فيدرالية مؤسسات الدولة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 15 كانون الأول , 2023 12:24 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
فتح الخلاف السياسي والقانوني، حول التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، الباب واسعاً على سجالات واجتهادات لم تكن تخطر على بال أحد، في ظرف مختلف، حتى سمح البعض لنفسه بالسؤال: هل أن فيدرالية الطوائف القائمة في لبنان، تترجم على صعيد المؤسسات، فتكون كل مؤسسة "مملوكة" ضمناً لهذه الطائفة أو تلك. والأخطر، تصبح تبعيتها ليس للطائفة ومرجعياتها فقط، بل تصبح محسوبة على الدولة، أو الدول، الخارجية التي ترعى الطائفة المعنية، كما تسقط عنها صفتهاالوطنية. وهكذا تصبح المؤسسة العسكرية، المختلف على تعيين قائد لها، ملكاً للموارنة؛ وتصبح السفيرة الأميركية وتابعتها سفارة فرنسا، تملكان صكوك ملكية هذه المؤسسة، مع ما يهدد لبنان ونظامه، بل وكيانه، من تحول هذه الخاطرة إلى حقيقة.
فلبنان كما يبين واقعه، كيان واحد ودولة واحدة شكلاً، لكنه عملياً مقسم ومفدرل، منذ أن أنشا الإستعمار الفرنسي دولة لبنان الكبير؛ وفق محاصصة عرجاء تطورت لتصبح 6و6 مكرر، مما حوّل البلد إلى مزرعة، يتصارع سكانها على من يحصل على حصة اكبر فيها. وهكذا تطور حال "المزرعة" من سيطرة مطلقة لما يسمى "المارونية السياسية"، إلى "مشاركة"، طالما طالب فيها رؤساء الحكومات وعلى رأسهم الشهيد رشيد كرامي، إلى أن وصلنا إلى إتفاق الطائف وتعديلاته، ثم إلى تفاهم الدوحة وأعرافه؛ وحالياً تتعطل إنتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومات، كلما وقع خلاف سياسي ذو مضمون طائفي، لأن النظام القائم المحروس من دول الإستعمار القديم ودول الهيمنة الجديدة، لم يحول لبنان إلى وطن للإنسان، يحضن أبناءه ويفتح امامهم أبواب التطور والرقي، بل مسخه إلى فيدرالية طوائف عنصرية وعصبوية، تحتقر الإنسان، لأنها تعتبره مجرد رقم في سجلات الطوائف والمناطق. وحوّل النظام القائم كل شيء في لبنان إلى محاصصة طائفية ومناطقية، حتى وصل الأمر إلى تطييف الزراعة والمحاصيل، فقيل أن القمح هو محصول هذه الطائفة؛ وأن التفاح يخص تلك الطائفة والزيتون لتينك. بل أن السياحة الصقت بطائفة والتجارة بأخرى والأيدي العاملة بثالثة، حتى صعبت الحياة على اللبنانيين. ولذلك نرى أن سيل هجراتهم واغترابهم لم ينقطع منذ ابتداع نظام القائمقاميتين وحتى اليوم.  
والفدرالية أو الاتحادية، حسب تعريفها، هي شكل من أشكال الحكم، تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية أو حكومة فدرالية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة، معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعدّ وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصاً عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية. ولبنان المفدرل، لكل طائفة فيه مدارسها وتعليمها ومستشفياتها ومصارفها. ومع الوقت، خصوصاً مع التطورات التي شهدها لبنان خلال السنوات والعقود الماضية، تبين أن حمايات الدول تتخطى النظام إلى المؤسسات. وأن الصراع بين الطوائف شكلاً، لكنه صراع دول ومحاور خارجية ضمناً، فالصراع خلال مرحلة الإستقلال، كان بين من يحكم لبنان بعد خروج الجيوش الفرنسية منه: جماعة فرنسا أو جماعة بريطانيا؟ ومن هذا المنطلق نشبت حرب أهلية لبنانية شكلاً، عام 1958، لكنها كانت حرباً إقليمية ودولية ضمناً، حول دخول لبنان في حلف بغداد الأميركي، أو رفض دخوله. فالأمواج الثورية العربية كانت مرتفعة في ذلك الوقت، إنطلاقاً من مصر جمال عبد الناصر، مما دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى إرسال قوات "المارينز"، للنزول على شاطىء الأوزاعي والتعسكر في حرش بيروت، لحماية حكم كميل شمعون.
وهذه الأيام، لمسنا كيف منع النفوذ الأميركي، اي محاسبة لحاكم مصرف لبنان السابق ولأصحاب المصارف، رغم الكارثة المالية التي أصابت لبنان واللبنانيين. فالحاكم لم يكن أميناً على مال الدولة والشعب. والمصارف أقرضت الحكومات المتتابعة أموالاً من إيداعات الناس، بفوائد خيالية، وصلت إلى 42 في المائة، جنى منها أصحاب المصارف ثروات هائلة، ثم ضاعت أموال المودعين بين أصحاب المصارف وقروض الدولة. لكن الحماية الأميركية لهذا القطاع وتبعيته لها، منع المحاسبة عنها، علماً أن جميع المتعاملين مع المصارف اللبنانية، كانوا يلمسون سيطرة وزارة الخزانة الأميركية على إدارة مصرف لبنان والمصارف الخاصة، من خلال إجبارهم على تقديم كشوفات بكل حركتهم المالية وبمصادر ودائعهم، لتسلّم في آخر المطاف للرقابة الأميركية، بحجة محاربة تبييض الأموال.   
كذلك،  شاهدنا السفيرة الأميركية تزور بكركي ثم معراب، لينطلق منها صوت البطريرك وصوت رئيس حزب القوات، يلحان على التمديد للعماد عون. وكأن الجيش مؤسسة خاصة بطائفة بعينها وليست لكل الوطن. بل أن لجنة خماسية تشكلت من أميركا وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، أعطت نفسها صلاحية الوصاية على لبنان. وهي لا تنفك تضغط للتمديد لعون، حتى يخيل للمواطن اللبناني أن الأميركيين ومن يتبعهم في الخارج والداخل، يعتبرون أن المؤسسة العسكرية هي لهم وبتصرفهم، طالما هي توفر لهم تسهيلات عسكرية، في المطارات والقواعد الجوية اللبنانية وثكنات الجيش اللبناني، بل وتبيح الحدود الشرقية للجيش البريطاني، يحدد فيها حدود العلاقات بين لبنان وسورية. بل وتقوم قوات بريطانية بالتدرب في لبنان، على القيام بعمليات مفترضة في حرب غزة. وقديماً إعتبرت القمة الروحية الإسلامية التي عقدت في عرمون (بحضور الراحلين: المفتي حسن خالد والسيد  موسى الصدر والشيخ أبو شقرا)، أن إعتبار الجيش اللبناني جيشاً للموارنة، يدفعها للقول أن المقاومة الفلسطينية هي جيش المسلمين. فهل تعتبر أميركا ومن يسير خلفها، أن المقاومة في لبنان هي جيش محور الممانعة في لبنان، فتعامل الجيش اللبناني، على أنه جيش المحور الأميركي والغربي، مع ما يشكل ذلك من تغلب للمصلحة الأميركية والغربية على مصلحة الشعب اللبناني، الذي يتمسك بالمؤسسة العسكرية وبدورها، مؤسسة وطنية تعني كل اللبنانيين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل