قتل وتدمير ممنهجان للإنسان والتراث والثقافة.. كيف يحاول الاحتلال إبادة ذاكرة غزة؟

الخميس 08 شباط , 2024 10:46 توقيت بيروت فـلـســطين

الثبات ـ فلسطين

أفاد المكتب الإعلامي الحكومي، اليوم الخميس، بأنّ الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 2395 مجزرة، وبلغت حصيلة الشهداء والمفقودين 35 ألفاً، خلال 125 يوماً من حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، اللذين يشنهما الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وعلى المدنيين والأطفال والنساء.

وأشار المكتب الحكومي إلى ارتفاع حصيلة العدوان، مع دخول الحرب شهرها الخامس، إلى 27,840 شهيداً، بينهم 12,150 من الأطفال، و8,300 من النساء، و340 شهيداً من الطواقم الطبية، و46 شهيداً من الدفاع المدني، و123 شهيداً من الصحافيين. 

أمّا الإصابات فبلغت حصيلتها 67.317 جريحاً، في حين لا يزال هناك 7 آلاف مفقودٍ تحت الأنقاض، 70% منهم من الأطفال والنساء، بحيث لم تتمكن الطواقم الحكومية من انتشالهم، نتيجة القصف المستمر وانعدام الوقود اللازم لآليات رفع الأنقاض.

وأورد المكتب الحكومي أنّ نحو 17 ألف طفل فلسطيني في قطاع غزة يعيشون الآن من دون ذويهم منذ بدء حرب الإبادة، موضحاً أنّ من هؤلاء الأطفال من استُشهد والداه، أو أحدهما، ومنهم من اعتُقل والداه، أو أحدهما، ومنهم من لا يزال والداه، أو أحدهما مفقوداً، إمّا تحت الأنقاض، وإما أنّ مصيره ما زال مجهولاً نتيجة الحرب المستمرة. 

وارتكب الاحتلال، أيضاً، جرائم نبش أكثر من 2000 قبر، من خلال التجريف والاعتداء على 13 مقبرة في محافظات قطاع غزة، بحيث سرق أكثر من 300 جثمان من جثامين الموتى والشهداء في هذه المقابر، كما قام بإتلاف عشرات الجثامين، وسرق أعضاءً حيويةً منها، ثم أرجع بعضها، وجرى دفنها في مقابر جماعية، جنوبي قطاع غزة.

تصاعد المجاعة في الشمال

يأتي ذلك بينما يمنع الاحتلال إدخال المساعدات والمواد الغذائية والتموينية والإمدادات المتعددة لمحافظة شمالي غزة، وأطلق القذائف على شاحنات حاولت الوصول إلى هناك، كما قتل "جيش" الاحتلال عشرات من المواطنين، كانوا يبحثون عن الغذاء والطعام لأطفالهم وعوائلهم.

في هذا السياق، كرر المكتب تحذيره من تصاعد المجاعة في محافظة شمالي غزة بعد نفاد كميات الطحين والأرُزّ، ونفاد الحبوب وأعلاف الحيوانات، التي كان يأكلها المواطنون هناك. 

وحمّل المكتب الحكومي الاحتلال وحلفاءه، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، المسؤولية الكاملة عن وفاة أكثر من 400 ألف مواطن في محافظة الشمال، نتيجة سياسة التجويع والتعطيش والضغط على المدنيين والأطفال والنساء، وبسبب انعدام الغذاء والماء والدواء.

بالتوازي، ما زال يعيش مليونا نازح في مئات مراكز الإيواء الحكومية وغير الحكومية في جميع محافظات قطاع غزة، في ظروف صعبة للغاية ومأسوية، بحيث لا يجد النازحون الغذاء ولا الماء ولا الدواء. 

وأصبح أكثر من 700 ألف نازح مصابين بالأمراض المعدية، نتيجة ظروف النزوح القاسية، وفي ظل غياب الخدمات المخصصة للاجئين والنازحين من جانب المنظمات الدولية.

دمار هائل في البنية التحتية

وبشأن الدمار، الذي طال البنى التحتية في قطاع غزة، أفاد المكتب الحكومي بأنّ "جيش الاحتلال" أحرق 3000 وحدة سكنية، بصورة كاملة، تجاوزت خسائرها عشرات ملايين الدولارات. ودمّر أكثر من 360 ألف وحدة سكنية، وبات أصحابها لا يملكون منزلاً أو مأوى يجمعهم، إذ ألقى الاحتلال على قطاع غزة أكثر من 66 ألف طن من المتفجرات على منازل السكان، ودمّر مئات آلاف الوحدات السكنية والمنازل.

ودمر الاحتلال أيضاً 395 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية، و447 مسجداً و3 كنائس، وأخرج 83 مستشفىً ومركزاً صحياً عن الخدمة تماماً، واستهدف 150 مؤسسة صحية وعوَّقها عن العمل. كما استهدف 122 سيارة إسعاف، بالإضافة إلى تدميره نحو 200 موقع أثري وتراثي، من أجل مسح التاريخ والجغرافيا الفلسطينيين.

وسرق "جيش" الاحتلال من أبناء الشعب الفلسطيني أموالاً وذهباً ومصاغاً، تجاوزت قيمتها 130 مليون شيكل، بحيث كان تجري هذه السرقات عند الحواجز، وتحت تهديد السلاح والقتل، أو بالسطو المسلح على المنازل والمحال التجارية ومحالّ صرف العملات.

وبناءً على كل هذه الكوارث، تجاوزت الخسائر التقديرية الأولية المباشرة لهذه الحرب الوحشية على قطاع غزة 15 مليار دولار، أمّا الخسائر غير المباشرة تجاوزت ذلك كثيراً.

إبادة ثقافية

في هذا الإطار، وصفت مجلّة "ذا نايشن" الأميركية ما يرتكبه الاحتلال الإسرئيلي بـ "الإبادة الثقافية"، التي يكرسها عبر "تدمير ذاكرة غزة نفسها". 

وقالت المجلّة إنّ جزءاً من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الوحشي، والمستمر منذ 76 عاماً، هو تمرير القصص المتعلقة بثقافة فلسطين ولغتها وغيرهما، لكن الآن أصبحت هذه الثقافة مهدَّدة، كما لم يحدث من قبل.

فعلى مدى الأشهر الأربعة الماضية، رأينا، إلى جانب الإبادة الحقيقية التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، جهداً مركزاً من جانبه ضد ذاكرة هذا الشعب ووجوده، وفق المجلة.

وأشارت إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي "يقصف المواقع الثقافية والمستشفيات والجامعات والمنازل والكنائس والمساجد". ولعلّ الأمر الأكثر إثارة للخوف هو "تدنيس قبور الأشخاص أنفسهم، الذين وضعوهم تحت الأرض، لأنّه حتى مع الموت لا يستطيع الفلسطينيون تحقيق السلام".

وأضافت  "ذا نايشن"، في هذا السياق، أنّ "التدمير المتعمَّد للتراث الثقافي هو السمة المميزة للاحتلال والعنف الاستعماري. فمن الرومان إلى النازيين، قامت القوى الغازِيَةُ بتدمير القطع الأثرية والمخطوطات والآثار ودور العبادة من أجل السيطرة على الأشخاص الذين استعبدتهم وإزاحتهم ومحو آثارهم".

وأكّدت أنّ "الثقافة توفّر الروايات والرموز والروابط الاجتماعية، التي من خلالها يفهم الناس أنفسهم والعالم، بحيث يقدم التراث الثقافي أدلة على الماضي، بينما يرسّخ هوية المجموعة وهدفها في الوقت الحاضر".

ولهذا السبب، فإنّ "ترسيخ السيطرة على شعب ما، أو استعمار أرضه، أو محو تطلعاته الوطنية، يبدأ بمصادرة فنونه وتحفه وكتبه ومبانيه"، خاتمةً تقريرها بالقول إنّ "تدمير التراث الثقافي هو محاولة لتدمير أمل الفلسطينيين". 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل