ما خلف الكواليس أبلغ من وقائع المسرح العسكري ــ أمين أبوراشد

الجمعة 27 أيلول , 2024 12:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس بالضرورة أن كل ما يحصل على طاولات المفاوضات السياسية يُترجم في الميدان العسكري، والكواليس ليست تعني فقط ما يحصل في الغرف المغلقة، بل أيضاً ما يتسرَّب إلى وسائل الإعلام من مبادرات ولا يلتفت إليها الرأي العام في حمأة المعارك العسكرية والتهديدات المتبادلة وقيام جبهات صراع جديدة، حيث يغلب صوت المدفع في مكان، على ما يحصل بعد سكوت المدفع في مكانٍ آخر، وخير مثالٍ على ما يحصل في الكواليس، بل من خلف ظهر "جيش الدفاع الإسرائيلي" الذي انسحب معظمه من غزة الى جبهة الشمال مع لبنان، ما أباحت به صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الأربعاء الماضي، أن حركة حماس ما زالت تسيطر بالكامل، سياسياً وإدارياً، على مليوني فلسطيني في قطاع غزة، بعد مرور سنة على العمليات العسكرية في القطاع، وهذا دليل على فشل السلطة السياسية "الإسرائيلية" في إيجاد حل لما تمت تسميته "اليوم التالي".

وفي الذكرى السنوية لوقوف بنيامين نتانياهو بتاريخ 23 أيلول 2023، على منبر الأمم المتحدة في دورتها ال78، حاملاً خارطة الشرق الأوسط الجديد، واللون الأزرق الصهيوني يغطي كامل مساحة فلسطين المحتلة بما فيها قطاع غزة والضفة الغربية، جلس المندوب الفلسطيني بتاريخ 23 أيلول 2024 على "المقعد الدائم" الذي نالته دولة فلسطين قبيل أيام من انعقاد الجلسة ال 79 للجمعية العامة، وكأنه التحدي الأكبر لبنيامين نتانياهو، الذي أجَّل سفره 24 ساعة إلى نيويورك لإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة، بحضور ممثل دولة فلسطين ندّاً لكيانه على المقعد الدائم.

قد يقلل البعض من أهمية منح دولة فلسطين عضوية دائمة في الأمم المتحدة كما سائر دول العالم ذات السيادة، كون منبر الأمم المتحدة ليس أكثر من حائط مبكى، لكن الإنجاز العظيم، أن دولة فلسطين التي اعترفت بها سابقاً أكثر من 140 دولة، باتت خلال عامٍ واحد فقط تحتل الخارطة العالمية من جديد، وتمزقت تلك الخارطة التي حملها منذ سنة بنيامين نتانياهو من على نفس المنبر، مبشِّراً بالشرق الأوسط الجديد ومزَّقتها عملية طوفان الأقصى في سابقة لم تحصل منذ قيام الكيان الصهيوني.

وبصرف النظر عن مضمون الكلمات التي ألقاها ويلقيها رؤساء الدول والوفود، جاءت كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بنظرنا، خلاصة الكلمات ومختصر الخطابات وخير "ما قلَّ ودلّ" عندما قال:
"حلّ القضية الفلسطينية يكون، إما بزوال الاحتلال "الإسرائيلي"، أو زوال الشعب الفلسطيني"، وهنا يكمُن بيت قصيدنا، الذي نؤكد عليه تكراراً مع اقترابنا من إحياء سنوية عملية طوفان الأقصى.

نتانياهو وصل نيويورك لإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فماذا لديه ما يقوله للعالم بعد سنة على إطلالته من على نفس المنبر؟، ويده التي حملت خارطة  "شرق أوسط مسالم" العام الماضي ملوَّثة هذا العام بدماء أكبر جريمة إبادة في التاريخ المعاصر، وعن أي تطبيع سيتحدث بعد الآن، وحكومته أطاحت باتفاقيتي كامب دايفد ووادي عربة، نتيجة أوهامه بإمكان تهجير فلسطينيي غزة الى سيناء وأبناء الضفة الغربية إلى الأردن؟

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، كان نتانياهو منذ سنة يرسم بيده على الخارطة خط سكة الحديد الذي يعبر  المملكة العربية السعودية، ويُسهب في الإشادة بعمليات التطبيع التي كان يطمح لحصولها مع بعض الدول العربية وفي طليعتها المملكة السعودية، لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بادر بتاريخ 18 أكتوبر الماضي، أي بعد عشرة أيام من بدء العدوان على غزة، الى الإعلان الصريح بعدم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية، وأخذ هذا الإعلان صفة رسمية بالمملكة، لأنه تمّ عبر خطاب ألقاه ولي العهد بالنيابة عن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو بمنزلة “إعلان دولة” بهذا الشأن، في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى الذي يعتبر برلمان المملكة، بمعنى أنّ الموقف يمثّل الدولة ومؤسّساتها السياسية، ويُعتبر توجيهاً من أعلى سلطات البلاد بشأن العناوين السياسية الكبرى للمملكة والثوابت المتعلّقة خصوصاً بالقضية الفلسطينية.

ومن كواليس ما يحصل داخل الغرف المغلقة حول ضرورة وقف النار ولو بصورة مؤقتة، أن مهمة المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، قد تبدَّلت أولوياتها، من بحث ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل إلى ضرورة وقف إطلاق النار ولو بقرار "مؤقت" لا يتعدى الشهر، لتمرير استحقاق الإنتخابات الرئاسية الأميركية بإنجاز للرئيس الديمقراطي جو بايدن، ما يعزز حظوظ المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس بمواجهة الجمهوري دونالد ترامب.

هذه هي دوافع الحرص الأميركي  المستجد لوقف النار مع لبنان وفي قطاع غزة، أما الحرص الفرنسي بشخص المبعوث الرئاسي جان ايف لودريان، فإن ملف الإنتخابات الرئاسية في لبنان قد دخل ثلاجة الإنتظار لدى لودريان، لأن الحرص الفرنسي حالياً والحرص الأوروبي بشكل عام، هو بضرورة منع اتساع الحرب بين "إسرائيل" لأنها قد تُهدد الإنتاج النفطي في شرق المتوسط، وبالتالي الإمدادات النفطية لأوروبا على أبواب الشتاء، سيما وأن هذا الإنتاج، قد عوَّض أوروبا جزئياً عن توقُّف ضخ الغاز الروسي الى أوروبا على خلفية الحرب الأوكرانية.

ما ليس في الكواليس، وبات مكشوفاً على خشبة المسرح، أن تحقيق أهداف حكومة نتانياهو في غزة قد فشلت، لا الرهائن تحرروا، ولا قيادة حماس اهتزَّت رغم الإغتيالات، ولا تفكيك هيكلية وقدرات هذه الحركة حصلت، إضافة الى خيبات الضفة الغربية التي باتت مستوطناتها الدخيلة عنصر تفجير مع الجوار الفلسطيني، وربما تهجير "الإسرائيليين" نحو تل أبيب، والجولان المحتل يغلي من الجهة السورية بوجود أربعين ألف مقاتل من العراق واليمن ينتظرون إشارة للتحرك.

وإذ تهرب حكومة نتانياهو الى الأمام نحو لبنان، بعد نكسات فلسطين المحتلة، والهدف هو  القضاء على "منظومة حزب الله" وإبعادها الى شمال الليطاني لإعادة المستوطنين الصهاينة إلى الشمال الفلسطيني المحتل، فإن نتانياهو ينتظره في لبنان ما لا يتوقعه، لأنه ربما لا يقرأ جيداً تاريخ كيانه مع "التجربة اللبنانية".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل