رسائل هوكشتين.. والأجوبة المطلوبة ـ يونس عودة

الثلاثاء 26 كانون الأول , 2023 08:37 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
من المؤكد أن المبعوث الاميركي عاموس هوكشتين سيأتي الى لبنان بعد ايام قليلة من نهاية الاحتفاء برأس السنة الميلادية، ترافقه السفيرة الاميركية الجديدة ليزا جونسون لتسلّم مهامها كسفيرة لبلادها لدى لبنان، خلفا لسفيرة الكمامات دورثي شيا، ومن دون تقديم أوراق اعتمادها؛ بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية.
السفيرة جونسون ترتبط بعلاقات وثيقة ببعض اللبنانيين جهات واشخاص نسجتها اثناء وجودها, كموظفة في سفارة بلادها في لبنان ما بين العامين 2002 و2004, عشية التحضير الاميركي لتدبير الانقلابات بعناوين الحرية والديمقراطية في المنطقة, وضمنا لبنان, الذي كان حينذاك في مرحلة من الاستقرار الاقتصادي والسياسي, ولا يزال يعيش وهج التحرير من الاحتلال "الاسرائيلي" عام 2000.

لا شك ان الزيارات الاميركية المتكررة الى لبنان، ولا سيما من المبعوث هوكشتين, لها ابعاد سياسية عميقة, وبالأخص فيما يتعلق بحرب الابادة على غزة, ودور المقاومة في لبنان ومساندتها للشعب الفلسطيني.
في هذا السياق جرى تداول الكثير من الطروحات التي حملها الاميركيون الى كبار المسؤولين في لبنان، لإقناع قيادة المقاومة بجدواها للبنان, سيما ان الاميركي وفق كل المعطيات لا يبغي التوسع في الحرب على الجبهة اللبنانية, بموازاة رفضه لأي وقف لإطلاق النار حقيقي في غزة, وإطلاق يد حكومة الحرب "الإسرائيلية" لارتكاب ما أمكنها من المجازر بالأسلحة الاميركية المتدفقة الى تل ابيب عبر جسر جوي لا يهدأ.
العنوان الابرز لزيارة الموفد الاميركي يكمن في كيفية وقف حرب الاستنزاف ضد العدو "الإسرائيلي"، الذي يرغي ويزبد, ويرعد ويهدد، وهو المرتعد، بانه سنفذ بالقوة ابعاد المقاومة بعمق معين إذا فشلت الدبلوماسية بذلك, من اجل عودة المستوطنين الى المستوطنات الحدودية، كي يشعروا بالأمان.
لقد طلب الكيان الصهيوني ان يعمد لبنان الى تطبيق القرار 1701تلقائيا، والا سينفذ ذلك عسكريا, واستل السمسار الفرنسي، العضلات "الاسرائيلية"، مهددا بالويل والثبور وعظائم الامور إذا لم يسارع لبنان الى تلبية الغرائز "الاسرائيلية"، والا سيكون المشهد مثل المشهد الغزاوي من حيث الاجرام والدمار الصهيوني. وكاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان ينفخ عضلاته ايضا ويهدد بإقامة تحالف دولي لإجبار المقاومة على التنفيذ في بلد يعتبر سياسيوه التقليديون فرنسا لا تزال الام الحنون، تماماً مثل التحالف الذي تحدث عنه لاجتثاث المقاومة الفلسطينية من غزة.
لقد لمس اللبنانيون "الحنان" الفرنسي , أكثر بكثير من "الرفق" الاميركي في هذا الموضوع حصرا, بحيث انحصر التمني الاميركي عبر وسطاء عدة بالا تتوسع دائرة العمليات على الجبهة اللبنانية المساندة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض الى حرب ابادة ممنهجة امام العالم كله, سيما أن قادة العدو الذي تبنى النظام القائم في فرنسا التهويل "الاسرائيلي" الصادر عن نتنياهو ومجلس حربه الدموي بأن جيشهم سيبعد المقاومة من جنوب الليطاني سواء بتسوية ام بالقوة العسكرية، محذراً بلسان حكومة نتنياهو للتحسُّب لما قد تُقدم عليه "إسرائيل"، خصوصاً أنها تربط عودة المستوطنين إلى المستوطنات التي نزحوا منها في شمال "اسرائيل"، بإخراج قوة «الرضوان» من منطقة جنوب الليطاني.
ان الحرص على تطبيق القرارات الدولية, لا يمكن ان يكون استنسابيا, كالمعايير التي يغرق الغرب فيها في تصنيف الجرائم ضد الانسانية والاعتداءات والحروب غير العادلة وتزوير الحقائق والوقائع, وقلب الامور راس على عقب.
السقوط الاخلاقي للغرب بقيادة الولايات المتحدة, يجعله طرفا معدوم الثقة كليا في مقاربة القضايا, وبالاخص القضايا العادلة المتعلقة باي احتلال وتداعيات الاحتلال، ومع ذلك يمكنه السعي في ما يريد, ولكن ليس ما يسعى واليه , ويخطط له قابل للتنفيذ, او النجاح, سيما مع الادراك الكامل لخبث الغرب الذي بات جهارا نهارا, وبلا الحد الادنى من الخجل.
في كل الاحوال فان السلطات اللبنانية اكدت تمسكها بالالتزام بتطبيق القرار 1701, الذي مزقت "اسرائيل" نفسها كل ما يتعلق به الاف المرات منذ العام 2006, وصولا الى الحرب الدائرة حاليا على الجبهة اللبنانية، مع العلم ان الاعتداءات "الاسرائيلية" على القرار المذكور، ورعاته وعلى المشرفين على التنفيذ، اي "قوات اليونيفيل" لا تزال شظايا قذائفها موجودة كشواهد على استهداف المقر العام لتلك القوات، وعلى مواقع عدة, وبالاخص مركز المراقبة للوحدة الاسبانية, على تلة "سردة" جنوب مدينة الخيام - قضاء مرجعيون.
لقد كانت قوات "اليونيفيل", طوال سنوات, أقرب الى شاهد زور مع تسجيل الخروق اليومية للقرار المذكور, من جانب المحتل, براً وبحراً وجواً, وليس موقف القوات الدولية من استهداف مراكزها من جانب المدفعية والدبابات "الاسرائيلية" الا مثار شك على التواطؤ العلني في عدم اتهام "اسرائيل" بالاعتداء المباشر, والاستهداف عن سابق تصور وتصميم .
ولان الشيء بالشيء يذكر يتوجب على من يريد ان يناقش تطبيق القرار 1701, ان يأخذ بالاعتبار كل القرارات الناتجة اصلا عن احتلال فلسطيني، اي منذ قرار التقسيم الذي انشأ الكيان الملوث في صميم البلاد العربية, والمقصود القرار المعروف بقرار التقسيم ورقمه 181 تاريخ 29- ت2 -1947, رغم الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني جراءه, من خلال عملية سطو دولية نظمتها بريطانيا, ومنذ ذاك هيمنت الحروب على المنطقة حتى اليوم، وصدرت مئات القرارات عن الامم المتحدة, ومجلس الامن الدولي بخصوص الصراع العربي - الصهيوني، والقضية الفلسطينية, والاحتلال في لبنان ,وظلت  حبرا على ورق، بسبب عدم التزام "إسرائيل" بها، ولم تنفذ أيا منها, وانما اجبرت بالمقاومة على الانسحاب، وخصوصا في لبنان عام 2000, الامر الذي فتح ابواب الامل الكبيرة بإمكانية انهاء الاحتلال.
ليس هذا فقط، فالكيان الصهيوني طالما استهدف الامم المتحدة منذ انشائه، وهو أشهر على قرار زرعه في قلب المنطقة العربية على اغتيال وسيط الأمم المتحدة في فلسطين الكونت فولك برنادوت بتاريخ 18 أيلول 1948، ولم يقم مجلس الامن بمحاسبة العصابات الصهيونية، وكل ما صدر عنه بان أعرب مجلس الأمن عن "صدمته القوية" لاغتيال الكونت برنادوت نتيجة عمل "جبان اقترفته جماعة مجرمة من الإرهابيين" في القدس.

هناك الكثير من الوقائع المماثلة، والتي بفعل الحماية الغربية وبالأخص الاميركية كانت "اسرائيل" تنجو من المحاسبة، فمجزرة قانا الأولى في 18 نيسان 1996 تمت في مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفل في قرية قانا اللبنانية، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه خلال العدوان الذي شنته "إسرائيل" على لبنان، بعنوان "عناقيد الغضب"، وأدى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح، وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين "إسرائيل"، ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام  الفيتو.
لا يتسع المجال في مقال عن الجرائم "الاسرائيلية" المرتكبة, مقابل رفضها تنفيذ القرارات الدولية وهي غير عادلة اصلا تجاه دول وشعوب المنطقة، وكيف تحمي الغرب "اسرائيل" على ارتكاباتها، وبالاخص في استهداف اي منظمة دولية تحاول ان تقارب الحقيقة خلافا لأضاليل "اسرائيل" واميركا، والاتهام المستدف بمعاداة السامية... ومن السردية "الاسرائيلية" الكاذبة وقد دفع كثير من المسؤولين على رأس الامم المتحدة, الثمن بالإطاحة بهم لمجرد ان وصفوا واقع الجريمة كما هي، مثل الامين العام السابق كوفي انان وغيره ,وبطرس غالي الذي رفضت واشنطن بطلب من "إسرائيل" التجديد له بعد أن أدان مذبحة ارتكبتها "إسرائيل" في لبنان، وما يتعرض له حاليا الامين العام انطونيو غوتيرتش، والطلب باستقالته لان موقفا اصدره لا يتناسب مع مصالحها الدموية والاستيطانية.
السؤال الذي يفرض نفسه, يتمحور حول ما إذا كان من سيلتقيهم هوكشتاين, سيتمتعون بالجرأة المطلوبة واقعيا, ويكونون صرحاء مع المستر هوكشتين، بان لبنان ليس مسؤولا عن تأمين الامان للمستوطنين في شمال فلسطين ,وهذا الامر سيبقى عالقاً طالما أن واشنطن تمنع صدور وقف إطلاق نار على غزة, وان القضية الاسهل هي انهاء الاحتلال، إذا لم يكن بالدبلوماسية، وهذا لن يحدث, بعد تجارب امتدت 75 عاما, فسيكون حتما بالمقاومة.. وهي العلاج الوحيد للاحتلال، لان القوى الدولية المتسلطة عوراء في الرؤية، ومعدومة الانسانية والاخلاق.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل