رسالة المفتي دريان بمناسبة الإسراء والمعراج

الجمعة 17 شباط , 2023 03:44 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ لبنان

لفت مفتي الجمهوريّة اللّبنانيّة الشّيخ عبد اللطيف دريان، إلى أنّه "من أجل المواطنة والعيش معًا، وهما مناط بقاء الإنسان والأوطان، يكون علينا الالتفات الدّقيق والاهتمام العميق بما يجري بالذّات على المواطنة وعلى العيش المشترك. فكلّ خدمات الدّولة الوطنيّة وميزاتها سقطت في الأعوام الثّلاثة الأخيرة، ولسنا نجد أحدًا من المسؤولين الرّسميّين يعمل على الصّمود أو الاستعادة".

وأشار، في كلمة له في ذكرى الإسراء والمعراج، إلى أنّ "الجميع يشكو اليوم من غياب رئيس الجمهوريّة، ولا جمهوريّة من دون رئيس. لكن نصف الشّاكين على الأقلّ هم الّذين منعوا ويمنعون انتخاب الرّئيس، لا شيء إلّا لأنّهم يريدون مرشّحيهم وليس غيرهم للرّئاسة، وهم مستعدّون لهلاك الوطن أو إهلاكه إن لم يلبّ مطلبهم الفظيع". وركّز على "أنّنا عرفنا رؤساء من قبل انتهت مدّتهم فرفضوا التّجديد والتّمديد، وأعانوا بكلّ قواهم وصلاحيّاتهم على اختيار رئيس جديد؛ وللأسف أنّ هذا الأمر لم يعد واردًا لأنّ النّاس غير النّاس".

وأكّد المفتي دريان أنّ "بالفعل ما عاد الأمر محتملًا، ولو كان لنا من الأمر شيء، لكنّا نصحنا كما هو شأن العقلاء، ألّا يُنتخَب أحدٌ من هؤلاء الّذين يجري التّنازع على رؤوسهم ورقابهم. صرنا وليس منذ الآن، أعجوبة العالم وفضيحته"، مذكّرًا بأنّ "منذ العام 2008، ضاعت أكثر من خمس سنوات في انتظار رئيس للجمهوريّة أو رئيس للحكومة، أو تعيين هذا الموظّف أو ذاك. وقد سألت عدّة رؤساء للحكومة: لماذا وافقت على تعيين هذا الوزير أو ذاك، أو هذا الموظّف أو ذاك؟ فقال: إمّا هذا أو أزمة بسبب انتهاك حقوق المسيحيّين أو حقوق غير المسيحيّين".

وكشف "أنّني كنت في البداية أقول: واحد أو اثنان لا بأس لن يعطّلا المسار السّياسي أو الإداري، ثمّ تبيّن أنّ الّذي تعيّن بواسطة هذا أو ذاك يظلّ تابعًا طوال حياته، ويستطيع بقوّة الزّعيم وتبعيّته العرقلة أو التّعطيل، ويمثّل هذا السّلوك غياب المسؤولين الدّستوريّين وحضور التّابعين، فتتعطّل الإدارة وتفسد السّياسة، ويصير الوطن أوطانًا!".

كما شدّد على أنّ "في الإدارة السّياسيّة والفنيّة، لا ينبغي الاستخفاف بأيّ أحد مهما صغر منصبه. وهذه علّتنا حتّى اليوم، لأنّ الفساد تحوّل إلى سلاسل من التّابعين والفاسدين"، مبيّنًا "أنّني كما فكّرت في النّصيحة بعدم انتخاب التّابعين أو المعلّقين من رقابهم، فكّرت بالمقاطعة، وأن أحثّ الزّملاء على الشّيء أو الأمر نفسه، لكنّ الّذي أقلقني شكوى المواطنين من عدم اهتمامنا بشؤونهم وهي في منتهى التّعاسة".

وأوضح "أنّنا عندما نقول إنّ شؤون المواطنين والخدمات الضّروريّة لهم في منتهى السّوء، فهذا ليس تعبيرًا بلاغيًّا، بل هو الحقيقة الخالصة. ولنتأمّل في الودائع المحتجزة في البنوك، والكهرباء المقطوعة، والبرد القارس، وغلاء الطّاقة، وخراب البنى التّحتيّة، والجوع الّذي يعصف باللّبنانيّين في هذه الظّروف الصّعبة، وتعطّل قطاع التّعليم تقريبًا بالمدارس والجامعات، والهجرة الكاسحة نتيجة الحاجة والاستنزاف". واعتبر أنّه "لَو سكت المسؤولون لكان نصف مصيبة، كما يُقال، لكنّهم لا يسكتون ولا يستطيعون أن يكونوا مفيدين، ويحسبون أنّ التّوتير يلهي عن المطالبة بالاحتياجات".

وذكّر دريان، السّياسيّين أنّ "صرخات المظلومين ستلاحقكم حتّى قبوركم، فالأكفان بلا جيوب. تنتهي الأهواء، ويتعاظم الحساب، فهل تصدّقون؟ لا أظنّكم كذلك، فقد قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة".

وإلى ذلك، أكّد أنّ "قبل ذلك وبعده، يأتي أخطر الملفّات: ملف التّعليم الّذي يكاد يهلك. كان التّعليم في لبنان أرستقراطيًّا وخاصًّا بحجّة الحرّيّة. وكان الفقراء يناضلون من أجل المدارس والجامعة اللبنانية. ثمّ جاء رئيس الحكومة الرّاحل رفيق الحريري فحطّم الأسوار، نَهض بأبناء لبنان وبناته، وأعاد بناء الجامعة اللّبنانيّة وترميم المدارس وجلاء آثار الحرب عنها".

وأضاف أنّه "كما أصرّت الفئات والجماعات المعروفة على هدم كلّ ما بناه الحريري بدءًا بوسط بيروت، ها هو التّعليم يتحطّم ما كان موجودًا وما أضافه الحريري. أولاد الأغنياء الجدد لا يحتاجون لا إلى مدارسنا ولا إلى الجامعة اللّبنانيّة"، مشيرًا إلى أنّ "أحد العقلاء المقتدرين قال لي: تعليم الأولاد في إنجلترا وفرنسا صار أسهل بكثير من لبنان!". ولفت إلى أنّ "في ذكرى رفيق الحريري رحمه الله، نذكر له بناء المدن وبناء التّعليم، وقبل ذلك وبعده بناء الثّقة والأمل والإيمان بالعمل وبمستقبل لبنان".

وختم دريان: "في ذكرى الإسراء والمعراج، نجدّد الآمال ببناء جديد وإن لم تكن له أمارات حتّى الآن؛ وصدّقوني ما ضاع حقّ وراءه مُطالب. ونحن اللّبنانيّين لن نترك مصالحنا ولا عيشنا المشترك، ولا إيماننا ببلدنا ومستقبله، وسنظلّ على وتيرة النّضال والمطالبة والكلمة السّواء. هي حياتنا وحياة أبنائنا الّتي لا ننساها، ولا نتوقّف عن محاولات استعادتها من العاقين والفاسدين، وأهل الجريمة المنظّمة".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل