سقوط نظرية الأمن "الإسرائيلي".. اعترافات ومآلات ـ يونس عودة

الأربعاء 20 كانون الأول , 2023 08:49 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في ذروة غير مسبوقة من المواجهات بين الغزاة الصهاينة والمقاومة الفلسطينية, واتساع المواجهة الى البحر الاحمر وبحر العرب, فضلا عن جبهة الجنوب اللبناني التي تشهد كل يوم ضراوة نوعية في المواجهة, وكذلك استهداف القواعد الاميركية في سوريا والعراق, وهو الامر الذي يمكن ان يتوسع ايضا, وهذا الامر يدده القيمون على ادارة الميدان, يبقى العدو الصهيوني في حالة تخبط من دون الرسو على سياق استراتيجي في ادارة الحرب, باستثناء القول إن المعارك صعبة ومؤلمة, ما يؤشر الى توجس حقيقي ان مصير الكيان ككل على المحك, بعد الاعتراف بفشل كل نظريات الامن "الاسرائيلي" المصحوبة ببروباغندا عالمية عن القدرة "الاسرائيلية" في تجاوز اي صعوبة بأسهل الطرق, اعتمادا على القوى الامبريالية بزعامة المجرم الاكبر - الولايات المتحدة الاميركية.
يمكن ان يكون الصهيوني المتطرف وزير الحرب السابق, ورئيس حزب "اسرائيل بيتنا",افيغدور ليبرمان ,هو الاجرأ في الاعتراف, بسقوط نظرية الامن "الإسرائيلي" بأمها وابيها, وأنها لم تعد تلبي حاجات الكيان للبقاء على ارض فلسطين, وهو المحاط بالأعداء من كل حدب وصوب, وان القوة الشديدة التي كانت لإسرائيل, هي التي امّنت لها, بالترويع, حواضن عربية في الجوار, مثل مصر والاردن.
يقول ليبرمان : "يجب على المرء أن يكون مستعدًا دائمًا للحرب مع مصر والأردن رغم أن لدينا حاليا حالة اللاحرب، لكن أنت لا تصل إلى مثل هذه الترتيبات هنا إلا بدافع القوة، فعندما تكون ضعيفًا، لن يدوم شيء، وجزء من سمعتنا وعلامتنا التجارية هو الشدة وقد تعرضت لضربة قوية في الآونة الأخيرة في غزة ويجب علينا استعادة ذلك والشعور بالأمن لدى المواطنين والإيمان بأن إسرائيل قادرة على توفير الأمن واستعادة الشرف الوطني".
ليس المقصود بكلام ليبرمان باستعادة الشرف الوطني, الشرف بمعناه الدقيق, وانما ان استعادة الهيبة والقوة امام المستوطنين ليثقوا بكيانهم من جهة واستعادة حالة الترويع للحكام العرب اولا,  وللشعوب العربية التي تجاوزت الخوف, وانتفضت, وكذلك امام شعوب العالم التي اكتشفت الصورة الحقيقية لدموية "إسرائيل", ولحماتها ومشغليها، سيما الولايات المتحدة, والغرب الجماعي.
 اما كيف يرى ليبرمان اعادة انتاج المشهد الذي يصبو اليه فملخصه: "على إسرائيل أن تبدأ من البداية، أي إعادة ضبط الساعة وإعادة بناء كل شيء في مفهوم الأمن، وبناء القوة، وترتيب الأولويات، والأوامر، والتعليمات، والإجراءات والأساليب، والشؤون المالية والموازنات الدفاعية، وهذا الان وليس غدا".
لقد غاب عن بال المتطرف ليبرمان والذين من صلب الصهيونية, ان الزمن لا يعود الى الوراء, وان الزمن الذي كانت تتحكم به اميركا وضمنا "اسرائيل" وغيرها, ولى مع الصحوة الشاملة والمتزايدة في العالم, الذي كان ضحية الدعاية الغربية - الغوبلزية, لا بل سقطت امام الوقائع اليومية, والتي لم تتمكن كل الالة الاعلامية الغربية ان تحجب حتى السقوط الاخلاقي, او تأخير اعلانه ايضا.
لذلك, اضافة الى عدم اليقين بالنتائج التي يمكن ان تسفر عن اي تورط اميركي مباشر عبر الاساطيل بعمليات الابادة التي ترتكبها "إسرائيل" بالأسلحة الاميركية, تسعى الولايات المتحدة الى عدم توسيع رقعة العمليات العسكرية, و"تقليص شدة قتل المدنيين في غزة", لعل في ذلك كوة يمكن للولايات المتحدة الساقطة اخلاقيا ان تقول: انظروا الينا, اننا نعمل على تخفيف قتل المدنيين, لكن لا نريد ان يتوقف القتل, ولذلك نبقي على امر العمليات بلا اي وقف للنار الذي وحده يحد من المجازر.
يتخيل البعض ان التعارض في وجهات النظر بين ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن , وحكومة القتل والترويع والارهاب التي يقودها بنيامين نتنياهو, معطوفة على الحجج الاخلاقية, يمكن ان يبرر لا اخلاقية ولا انسانية النظام الاميركي, ترى مطبوعة بريطانية مرموقة :"ان العلاقات بين الحليفين هو الكيفية التي وجهت بها تصرفات إسرائيل في غزة ضربة قوية لمساعي الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم و"القيادة الأخلاقية". فـ"تحت أنقاض غزة، دُفنت أخيراً الحجج الأخلاقية الأمريكية الضعيفة للهيمنة الإمبريالية"، ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالحجج الأخلاقية: فأميركا لم تعد قادرة على حماية العالم الذي خلقته على صورتها ومثالها.
ان النصر الاستراتيجي الذي حققته المقاومة الفلسطينية, المعززة بثلاث جبهات اسناد؛ من لبنان المنخرط في المواجهة منذ الساعات الاولى، وقد قدم حتى الان عشرات من خيرة فرسانه البواسل في المقاومة, الى التأثير الذي النوعي ايضا في استهداف القواعد الاميركية في سوريا والعراق كعوامل ضغط واستنزاف من جانب المقاومة الاسلامية, الى اليمن الذي اعطى امثلة رائعة في وحدة الساحات, وكشف الاعداء, من خلال الضربات النوعية في البحر الاحمر وعلى مشارف باب المندب, هذا النصر, غيّر كثيرا في المشهد العالمي من حيث صورة اميركا والغرب عموما, وكذلك الكيان كصنيع غربي, وبالأخص في الابعاد الثقافية المندثرة اخلاقيا وانسانيا, فضلا عن اسقاط نظرية التفوق حتى عسكريا وامنيا, رغم البون الشاسع في القدرات المادية والتقنية على مختلف المستويات, وهذا كله يؤسس لبصمة كبيرة في النظام العالمي المأمول, والاتي حتما, اضافة الى البصمة المهمة التي ستذيل الانتخابات الرئاسية الاميركية, والمسبوقة بمواجهة ليست عابرة بين رؤساء جامعات في ولايات عدة, ورموز نظام بايدن الجزار, واقالة رؤساء الجامعات عنوة, اكان بالترهيب وهو الاغلب, او بغيره من ادوات الضغط.
إن الجانب الخاسر في الصراع الحالي، كما يرى الكثير من البحاثة والاستراتيجيين، لن يكون تل أبيب فقط، بل وحتما ستكون الولايات المتحدة, وكل اعوانها وادواتها في العالم, ليس فقط لمجرد إنهاء الأعمال القتالية قبل القضاء على المقاومة الفلسطينية بالكامل, وهو ما سيُعد في جميع أنحاء العالم انتصارًا لحماس ولفلسطين ولمحور المقاومة, وهزيمة لكل من "إسرائيل" والولايات المتحدة.. وان غدا لناظره قريب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل