"إسرائيل": اليوم التالي.. والآتي الأعظم ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 30 نيسان , 2024 12:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم تعُد الأمور في قطاع غزة بحاجة إلى تحليلات افتراضية، لأنه لا أحد في العالم كان يتوقع حصول عملية "طوفان الأقصى" بهذا الحجم، من قطاعٍ كان قد مضى على حصاره ستة عشر عاماً، فلا أحد أيضاً كان يتوقع أن بندقية المقاومة الفلسطينية أخيراً هددت وستهدد مصير حُكام في صناديق الاقتراع، من تل أبيب نتانياهو الى واشنطن بايدن، وأنها ستلامس حدود اتفاقيات دولية وتقضي بتجميدها، كما قد يحصل لعميدة اتفاقيات التطبيع "كامب دايفد" بين مصر و"إسرائيل"، فيما لو سارت الأخيرة في الخيار المجنون لاجتياح رفح والاقتراب من محور فيلادلفيا.

الأسبوع الماضي كان مصرياً بامتياز، لناحية ترقُّب القيادة المصرية لتطورات الوضع الميداني للجيش الصهيوني على مداخل رفح، ولهذه الغاية، حضر الى القاهرة وفد "إسرائيلي" برئاسة رئيس الشاباك، لمناقشة العملية المقررة لاجتياح رفح مع رئيس المخابرات العامة المصرية، وتلقى الوفد إجابة صافعة، برفض مصر حصول أية عملية عسكرية "إسرائيلية" في رفح، تحت طائلة إعلان حالة طوارئ مصرية دون إعطاء التفاصيل عنها، لكنها قد تبدأ بتجميد اتفاقية كامب دايفد الراعية لوضع محور فيلادلفيا، وقد تنتهي إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين.

وتزامنت زيارة الوفد "الإسرائيلي" إلى القاهرة يوم الأربعاء الماضي، حيث تلقى الرفض المصري لأية عملية في رفح، ثم ذهاب وفد من المخابرات المصرية الى تل أبيب يومي الخميس والجمعة الماضيين حاملاً مبادرة مصرية جديدة بشأن الهدنة وإطلاق الرهائن، مع ظهور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الأكاديمية العسكرية، وكأنه الرسالة المصرية الأقوى للكيان الصهيوني بالاستعدادات المصرية لمواجهة ما هو آتٍ على الحدود، وتحديداً على محور فيلادلفيا، وروَّجت وسائل إعلام رئاسة الجمهورية المصرية فيديو وصوراً للرئيس المصري، يحضر في الأكاديمية العسكرية بين المتدربين، لا بل ويشارك عبر مداخلة في تقديم حصة تدريبية لهم، حول عيوب دبابة الميركافا "الإسرائيلية" ونظام الحماية الذاتية فيها المعروف باسم TROPHY.

وأن يتم ترويج هكذا فيديو حول أساليب مواجهة دبابة الميركافا، وكيفية استغلال نقاط ضعف نظام الرصد والدفاع الذي يحميها ذاتياً، ضمن الأكاديمية العسكرية المصرية بحضور الرئيس، فهذا يعني التلويح والاستعداد لمواجهة برية مع الكيان الصهيوني، وليست عبر تبادل الرسائل الصاروخية أو المواجهات الجوية.

والمبادرة التي حملها وفد المخابرات المصرية الى تل أبيب أتى على رأس شروطها، وقف إطلاق النار كمرحلة أولى لمدة أربعين يوماً، وإطلاق سراح ثلاثين مستوطناً صهيونياً مقابل الأسرى الفلسطينيين الذين تحدد حماس عددهم، والمرحلة الثانية تبادل لباقي الرهائن مع أسرى فلسطينيين ووقف لإطلاق النار مدة عام كامل، وعودة أهل قطاع غزة إلى بيوتهم في الشمال وليس الى مخيمات مستحدثة خارج مناطقهم.

هذه المبادرة أيدها وزير الخارجية "الإسرائيلي"؛ يسرائيل كاتس وبعض أعضاء الحكومة، باستثناء نتانياهو ووزراء الليكود، والوزيرين العنصريين إيتمار بن غفير وبتسئيل سيموتريتش، مما زاد من حدة الانقسام داخل الحكومة الصهيونية، وأيضاً ضمن مجلس الحرب، حيث بيني غانتس يؤيد كل مبادرة تضمن تحرير الرهائن.    

وسط أجواء المبادرة المصرية القاطعة، اجتمع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في الرياض بنظرائه الخليجيين إضافة الى وزيري خارجية مصر والأردن، وسمع ما يجب أن يُسمع حول ضرورة وقف العدوان على غزة، وعودة النازحين الى بيوتهم شبه المدمرة، ووصولاً الى إعادة الإعمار والبدء بمفاوضات إقامة الدولة الفلسطينية، وهي المواضيع نفسها التي بحثها الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصالٍ هاتفي يوم الإثنين مع الرئيس السيسي، وكان هناك توافق عليها خاصة مسألة حل الدولتين.

أما أجواء "إسرائيل"، فقد أفصح عنها محلل الشؤون الفلسطينية والعربية في "القناة 12 الإسرائيلية"، "أوهاد حِمو"، وتحدّث عن سبب ما حصل في 7 أكتوبر، موضحاً أنّ الجواب عن السبب كان واضحاً وجلياً في السنوات الأخيرة، لكنه وبحسب "حِمو" "لم يُقرأ بشكلٍ صحيح، بل لم يُقرأ على الإطلاق".

وأشار "حِمو" خلال حديثه، إلى مناخ عيد الفصح البهودي، واصفاً إياه "بالمختلف هذا العام"، حيث قِيَم الحرية موضع استفهام، وهذا الحال ينطبق عندما يكون "133 أسيراً إسرائيلياً على بعد مئات الأمتار، بحد أقصى بضعة كيلومترات، من جنود الجيش "الإسرائيلي" لأكثر من 6 أشهر، و"إسرائيل" غير قادرة على إنقاذهم".

وتطرّق لما تغير في غزّة على مر السنين، معتبراً أنّه منذ سنوات، كان حاجز الخوف في غزّة موجوداً، بينما تمّ كسره هذا العام، واصفاً هذا التغيير بـأنه "دراماتيكي ولا يبشّر بخير"، متسائلاً: "كيف يمكن لغزّة الصغيرة أن تجرؤ على بدء حرب شاملة ضد أقوى قوة في الشرق الأوسط"؟
وأضاف محلل "القناة 12" أنّ هذه المرة مختلفة عن كل الجولات في السنوات الأخيرة، التي اقتصرت على بعض القذائف الصاروخية، وأنّ غزّة هذه المرة، أعلنت حرباً شاملة على "إسرائيل" في غارة 7 تشرين الأول/أكتوبر، و"تهدف إلى تدميرها، كما لو كان مكتوباً في ذلك اليوم بأحرف تقديس بيضاء على صور الذين آذوا وأهانوا وآلموا الأسرى الإسرائيليين وضربوهم بالصنادل والتقطوا صور سيلفي معهم".

وبيّن "حِمو" أنّ قادة حماس صدّقوا أنفسهم والنبوءات التي تنبأت بتدمير وشيك لـ "إسرائيل"، وأنّ خطابات السنوار، وتصريحات كبار مسؤولي حماس في غزة كانت مصحوبة بمعرفة صريحة بأنّ "إسرائيل" ستختفي قريباً".

وأوضح محلل "القناة 12" أنّ هذا التأكيد "لم يكن رغبةً، بل معرفة واضحة بأنّها ستكون كذلك"، لافتاً إلى أنّ هذا ما يفسّر المؤتمر الذي عقدته حماس قبل عامين، حيث كانت تستعدّ بالفعل لليوم التالي لتدمير "إسرائيل" وإدارة فلسطين، التي سيتم إفراغها من اليهود.

ولأننا من أفواههم نقتنص الحقيقة، بات بإمكاننا تجاوز كل التفاصيل، سواء ارتبطت بالانقسام السياسي والمجتمعي داخل الكيان الصهيوني، أو سقوط حكومة وقيام أخرى، وانتخابات مبكرة أو مؤجلة، واقتصاد منهار بلغ من العجز 7% من الناتج القومي الإجمالي، فإن الأمور بلغت داخل الكيان الصهيوني مرحلة الرعب الوجودي، على وقع مغادرة مئات الآلاف من اليهود "إسرائيل" إلى أميركا والدول الأوروبية، وهذا برأينا هو اليوم التالي الحقيقي لشعب "إسرائيل" والآتي أعظم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل