فلسطين والقدس بين العرب والعجم

الخميس 20 أيار , 2021 01:15 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

التطورات في فلسطين الحبيبة هذه الأيام كشفت عن حقيقة مؤلمة لم نكن نتخيلها أبداً، وهي التخلي العربي الرسمي شبه الكامل عن قضية فلسطين، والتضامن الباهت للشعوب بل شماتة بعض العرب وتاييدهم للوحشية الصهيونية والجرائم التي يرتكبها كل يوم المستوطنون المجرمون بحق أصحاب الأرض الحقيقيين.
لقد وصلت الوقاحة ذروتها عندما أصبح يعاقب العربي بسبب تضامنه مع أخيه العربي، ويُحاكم الفلسطيني ويُسجن بتهمة " التعامل مع الإرهابيين " لأنه يؤيد أهله المضطهدين وإخوانه المجاهدين في غزة، وفي المقابل لا يُؤخذ أي إجراء بحق الذين يؤيدون علانية وعبر مختلف وسائل الإعلام الناطقة بالعربية الكيان الصهيوني، بل ويفخر بعضهم بأخذ صور تذكارية مع المسؤولين فيه في ظلال العلم الإسرائيلي، بل على العكس من ذلك فقد رأينا مذهولين رد الفعل العنيف من جانب المواطنين في البلد العربي تجاه الفلسطيني المقيم لديهم منذ سنوات طلباً للعيش الكريم بعرق جبينه، وذلك لأن عدداً من الفلسطينيين الغيارى في القدس المحتلة واجهوا أحد الساقطين وبالكوفية العربية وهو يريد تسجيل سابقة خبيثة في تارخ الأمة العربية والإسلامية، وذلك بدخوله المسجد الأقصى الشريف تحت الحماية الصهيونية، حيث قام المقدسيون بشتمه وطرده مذلولاً مُهاناً، فكان أن انقضّت عصابة على المواطن الفلسطيني المقيم في ذلك البلد العربي وضربوه ضرباً مبرحاً لا لشيء إلاّ لأنه فلسطيني، وذلك حمية للساقط الذي أراد تدنيس بيت الله الطاهر وفتح الطريق أمام الصهاينة المجرمين ليتجولوا في المسجد بعد ذلك مطمئنين.
قضية القدس إسلامية لأن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين، وإليه كان مسرى النبي صلى الله عليه وآله، ومنه بدأ معراجه إلى الأفق الأعلى حيث أوحى الله سبحانه إلى عبده ما أوحى، وبسبب قداسة المسجد الأقصى بارك الله ما حوله بصريح الآية القرآنية، والأمة الإسلامية كلها تنظر إلى المسجد وما حوله بعين الإحترام، وتأبى التعامل باي شكل من الأشكال مع المجرم الصهيوني الذي يدنس هو والمستوطنين كل يوم المسجد المقدس الذي فيه الصخرة التي من على ظهرها كان معراج النبي صلى الله عليه وآله إلى السماوات العلى، لكن أبناء هذه الأمة الإسلامية يفاجأون هذه الأيام باستقبال المجرمين الصهاينة بكل ترحاب في بلاد تدّعي أنها مهد الإسلام ومنبت العروبة، ويرون أن الأجواء فوق مكة المكرمة والمدينة المنورة مباحة أمام الطائرات الإسرائيلية، بل رأينا كيف حرف الطيار الصهيوني مسار طائرته لتمرّ من فوق الكعبة المشرفة في تحدٍّ واضح لمشاعر المسلمين، وتم ذلك بالفعل، وشاهد الجميع هذا المشهد من خلال الأقمار الإصطناعية.
إن الدول الإسلامية غير العربية بغالبيتها لا تزال تأبى الإعتراف بأصل وجود الكيان الغاصب على أرض فلسطين، لكن الدول العربية والناطقين بالضاد والمرتدين للكوفية والعقال العربيين تراهم يهرولون مسرعين إلى التطبيع مع قتلة أبنائهم، ومنتهكي أعراضهم، ومحتلي عنوان عزتهم وكرامتهم، بل يقوم عشاق التطبيع هؤلاء بممارسة أنواع الضغوط على الذين لم يعترفوا بالكيان من أساسه كي يعلنوا اعترافهم به ويتبادلوا السفراء معه، بل نجد بكل وضوح الهرولة العربية بوتيرة عالية جداً حيث يتم رسمياً عزف النشيد الصهيوني في بلادهم، ويستقبلون زعماء الصهاينة بصورة رسمية في قصورهم، وخطوات التطبيع الرسمي وتبادل السفراء مع الكيان الصهيوني تسير بسرعة البرق، أما تعبيد الطريق أمام قطعان المستوطنين ليأتوا مغترَين إلى بلاد المسلمين ويجولوا في أنحائها تحت الحماية الرسمية فإنه جاء مقابل منع المواطنين من عدة دول إسلامية وعربية من السفر إلى تلك البلاد كرمى لعيون "السياح الإسرائيليين"، بل ويتم العمل على التطبيع على النطاق الشعبي من خلال توزيع كمامات على المواطنين وعليها صورة للعلم الصهيوني إلى جانب العلم التابع للدولة العربية الإسلامية وتحتوي على عبارة " سلام " باللغتين العربية والعبرية.
فالعرب اليوم صاروا غرباء عن قضيتهم، وقد تخلوا بالكامل عن إخوانهم، بل تحولوا إلى وسطاء بينهم وبين قاتليهم بدل الوقوف معهم ومشاركتهم التصدي للإعتداءات، أما الأعاجم فهم الذين لا يزالون على موقفهم ولا يعترفون بالكيان الصهيوني الغاصب، بل يقدمون المال والسلاح لأهل فلسطين ليتمكنوا من مجابهة اعتداءات المجرمين، متحملين أشد العقوبات الغربية والأمريكية عليهم، وها هي المواجهات التي بدأت خجولة بالحجارة والصدور العارية تحولت اليوم إلى الرد على الإعتداءات الصهيونية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة الحاملة للصواريخ وكذلك الإنتحارية، وإجبار الصهاينة في كافة المدن والمستوطنات على النزول إلى الملاجئ والبقاء فيها عدة أيام، وتعطيل جميع المرافق والمؤسسات، فلا مطار ولا طائرات، ولا موانئ ولا سفن وناقلات، ولا انعقاد لاجتماعات الكنيست والحكومة الصهيونيين في القدس المحتلة ولا للمحكمة العليا، ولا أمان للمراكز الصهيونية الحساسة جداً على مساحة فلسطين كلها والمفاعل النووي في " ديمونا "، وكل هذا الواقع المشرف لم يكن للدول العربية فيها أية مساهمة، بل إن الجمهورية الإسلامية في إيران والمتحالفين معها يقدمون الغالي والرخيص ليكسروا هيبة الصهاينة المغترّين، ويُزيلوا من العقول كذبة " الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر "، ويعيدوا إلى النفوس الشهامة والغيرة، وها نحن نشاهد نمادج عملية لذلك من خلال المواجهات الشعبية الواسعة في مختلف مدن الضفة الغربية والقدس الشريف مع جنود الإحتلال والمستوطنين وإطلاق النار على الدوريات العسكرية والصدام مع المحتلين ما أربك القيادات الصهيونية وأجبرها على توزيع قواتها على مساحة كل فلسطين واضطرارها لفتح جبهات مواجهة أخرى مع الفلسطينيين ما يؤدي إلى تشتت الطاقات وارتباك القيادات.
يأتي هذا في وقت يواجه الكيان الصهيوني أزمة كبرى حقيقية حيث أجرى رابع " انتخابات " غير حاسمة، إذ لا توجد لدى الصهاينة اليوم حكومة مستقرة، ولا قدرة لأحد من رؤوس الصهاينة على الإمساك بالقرار بصورة رسمية.
أما في الولايات المتحدة نفسها فقد ارتفعت ولأول مرة أصوات من جانب نواب في مجلس الكونغرس والشيوخ تقول بضرورة التوقف عن المساندة غير المشروطة وغير المحدودة لإسرائيل ووصلت الأمور إلى حد المطالبة بوقف صفقة السلاح الكبيرة الموقعة بين إدارة ترامب السابقة والكيان الصهيوني.
وكلما استمرت العمليات العسكرية بين الطرفين، وطالت فترة بقاء الصهاينة في الملاجئ، وتواصل إطلاق الصواريخ والمسيرات على المدن والمستوطنات الصهيونية، وتعطل الإقتصاد لدى الكيان الغاصب من خلال توقف المطارات والسفن عن نشاطاتها وتوقف حركة الشاحنات الكبيرة التي تقوم بتوزيع البضائع على مراكز البيع بين المدن بسبب فرض الأحكام العرفية ومنع التجول، وانقطاع الكهرباء نتيجة استهداف الصواريخ والمسيرات الفلسطينية لمعامل الإنتاج ومحولات الكهرباء، كل هذا سيضطر العدو إلى الرضوخ أمام القوة الفلسطينية التي تقوم يومياً بإطلاق مئات الصواريخ والقذائف من دون أن تنجح في صدّها أنظمة الدفاع المتطورة أو تحد من صلياتها الغارات الوحشية، والعالم يقرّ وقادة المقاومة الفلسطينية على اختلاف توجهاتها يصرحون بان هذه الإمكانيات والمساندات تأتي من الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها دون غيرهم في وقت تفرض الدول العربية أشد أنواع الحصار على إخوانهم، بل يشجعون المجرمين على مواصلة اعتداءاتهم، وأحسنهم يحاول التوسط لدى المجرمين لعلهم يقبلون بتخفيف جرائمهم وتقليل مذابحهم، وبدل الوقوف مع المظلومين من قومه ودعمه بالسلاح والمال نجد بعض العرب يشارك الصهاينة في التضييق على الشعب ومنع وصول الحاجيات الضرورية اليه بصورة طبيعية، بل يبادر بتدمير الأنفاق التي يحفرها الغزاويون بأيديهم ليقوموا بتهريب الطعام والدواء والمواد الضرورية ليتمكن المواطنون هناك من البقاء على قيد الحياة.
إن قضية فلسطين وأمر تحرير القدس الشريف هما اليوم في عهدة الأعاجم وفي مقدمتهم إيران التي وُصف شعبها بمختلف الأوصاف من قبل الأبواق المأجورة، واتُهم النظام الإيراني ولا يزال بالإتهامات الباطلة، وقيل عنها أنها مجوسية تارة، ورافضية طورا، ومتحالفة مع العدو الصهيوني مرات، لكن الحقيقة الساطعة أمام أعين العالمين اليوم أن العدو الحقيقي والوحيد للمحتل الصهيوني، وكذلك السند الثابت في كافة المجالات للمجاهدين الفلسطينيين منذ العام ١٩٧٩ فهي الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفاؤها وأنصارها ومؤيدوها أينما كانوا، في وقت يتسابق كثير من الأصوات في العالم العربي إلى التطبيل للكيان الصهيوني وتبرير جرائمه والتزلف إلى الغاصبين وشتم الشعب الفلسطيني بأقبح الكلمات واتهام قادة المقاومة بمختلف الإتهامات، لكن الله سبحانه للظالمين بالمرصاد وقد تعهد بالنصر للمجاهدين في سبيله حقاً بقوله: ( ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل