"ذي إيكونوميست": الدروس التي تعلمناها من هجوم حماس على "إسرائيل"

الأربعاء 11 تشرين الأول , 2023 10:57 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

تحت عنوان: "الدروس التي تعلمناها من هجوم حماس على إسرائيل"، نشر مقال في صحيفة "ذي ايكونوميست" يتحدث عن عقدين من السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ذهبا في مهب الريح.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

من الصعب أن نرى ما هو أبعد من صدمة هجوم حماس على "إسرائيل". ففي الهجوم، استُخدمت آلاف الصواريخ والمقاتلين الذين هاجموا جنوب "إسرائيل" براً وبحراً وجواً. ولأن هذا الهجوم لم يكن متوقعاً على الإطلاق على الرغم من حجمه، فقد وجه ضربة مهينة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية المتفاخرة. ولكن الأهم من ذلك كله هو مقتل المئات واحتجاز العشرات من الرهائن على يد حماس. وبينما تفكر قوات الدفاع الإسرائيلية في كيفية الرد، فإن اهتمام العالم سوف ينصب على محنتهم اليائسة.

كذلك، من السابق لأوانه معرفة ما ستؤول إليه الأمور في الأسابيع القليلة المقبلة. فقد تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجعل حماس تدفع "ثمناً باهظاً" (...) لكن رد "إسرائيل" يأتي مصحوباً بمخاطر جسيمة. فإرسال قوات برية تابعة للجيش الإسرائيلي إلى غزة يمكن أن يجرهم إلى قتال دموي في المناطق المأهولة، ويعرض الرهائن للخطر أيضاً. وكلما طال أمد القتال، زادت فرصة انتشار العنف إلى الضفة الغربية أو لبنان. إن موت العديد من المدنيين في غزة، وخاصة إذا نُظر إليه على أنه وحشي، من شأنه أن يضر بمكانة "إسرائيل" في العالم (...).

ومع ذلك، ليس من السابق لأوانه أن نوضح أن هذا الهجوم يمثل نهاية لاعتقاد دام عقوداً في "إسرائيل" بأن التطلعات الفلسطينية إلى السيادة يمكن وضعها جانباً إلى أجل غير مسمى بينما تمضي بقية دول الشرق الأوسط قدماً. وأياً كان ما قد ينشأ عن هذا الصراع، فإن الأمر الوحيد الذي سوف يتلخص في البحث الجديد عن إجابات للسؤال حول الكيفية التي يستطيع بها الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام.

لقد اعتمدت سياسة نتنياهو في تهميش الفلسطينيين على 3 حسابات، نُسفت كلها بعد هجوم حماس. الأول هو أنه حتى لو تركت القضية الفلسطينية لتتعفن، فإن الإسرائيليين من الممكن أن يبقوا آمنين. ونتيجة للخسائر الفادحة التي خلفتها الانتفاضة الثانية، التي انتهت في عام 2005، عزلت "إسرائيل" السكان الفلسطينيين خلف الجدران الأمنية. وكان الذكاء المتفوق والقوة النارية الساحقة، بما في ذلك نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، يوحي بأن السيطرة على التهديد المسلح من المقاتلين الفلسطينيين أمر ممكن.

هذه الفكرة نُسفت اليوم. فمن الأسباب التي شتت انتباه أجهزة الاستخبارات عن غزة هو أن الضفة الغربية أصبحت في حالة من الفوضى بسبب الأهداف التوسعية لليمين المتطرف في "إسرائيل". وفي جنوب لبنان، يمتلك حزب الله ترسانة أسلحة مخيفة، معظمها تزوده به إيران. لا شك أن "إسرائيل" سوف تكون قادرة على إعادة فرض هيمنتها العسكرية على الفلسطينيين. ولكن حتى لو كان جنودها وجواسيسها يعتقدون أن هذا يضمن حماية المواطنين الإسرائيليين، من غير المرجح أن يستنتج الناخبون أنفسهم أن العودة إلى الوضع الراهن أمر جيد بما فيه الكفاية.

الافتراض الثاني هو أن وجود حماس يساعد "إسرائيل" على التعامل مع فتح، الحزب الفلسطيني الذي يدير الضفة الغربية. وكان من المفترض أن سياسة "فرق تسد" أبقت الفلسطينيين ضعفاء، وأن تأثير الفصائل المتطرفة من شأنه أن يقوض مصداقية المعتدلين كشركاء في السلام. كل ذلك كان مناسباً  جداً بالنسبة لنتنياهو.

ومع هذه الهجمات، وصلت هذه الفكرة إلى نهايتها أيضاً. أحد الأسباب التي دفعت حماس إلى الهجوم هو أن سياسة "فرق تسد" خلقت الظروف التي أصبحت فيها فتح منحلة وبعيدة عن الواقع. أما زعيمها محمود عباس فدوره إلى تراجع. وبهذا الهجوم، يمكن لحماس أن تدعي أنها الصوت الحقيقي للمقاومة الفلسطينية. وهكذا، بينما كان من المفترض أن يؤدي التنافس بين الفلسطينيين إلى حماية الإسرائيليين؛ انتهى الأمر بجعلهم أهدافاً.

وكان الافتراض الثالث هو أن "إسرائيل" قادرة على تعزيز موقفها في الشرق الأوسط من خلال تعزيز الدبلوماسية الإقليمية حتى لو تركت أوضاع الفلسطينيين تتفاقم. وقد عزز هذا الرأي التوقيعُ على اتفاقيات أبراهام بين البحرين و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة في عام 2020  وإضافة المغرب والسودان لاحقاً. وحتى نهاية الأسبوع [المنصرم]، بدا انضمام المملكة العربية السعودية وشيكاً. قد يكون وشيكاً بالفعل، لكن حماس قالت كلمتها: الفلسطينيون لديهم رأي أيضاً.

إن العملية المقبلة ضد حماس لن تؤدي إلا إلى تعزيز الشعور بأن الوقت قد حان لتبني توجه جديد. وبعد إراقة الدماء يوم السبت، لا تستطيع "إسرائيل" أن تدمر حماس فقط لكي تبقى في السلطة في غزة وكأن شيئاً لم يحدث.

ومع ذلك، لا يوجد بديل بسيط معروض. لا يريد "الجيش" الإسرائيلي احتلال غزة، ولهذا السبب يتمتع الجيب بالحكم الذاتي. ومن الصعب أيضاً أن نتصور فكرة إنشاء قوة دولية لحفظ السلام: فلا توجد دولة ترغب في تحمل المسؤولية. ومع ذلك، إذا دمر "الجيش" الإسرائيلي حماس في غزة، فمن يدري ما هي القوى المدمرة التي قد تملأ الفراغ الذي خلفه.

ولا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن الصعوبات التي تنتظرنا. أدت الانتفاضة الثانية إلى تحول الشباب الإسرائيليين عن الحديث مع الفلسطينيين. ومن المؤكد أن هذا الغضب سوف يخلق جيلاً جديداً من الإسرائيليين الذين لا يستطيعون تصور كيف يمكن للفصائل الفلسطينية أن تكون شريكاً في السلام. وفي الوقت نفسه، ركز الائتلاف اليميني الإسرائيلي على ضم أجزاء من الضفة الغربية. ويبدو أنه سيضاعف هذه الجهود.

وعلى الرغم من ذلك، سيتعين على الإسرائيليين المتشددين أن يتقبلوا حقيقة أنه يجب عليهم البدء مرة جديدة في التعامل مع القضية الفلسطينية. يحتاج جهاز الأمن الإسرائيلي إلى طرف مقابل للعمل معه إذا أراد أن يكون له أي تأثير على الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني أنه بحاجة إلى محاور فلسطيني.

وما سيأتي بعد ذلك سيعتمد إلى حد كبير على من سيتبوأ السلطة في القدس. وفي الوقت الراهن، هناك تكاتف في "إسرائيل"، لكن الأخيرة سوف تخضع قريباً لحساب مرير قد يؤدي إلى تشكيل ائتلاف جديد، أو حتى رئيس وزراء جديد. وإذا كان للإسرائيليين أن ينعموا بالأمان، فلابد وأن يتوقف أي شخص يتولى المسؤولية عن التفكير في الفلسطينيين باعتبارهم مشكلة يمكن وضعها على الرف، وأن يبدأ في التفكير بهم باعتبارهم شعباً لا بد أن يُحسب له حساب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل