"إسرائيل".. أزمة القنابل الذكية ومأزق الحسابات الغبيَّة ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 14 أيار , 2024 12:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

استقالة المسؤول عن السياسة الأمنية والتخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي"؛ يورام حمو، يوم الأحد الماضي، بحجم استقالة وزير، كونه المسؤول عن متابعة سياسة "اليوم التالي في غزة"، والاستقالة كما ذكرت قناة "كان" العبرية، جاءت على خلفية عدم اتخاذ أي قرار على المستوى السياسي بشأن قضية "اليوم التالي في غزة"، واستقالة "حمو"، تشبه تماماً استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، على خلفية الفشل في كشف عملية "طوفان الأقصى"، وما بين الاستقالتين خيبات ميدانية عسكرية بمواجهة حماس، بدليل، أن حكومة نتانياهو بعد إعلان "النصر" في شمال القطاع ووسطه والانتقال الى خان يونس ورفح، قررت العودة إلى اقتحام مخيم جباليا، كما حصل عندما أعلنت في بدايات الحرب أنها "نظَّفت" بيت حانون من عناصر المقاومة، وما زالت بيت حانون وسواها في الشمال والوسط، بعد مرور سبعة أشهر على العدوان، تُنبِت مقاومين من الأنفاق ومن بين الأنقاض.

تخبُّط على المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية في "إسرائيل"، أنتجته عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها، رغم كل الدعم الأميركي والغربي للكيان الصهيوني، الذي استطاع تدمير غزة وتهجير سكانها، لكنه فشل وسوف يفشل في تحرير رهائنه بالجبروت العسكري، وتحقيق حلمه بالقضاء على المقاومة، حيث لا استخباراته نجحت في منع عملية "طوفان الأقصى"، ولا تطبيعه مع بعض العرب حماه من استعدادات المقاومة التي تفجَّرت في 7 اكتوبر.

وإذا كان التدمير الذي شمل 70% من قطاع غزة، قد تمّ بالقنابل الذكية الأميركية التي تُصيب الهدف المحدد، دون تعريض محيطه للأضرار، فهذا قد ينطبق على ساحات حرب مثل تلك التي تحصل بين روسيا وأوكرانيا على سبيل المثال، حيث البُنى التحتية والمباني السكنية في المدن المستهدفة قائمة على أسُس متينة، وليس حالها كما قطاع غزة الذي حوصر لستة عشر عاماً وبُناه التحتية متواضعة وغالبية ابنيته السكنية من الصفيح، وبمجرد قصف مبنى فيه تنهار المباني المجاورة.

ثم ما هو الفرق عند حكومة عنصرية وجيش دموي، بين الذكية من القنابل والغبية العشوائية منها، ما دامت القيادات الصهيونية عبر التاريخ تتمنى إحداها أن تستيقظ وترى غزة غارقة في البحر، وأخرى طالبت بعد عملية "طوفان الأقصى" بوجوب ضربها بقنبلة ذرية أو نووية؟ وفي كل الحالات، هذا القطاع الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومتراً مربعاً، كشفت المواجهات معه وفيه، أن "إسرائيل" كيان لقيط يحتاج عند كل كبوة لمن يلتقطه ليلتقط أنفاسه، بدليل أن صواريخاً بعضها من صناعة ورَش حدادة في غزة، استوجبت قبب حديدية واستدعاء أساطيل وبوارج وجسراً جوياً لإنقاذ اللقيط.

وليس قلب أميركا أرقّ على أبناء رفح منه على شمال القطاع ووسطه، ولا قلب أميركا على مليون ونصف مليون نازح تم حشرهم في رفح، لتٌعلن أنها ضد اجتياحها، وتهدد بوقف مساعدات القنابل الذكية، بل لأن رفح على حدود مصر، ورفح على حدود محور فيلادلفيا، ورفح على حدود "كامب دايفد"، تلك الاتفاقية التي تُفاخر بها أميركا، وكانت فاتحة خير لها في استجرار "عرب الاعتدال" الى التطبيع، وهي الآن غير قادرة على "زعل" مصر، سيما وأن لا بديل عن مصر بحكم الجوار مع قطاع غزة، للعب دور الوسيط.

باختصار، الرئيس بايدن تأخر في إبداء عواطفه تجاه مصر كحليف استراتيجي، لأن مصر ذهبت بعيداً، بعيداً جداً، بعد فشل المفاوضات في القاهرة، بالتزامن مع الخطوة "الإسرائيلية" بالسيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وأعلنت مصر فعلاً سلسلة تهديدات رسمية، منها عدم رغبتها بمتابعة دور الوسيط في المفاوضات بين حماس و"إسرائيل"، ولوَّحت بإلغاء اتفاقية كامب دايفد، وأمَرَت كافة المدنيين وأصحاب السيارات وشاحنات المساعدات، بالانسحاب من محيط معبر رفح في الجانب المصري، وتقدمت القوات المسلحة المصرية بعديد وعتاد غير مسبوقَين منذ توقيع كامب دايفد، وبذلك تكون مصر قد نسفت المادة 103 من هذه الاتفاقية، التي تنصّ على وجود لجنتين استخباريتين لضمان عدم مخالفة أي من الطرفين نصوص الاتفاقية، واحدة مصرية ومقرُّها مدينة العريش، والثانية "إسرائيلية" في بئر السبع، وأعلنت مصر أيضاً وقف التنسيق مع "إسرائيل" بشأن معبريُ رفح وكرم أبو سالم، ثم أعلنت الخارجية المصرية رسمياً يوم الأحد الماضي، عزمها الانضمام الى دولة جنوب إفريقيا في الدعوى المرفوعة ضد "إسرائيل" لدى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان، أن الانضمام الى الدعوى ضد "إسرائيل" يأتي في ظل تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، والإمعان في الاستهداف المباشر للمدنيين وتدمير البنية التحتية في القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم.

هذا التدهور في العلاقات بين مصر و"إسرائيل"، هو نتاج التخبُّط السياسي والحكومي والعسكري في إسرائيل، الذي بلغ حدود الغباء في الحسابات الاستباقية، لما قد ينتج عن العدوان على غزة، وذلك في ملامسة جيش العدو الصهيوني الحدود المصرية، وتحديداً محور فيلادلفيا الذي تدَّعي إسرائيل وجود أنفاقٍ تحته، تستخدمها حماس لإدخال الأسلحة والذخائر، علماً بأن هذه الأنفاق تمّ إغلاقها من الجانب المصري وتعويمها بالمياه عام 2014 في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي بذريعة منع دخول "الإرهابيين" من القطاع.

و كما سبق للإعلام "الإسرائيلي" أن تعرَّض لقطر وقيادتها وشكك بصوابية مقصدها في تحقيق وقف إطلاق النار ومبادلة الرهائن بالأسرى الفلسطينيين، كذلك انبرى هذا الإعلام للهجوم على الخطوات المصرية، التي اعتبرها في البداية تهديدات كلامية، لكن وجب على مصر بصفتها عميدة الدبلوماسية العربية أن تنتفض لدورها القومي، وتنفض عنها التزامات كامب دايفد للسلام المصطنع مع كيان عدواني غير قابل للتطويع عبر اتفاقيات التطبيع، وليبحث عبثاً عن "يومه التالي" في رمال وأنفاق غزة، لتحرير رهائن لن يستلمهم أحياء قبل إعلان وقف العدوان والانسحاب من غزة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل