الجندي المصري محمد صلاح يعيد مجد انتصار أكتوبر.. لماذا معبر العوجة؟

الأربعاء 04 تشرين الأول , 2023 01:02 توقيت بيروت عــربـي

الثبات ـ عربي

في 6 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1973، تفاجأت "إسرائيل" بهجوم مباغت من جبهتين عربيتين سوريا ومصر، لاستعادة أراضي سيناء المصرية والجولان السورية، وهي الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" في عدوان حزيران/يونيو 1967.

عقب بدء الهجوم، حققت القوات المسلحة المصرية والسورية أهدافها، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطّمت حصون "خط بارليف" وتوغّلت 20 كيلومتراً شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من التوغل إلى عمق الجولان وسهل الحولة.

هذه الحرب التي تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تأثيراتها على الاحتلال الإسرائيلي، أكدت أنها كانت سبباً في زعزعة اليقين والغطرسة التي كانت قد ترسخت في "إسرائيل". وكشفت وثائق سرية أنّ ما جرى بالنسبة إلى الإسرائيليين "حاضر أسود ومُستقبل أشد سوداويّة".

محمد صلاح أحيا انتصار أكتوبر

بعد 5 سنوات على هذه الحرب التي "هزت عمق الكيان"، وقع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اتفاقية "كامب ديفيد" مع "إسرائيل" عام 1978 برعاية أميركية، وكان من بنودها فتح معابر حدودية بين مصر وفلسطين المحتلة.

خلال تلك الفترة الضبابية من تاريخ مصر، استقال 3 وزراء للخارجية هم: إسماعيل فهمي، محمد رياض، محمد إبراهيم كامل؛ رفضاً لأفكار السادات وتوجهاته أو اعتراضاً على طريقة إجرائه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.

وكثيراً ما أثارت اتفاقية التطبيع التي وقّعها السادات مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن وبحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر، الجدل، وكانت من أكثر البنود إثارة للجدل حتى اليوم هي البنود الخاصة بخفض الوجود العسكري للجيش المصري في سيناء، والذي يعني غياب السيادة الكاملة للدولة المصرية على جزء من أراضيها.

ورغم ذلك، لم تهدأ المخاوف الإسرائيلية من ردود فعل مفاجئة للشعب المصري الرافض للاحتلال الإسرائيلي، وفق ما ذكرت تقارير إسرائيلية، خصوصاً أن اتفاق التطبيع مع الاحتلال لم يلقَ ترحيباً في الشارع المصري الذي ظل يهتف ضد الاحتلال طوال سنوات مضت.

ورغم اتفاقيات التطبيع والمحاولات الإسرائيلية لـ"كسب" الموقف المصري، وبعد ما يقارب الـ50 عاماً على بناء ما يعرف بمعبر العوجة، جاء الجندي المصري محمد صلاح ليعيد ترميم ما دمرته اتفاقية التطبيع، لينفذ عملية إطلاق نار عند هذا المعبر أدت إلى مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة آخر.

لماذا معبر العوجة؟

تساؤلات كثيرة تطرح حول دلالات المكان الذي نفذ فيه محمد صلاح عمليته الفدائية في معبر العوجة الواقع عند الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة.

هذه العملية التي نفذها الجندي المصري في 3 حزيران/يونيو 2023، جاءت مُحكَمةَ التخطيط، والإعداد المسبق، إذ استطاع صلاح  وبسهولة مراقبة الحدود، والسير بتخفٍ لمسافة تتجاوز 5 كيلومترات، واجتياز الحدود الفاصلة، والأسلاك الشائكة، والوصول إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية في عمق 150 متراً، وقتل الجنود من مسافة أمتار قليلة، من دون أن يتمكن الجنديان الإسرائيليان القتيلان من إطلاق طلقة واحدة، بحسب إعلام الاحتلال.

وبعد تنفيذ عمليته بنجاح، واصل الجندي المصري سيره إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكَمَن لدورية راجلة من قوات الاحتلال، واستطاع بعد ساعات من تنفيذ عمليته الأولى قتل ضابط ثالث، قبل أن يتمكن جنود الاحتلال من رصده واستهدافه.

وصف البعض هذه العملية الفدائية بأنها "لكمة قاضية لإسرائيل" التي بدت مذهولة من هذه العملية ونتائجها "الوخيمة" على "جيش" الاحتلال، وذلك بسبب عوامل عديدة أولها وأهمها مكان تنفيذ العملية عند معبر العوجة.

معبر العوجة الحدودي يفصل محافظة شمال سيناء المصرية عن الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويرجع تاريخ إنشاء المعبر الحدودي الذي شهد الهجوم إلى عام 1982، بعد أن استردت مصر شبه جزيرة سيناء التي كانت "إسرائيل" قد احتلتها خلال حرب 1967.

وكان معبر العوجة/نيتسانا أحد المعابر الحدودية التي تم الاتفاق على إنشائها بعد توقيع اتفاقية التطبيع بينهما، في أعقاب انتصار مصر في حرب أكتوبر. ويربط المعبر بين منطقة العوجة في شبه جزيرة سيناء ومنطقة نيتسانا التي يحتلها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، ويقع على بعد 40 كلم في الجنوب الشرقي من الحدود المصرية مع قطاع غزة.

يذكر أنه عندما افتتح المعبر عام 1982، كان يستخدم لعبور المسافرين والبضائع، لكن منذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بعد اتفاقيات "أوسلو"، أصبح المعبر مقتصراً على عبور البضائع فقط.

وسائل إعلام إسرائيلية تشير إلى أن اختيار الشهيد محمد صلاح لهذا المعبر الذي تم إنشاؤه بناءً على اتفاق مصري (رسمي) - إسرائيلي، وأدرج في اتفاقية "كامب دايفيد"، بمنزلة "رسالة على أنه لا يمكن لاتفاقية أن تحمي إسرائيل".

اللافت في عملية الشهيد صلاح قرب معبر العوجة أنها أحدثت إرباكاً واسعاً داخل الكيان الإسرائيلي، وهذا ما ظهر في التصريحات الإسرائيلية التي نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية. وأعادت تسليط الضوء من جديد على فشل مخطط التطبيع مع شعوب المنطقة العربية.

ووفقاً لما ذكرته تقارير إسرائيلية، فإن العلاقات التي يقيمها الاحتلال مع بعض الأنظمة العربية، لا تكاد تتجاوز حدود العلاقات الرسمية، في حين ينظر الشارع العربي بعداء شديد لـ"إسرائيل".

يشار إلى أن توقيت العملية أيضاً وليس فقط مكانها، أحدث صدمة واسعة داخل المنظومة الأمنية للاحتلال، إذ جاءت في خضم مناورة كبرى كان "جيش" الاحتلال يجريها تحت عنوان "اللكمة القاضية"، بمشاركة جميع أذرعه الجوية والبرية والبحرية والاستخبارية والتقنية. التوقيت "المهم" لهذه العملية، مثّل إعلاناً مسبقاً عن فشل مناورة الاحتلال العسكرية التي كانت تحاكي "حرباً إسرائيلية متعددة الجبهات"، في جميع المحاور، وفي  التوقيت ذاته.

وما ضاعف من "صدمة" الاحتلال أن عملية الشهيد محمد صلاح البطولية كشفت "خاصرته الضعيفة"، وعدم قدرته على حماية الحدود الفاصلة مع سيناء المصرية، والتي تمتد لمسافة تقدر بنحو مئتين وخمسين كيلومتراً.

فتركيز "جيش" الاحتلال على تصاعد المقاومة في الضفة الغربية، ومضاعفة حماية ثكناته ومستوطناته قرب الحدود مع غزة جنوباً ولبنان شمالاً، كشف "ضعف تركيزه" في حماية الحدود الفاصلة مع الجانبين المصري والأردني، وهي نقاط ضعف بدت واضحة في منظومة الاحتلال.

وما أعلنه إعلام الاحتلال من عثور "جيش" الاحتلال على ذخيرة وسلاح كلاشينكوف، ومصحف، وخنجر كوماندوز لدى الجندي المصري الشهيد، يشير إلى دوافع العملية التي أعادت إلى الأذهان عمليات مشابهة نفذها جنود عرب ضد الاحتلال، ومن أبرزهم: الجندي المصري سليمان خاطر، الذي قتل سبعة من السيَّاح الإسرائيليين عام 1985، والجندي الأردني أحمد دقامسة الذي قتل سبع إسرائيليات عام 1997 بعد استهزائهن بصلاته.

الرفض المصري لـ"كامب دايفيد"..

تصدر اسم الجندي المصري منفذ عملية معبر العوجة البطولية، حديث رواد منصات التواصل الاجتماعي، وعمّت الفرحة العارمة الشارع المصري بعد ساعات قليلة من تنفيذ العملية. واحتفى الناشطون بالعملية البطولية التي نفذها الجندي المصري المدافع عن القضية الفلسطينية، عبر حساباتهم في منصات التواصل من خلال تداول صور محمد صلاح.

وعلقت وسائل إعلام عربية حينها، قائلةً إن هذه المواقف المصرية تؤكد هشاشة التطبيع، ورفض الشعوب العربية إقامة أي علاقات مع الاحتلال.

منذ "كامب ديفيد" عام 1978 والتطبيع بين القاهرة و"تل أبيب"، ظلت هذه الاتفاقية حبيسة المستويين السياسي والأمني الرسميين، من دون أن تخترق النسيج الشعبي، رغم المحاولات الحثيثة لفرضها كأمر واقع. ويصف الإعلام الإسرائيلي اتفاق التطبيع بين مصر و"إسرائيل" باتفاق الوهم.

وطوال العقود الماضية، راهن الاحتلال الإسرائيلي على أن يُغيّر الشعب العربي وتحديداً المصري موقفه الرافض للتطبيع، بيد أن جميع الرهانات فشلت، وأثبتت الأجيال العربية الجديدة، التي لم تُعايش نكبة 1948 أو حرب حزيران 1967 أو الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية الثمانينيات إصرارها على دعم فلسطين ورفض الاحتلال  بأشكاله كافة.

ولم تتمكن الحكومات المصرية المتعاقبة من فعل شيء يُذكَر لـ"تعزيز" الاتصال بين المصريين والإسرائيليين، ولم تستطع أن تغير موقف الشعب المصري من التطبيع. فنموذج صلاح يتجسد في ملايين الشباب المصريين والعرب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل