حصونٍ، فغنموا أموالاً كثيرةً، ولم يعرض خالد لمن لم يقاتلوه من الفلاَّحين بل أحسن معاملتهم كما أوصاه الصِّدِّيق، وأبقاهم في الأرض؛ التي يفلحونها، ومكَّنهم من إِنتاجها ومتَّعهم بثمرات عملهم، فمن دخل في الإِسلام حدَّد له نصيب الزَّكاة، ومن بقي على دينه؛ فرض عليه الجزية، وهو أقلُّ بكثيرٍ مما كان ينهبه المالكون الفرس، ولم ينتزع الأرض من أيدي أصحابها الفرس، ولكنَّه أنصف العاملين فيها، فأحسُّوا بأنَّ عنصراً جديداً من العدل، والإِخاء الإِنسانيِّ يشرف عليهم من خلال هذا الفتح المجيد، وأرسل خالدٌ خمس الغنائم، والأموال إِلى الصِّدِّيق، ووزَّع الباقي على المجاهدين، وكان ممَّا أرسله إِلى الصِّدِّيق قلنسوة هرمز، ولكن الصِّدِّيق أهداها إِلى خالدٍ مكافأةً له على حسن بلائه، وكانت قيمتها مئة ألف، وكانت مفصصه بالجوهر، فقد كان أهل فارس يغلون قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم، فمن تمَّ شرفه فقيمة قلنسوته مئة ألفٍ، فكان هرمز ممَّن تم شرفه في الفرس.
أهم الدروس والعبر من معركة ذات السلاسل:
-جند الله الذين ينصرون الله هم المخلصون الصادقون الذين عندهم روح ذاتية تدفعهم للقتال في سبيل الله، ويرون أن الموت في سبيل الله هو أسمي أمانيهم.
-أهمية الصبر والثبات وقت الشدائد.
-الحرب خدعة وفطنة وفهم لنفسية العدو.
-أهمية الاستشارة وطاعة ولاة الأمور.
-العامل النفسي هو العنصر الحاسم في القتال.