الثبات - الوحدة الإسلامية
فلسطين في وجدان رسولنا الكريم
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم له شجن خاص، فالخشوع يسري في الكلم وينبع من طيات الروح، وفي إشراقات مولده صلى الله عليه وسلم معانٍ سامية كتب فيها المحبون، واحتفى بجوانبها الربانيون، وهو الفيّاض بالدروس والعبر على الأمة في كلِّ موقف ومنعطف وزمان، فحياته صلى الله عليه وسلم مدرسةٌ شاملة لكلِّ جوانب الحياة البشرية، وهو النَّبي الإنسان والأب والزوج والقائد والمربي والزعيم والحاكم والسياسي... ميراثه نورٌ في لجج الغيّ ومدلهمات الحياة، ولكننا نعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً مشتركاً، لبقعة تحتضن من القداسة والأهمية ما لا يمكن حصره في خاطرة بسيطة، فالقدس كانت قبلة الحبيب الأولى والمسلمين الأوائل معه، وذلك المسجد الأقصى الذي ردف الحرمين قداسةً وأجراً.
مظاهر اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بفلسطين وبيت المقدس
-فلسطين أرض النَّبوات
فلسطين بقعة مباركة، بل هي من أقدس البلاد وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعاً مكانة سامية، فهي أرض النبوات، وتاريخها مرتبط بِسيَرِ الرّسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، ويُعَدُّ ارتباط المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى والقدس وفلسطين ارتباطاً عقديًّا، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً ولا موسمياً مؤقتاً.
- ثاني مسجد وضع في الأرض
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: ثم المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون، ثم قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، والأرض لك مسجد.
-ربطه بين بيت المقدس والحرمين الشريفين
بيّن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى أحد المساجد الثلاثة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى".
وجاء عن بعض السلف: "من صلى الفريضة في مسجد بيت المقدس في جماعة كانت له بخمس وعشرين ألف صلاة، ومن صلاها وحده، كانت له بألف صلاة".
-فلسطين أرض الرباط والجهاد في سبيل الله
إنّ أرض فلسطين هي أرض الإيمان والرباط والجهاد، لذلك فقد وَجَّه الإسلام أنظار المؤمنين إليها للمرابطة فيها جاء في الحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "…فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلانُ".
-معجزة الإسراء والمعراج
ومن أعظم اللفتات حول حبنا لهذه المدينة جعلها مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومما يزيد المسجد الأقصى وبيت المقدس مكانة أنَّه مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَأمِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. [الإسراء 1]، فقد أتت معجزة الإسراء والمعراج في مرحلة مفصلية من الدعوة وصدودٍ عن الحق وثبات من معلم الدعاة وسيدهم، وإمامته عليه الصلاة والسلام للأنبياء في المسجد الأقصى، هو تشريف عظيم له عليه الصلاة والسلام ولأمته من خلفه وتأكيدٌ بأنه خاتم النبيين وسيدهم في العالمين، وقد أورد الإمام ابن كثير في تفسير سورة الإسراء عبارة لطيفة في معرض حديثه عن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء: " ثم أُظْهِرَ شرفُه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة"، وكون القدس هي المكان الذي احتضن هذه الصلاة الجامعة للرسالات والعصور إشارةٌ رائعة، فالجمع لم يكن في مكة المكرمة على عظيم فضلها ومكانتها بل كان في القدس، فإلى جانب التسليم برسالة الإسلام، هو تعظيم لشأن المدينة، ففيها كان استلام زمام قيادة البشرية من الرسل السابقين لنبينا صلى الله عليه وسلم، وتولي الأمة المحمدية لقيادة الحضارة والتي لم تلبث إشراقاتها أن انطلقت في الأرض بعد حين.
-أنَّها أرض المحشر والمنشر:
عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنَّ سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة سأل الله عزَّ وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه".
الدفاع عن فلسطين ونصرة أهل حقٌ على كل مسلم
لكل الأسباب التي ذكرناها تحتم على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الدفاع عن المسجد الأقصى، والقدس، ومعاونة أهل فلسطين لاسترداد حقهم المسلوب، لأنَّ هذا واجبٌ شرعي، فمن المقرر فقهياً عن علماء الإسلام أنَّ أي أرض إسلامية احتلها مغتصب فقد وجب على أهلها استردادها حتى تخرج المرأة دون إذن زوجها، ويخرج الولد دون إذن والديه، ويخرج العبد دون إذن سيده، ذلك أنَّ الدفاع عن الأرض والوطن في هذه الحالة فرض عين على جميع أهل الوطن المحتل، فإن استطاعوا ردها فبها ونعمت، وإلا فقد وجب على الدول المجاورة معاونتها، وهكذا تتسع الدائرة حتى تخليصها من يد المغتصب، وهكذا كان المسلمون في القرون الماضية.