الهَمُّ والاهتمام وآثارهما .. الداعية الحبيب عمر بن حفيظ 

الثلاثاء 03 آذار , 2020 02:35 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

الهَمُّ والاهتمام وآثارهما

الداعية الحبيب عمر بن حفيظ 

مدير دار المصطفى - تريم (اليمن)

 

  الحمدُ للهِ مُزَكِّي عقول ونفوس مَن يشاء بما يُنوِّرُهَا مِن أنوار الإدراك لحقائق الشؤون، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا عليها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

وهم الذين أدركُوا من حقائقِ الأمور أنه ليس شيءٌ أرجى لهم ولا أخوفَ عليهم مِن {الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} مِن القادر الذي {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} مِن الرحمن الرحيم الذي يُعطي ولا يبالي ويَمنع ولا يبالي ويُسعد ولا يبالي ويُشقِي ولا يبالي جل جلاله وتعالى في علاه.

لمَّا أدركوا تلك الحقيقة اتقَّوا سخطَ الله واتقَّوا معاصيَ الحق واتقَّوا مخالفة الجبَّارِ الأعلى، واتقَّوا عذابَه، واتقَّوا البعدَ عنه واتقَّوا غضبه الذي لا يُطاق جل جلاله ؛ باتقائهم لِمَا نهاهم عنه في ظواهرِهم وبواطنِهم، في مقاصدِهم ونيَّاتِهم وفي أقوالِهم وأفعالِهم، وفي حركاتِهم وسكناتِهم، وأيقنُوا أن لا يمكن أن يُوصِلَ إليهم نفعاً ولا ضُرًّ سواه جل جلاله ، وما مع الخلائقِ إلا ما كُلِّفوا به من التسَبُّبَات وما جُعِلُوا فيه بأمر المُسَبِّبِ أسباباً للوصولِ إلى نتائجَ وثمراتٍ قال عنها الجبارُ الأعلى : {يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها ، فمَن وجد خيراً فليحمدِ الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه}.

وعلى ضوءِ ما أدركُوا مِن هذه الحقيقة ارتفع شأنُ همِّهم وتفرَّعَ شأنُ اهتمامهم، فكان همُّهم: "الحق ورضوانه" {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} {وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعاً} .

 كان ذلك الهم هو الذي حَوَى قلوبَهم وبذلك صار كلُّ ما يهمُّهم متَّصِلاً بهذا الأصل والهمِّ الأكبر، وحينئذٍ بسموِّ همِّهم لأن يكونَ همُّهم " الله" وابتغاء رضوانه ، والحذر مِن سخطِه وغضبِه وعقابِه جل جلاله {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ولا علمَ لمن لا يحذرُ الآخرة، ولا علمَ لمَن لا يرجو رحمةَ ربه.  لمَّا كان ذلكم هو الهمُّ الذي نازلَ قلوبَهم قامت قلوبُهم في مدةِ حياتِهم على ميزانٍ صحيحٍ رجيحٍ؛ وإذا بنتائج ذلك الهمِّ أن يُكفَوا كُلَّ همٍّ وغمٍّ، وأن يُدفَعَ عنهم كلُّ خطبٍ ألَم، وأن يُهدَوا إلى السبيل الأقوَم، وأن يُرشَدُوا فيما يقولون ويفعلون ويقصدون إلى ما هو أجملُ وأتم.

وهكذا مَن جعل ربَّه تعالى همَّه كفاه ما أهمَّه، ورزقَه من حيث لا يحتسب، وحينئذٍ ينالون رُقيَّا فيما يهتمُّون به - ولو كان مِن الأمور الحسيَّة التي ربما شاركَهم في الاهتمام بها أو الهم من أجلِها مَن لا يؤمن بهذا الإله ومَن لم يرتقِ في رتبةِ التقوى وأن يجعلَ " الله " تعالى همَّه الأكبر مِن شؤون حياتِهم، وما يُعرض لهم مِن الحاجات في دنياهم- ، إذا أخذوا نصيباً مِن الهمِّ في ذلك كان هذا الهمُّ في صورةٍ رفيعةٍ شريفةٍ لا توقِفهم ولا توصِلهم إلى قلقٍ ولا إلى أحزانٍ ولا إلى يأسٍ ولا إلى قنوطٍ ولا إلى اضطرابٍ نفسيٍّ ، لأنها همومٌ متفرِّعةٌ عن همٍّ أكبر يكفيهم ذلك الذي جعلوه همَّهم كلما يَنزِل بهم مما صغُرَ أو كَبُر فيما بطنَ أو فيما ظهر.

فإذا جاءهم شيءٌ مِن الاهتمام بصحةِ أجسادِهم أو بتغذيتِها كان ذلك مُندَرِجَاً مُنطَوِيَاً في معانٍ مِن الاعتمادِ على الحيِّ القيوم والرُّكونِ إليه والأخذ بالأسباب مِن حيث هي أسباب في طمأنينةٍ تنزلُ على تلك القلوب تحُولُ بينهم وبين أن تتحوَّلَ هذه الهمومُ إلى اضطرابٍ نفسيٍّ أو إلى قلقٍ أو إلى أحزانٍ أو إلى أن يتحوَّلوا عُرضَةً لأن يُستأجروا وأن يُشتَروا وأن يُستغَلَّوا وأن يُذهَبَ بهم يمنةً ويسرةً من أجل سدادِ تلكم الحاجات القصيرة.

 اللهم املأ قلوبَنا بالإيمان واليقين، وكن همَّنا أنت ونُب عنَّا في جميعِ همومِ الدنيا والآخرة، واجعل اهتمامَنا وشُغلَنا في طاعتِك ورضاك وما نكسب به القُربى منك يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام. وأحسِن لنا خاتمةَ هذا الشهر المُرتحِل عنَّا، وبارِك لنا وللأمة في شهرِ ذكرى ميلادِ نبيِّك الأكرمِ وحبيبِك الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

اللهم املأ قلوبَنا بالتوكُّل عليك والهمِّ بك وبأمرِك وبنبيِّك وما جاء بهِ عنك، واجعل اللهم هُمومَنا تبعاً لذلك، واكفِنا كل هَمٍّ في الدنيا والآخرة برحمتِك يا أرحمَ الراحمين يا ربَّ الدنيا والآخرة، وفرِّج كروبَ هذه الأمة واكشِف الشدائدَ عنهم وادفع البلايا عنهم، وارحم قلوباً اشتغلت بسِواك وهمُّها غيرُكَ ورُدَّها إليك مردّاً جميلاً تحقِّقهم فيها بحقائقِ لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله .

 

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل