عقد نقص تجاه الأميركي... أم تواطؤ معه؟ـ عدنان الساحلي

الجمعة 12 كانون الثاني , 2024 11:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
عندما ننظر إلى استقبال المسؤولين اللبنانيين للموفد الأميركي (الإسرائيلي)؛ عاموس هوكشتاين؛ وكذلك إلى موقف الحكومة اللبنانية "المؤيد" لموقف جنوب إفريقيا وحكومتها في رفعها دعوى ضدّ "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني، لا نستطيع إلا أن نشبه هذه المواقف بالموقف الذي اتخذته روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي، بالحياد، من خلال الامتناع عن التصويت، وعدم وضع "فيتو" على القرار الأميركي ضد اليمنيين، لوقوف هؤلاء ميدانياً مع غزة وتضحياتها وصمودها، في وجه العدوانية الهمجية الصهيونية، المدعومة علناً من الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب، فتلك المواقف نابعة إما عن عقد نقص ورهاب من الأميركي، وإما هي نفاق وتواطؤ معه، يتغطى باعتراضات شكلية لا تقدم في الحدث ولا تؤخر فيه.
أمس، تناسىت روسيا والصين ما فعلته لليبيا إبان "الربيع العربي"، بتدليسهما على القرار الغربي في مجلس الأمن ضدها، الذي أدى إلى تسليم ذلك البلد العربي لحلف الأطلسي (الناتو)، الذي استغل صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بالتدخل بشؤون ليبيا الداخلية، فغزاها وغيّر نظامها واغتال رئيسها معمر القذافي، مما جعل ليبيا أسيرة للتدخلات الخارجية، التي تقف حائلا منذ ذلك الوقت دون إقامة سلطة واحدة فيها، وأطلق العنان لقوى جهوية وسياسية متنافرة لتتقاسم السيطرة عليها وتهدد وحدة ترابها وشعبها، فيما أصبح قرارها بأيدي القوى الأجنبية، بعدما كانت متميزة باستقلاليتها وعدم خضوعها لهيمنة القوى الدولية.
الموقف الروسي والصيني تكرر أمس بالامتناع عن التصويت على قرار أميركي أقره مجلس الأمن الدولي بإدانة التصدي اليمني لعبور البواخر "الإسرائيلية"؛ وتلك القاصدة موانئ فلسطين المحتلة، في ضغط يمني لوقف العدوان الصهيوني- الأميركي على الشعب الفلسطيني، مما فتح الباب وأعطى رخصة للتحالف الدولي الذي شكلته أميركا، الذي لم يضيع الوقت، فشن مباشرة اعتداءات على اليمن، في دفاع علني ووقح منه عن "إسرائيل" وعن جرائمها.
الموقف المزري والمنافق الذي اتخذته روسيا والصين، تجاهل أيضاً "الفيتو" الأميركي، الذي لم يمر عليه الوقت؛ والذي منع صدور مشروع قرار روسي يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، بما يؤدي حكماً إلى وقف العدوان "الإسرائيلي" وتأمين الحاجات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطيني يتعرضون للقصف والقتل "الإسرائيلي" ليلا ونهارا، منذ حوالى مائة يوم، وكان من الطبيعي أن يربط المندوب الروسي أو الصيني، أو كلاهما، صدور القرار بتضمينه المطلب الروسي السابق بوقف الحرب على غزة، لكن رخصة العدوان صدرت وبادرت العسكرية الأميركية والبريطانية إلى شن اعتداءاتها على اليمن، خصوصاً أن القرار يؤكد على "حق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في الدفاع عن سفنها من الهجمات"، التي يكرر اليمنيون أنها لا تستهدف سوى السفن "الإسرائيلية" وتلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.
واللافت أن مندوبي الصين وروسيا على دراية بمآل موقفهما، فالسفير الصيني في مجلس الأمن، تشانغ جون، اعتبر أن "التوترات الحالية في البحر الأحمر هي نتيجة للقتال في غزة"، وأبدى أسفه "لأن القرار لا يدعو بوضوح إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة".
فيما قال زميله الروسي فاسيلي نيبينزيا: "إن القرار لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يضفي الشرعية على تصرفات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر"، لكن الرخصة صدرت وأصبح البحر الأحمر ساحة حرب، يعبث بها الأميركي وتابعه البريطاني.
أما لبنان الذي يستقبل حكامه هذه الأيام الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين، متجاهلين أن الأخير يحمل الجنسية "الإسرائيلية"؛ وسبق له أن خدم ضابطاً في جيش العدو؛ وشارك بالطبع في اعتداءات على لبنان وفي قتل العرب والفلسطينيين، من دون أن يغير من هذه الحقائق اعتماده من قبل الإدارة الأميركية، موفداً لها للتوسط بين لبنان والكيان "الإسرائيلي"، فكيف يقبل قادة لبنان "الأشاوس"، أن يكون "إسرائيلي" وسيطاً بينهم وبين "إسرائيل"، غير أنهم إما يعانون عقدة نقص تجاه الأميركي، تجعلهم يجبنون عن اتخاذ موقف وطني وشريف، أو أنهم منافقون يتواطؤون مع الأميركي و"الإسرائيلي" ضد شعبهم، خصوصاً بعد إشهار تطابق المواقف والسياسات بين العدو "الإسرائيلي" وحكام واشنطن.
وهذا الموقف اللبناني الضعيف، يتكرر دائماً؛ وآخر سقطاته اكتفاء وزارة خارجيته بإعلان "تأييدها" للدعوى التي تقدمت بها جنوب افريقيا ضد الكيان "الإسرائيلي"، وكأنها مجرد متعاطف مع ما يجري من جرائم في غزة، على الرغم من أن لبنان مستهدف ومتضرر اساسي من العدوانية "الإسرائيلية"، التي تحتل أجزاء من أرضه وتمارس عدوانيتها ضده يومياً؛ وتقتل وتجرح مواطنيه، في حين كان الأولى به تقديم طلب تدخل في الدعوى لصالح موقف جنوب إفريقيا، فهي فرصة للبنان ليعرض وجهة نظره أمام المحكمة الدولية؛ ويقدم مذكرة فيها أدلته وموقفه من جرائم الكيان الصهيوني بحق لبنان، متخطين، على الأقل، موقف الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، غير المتضرر مباشرة من العدوانية "الإسرائيلية"، الذي اكد دعم بلاده الثابت للدعوى الجنوب افريقية، حيث قال: "لن نكون أبداً من بين اللامبالين".
المسؤولون اللبنانيون، خوفاً على مصالحهم الشخصية وخشية العقوبات الأميركية، لا يتجرؤون على اتخاذ مواقف تحفظ الكرامة الوطنية وحقوق لبنان القانونية، ولا يتمسكون بالسياسة الرسمية والمعلنة طوال مراحل الصراع مع الغزاة الصهاينة، الذين يحتلون فلسطين ويطمعون بكل أرض وخيرات مجاورة تطالها أياديهم، بما يحقق لهم "إسرائيل العظمى"، التي تهيمن على المنطقة العربية وقد تتعداها إلى كل أرض أو بلد، يكون خانعاً وضعيفاً في مواجهة هذا "السرطان"، المدعوم من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة.
وبكلمة أوضح، يرتكب المسؤولون اللبنانيون جريمة "التطبيع" مع العدو "الإسرائيلي" وعيونهم مفتحة وواعية على فعلتهم، فالذي لا يجرؤ على رفض مصافحة "الإسرائيلي" وإن كان يتخفى بقناع موفد أميركي، لن يجرؤ على رفض إملاءاته ومواجهته بالتمسك بحقوق لبنان في أرضه ومياهه وثرواته، أو يرفض توطين اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من إعادتهم إلى أرضهم وبيوتهم السليبة، التي يحتلها مستوطنون قدموا من آخر بقاع الأرض. وكذلك لن يجرؤ على رفض دمج المعارضين السوريين في البيئة اللبنانية، ليكونوا أداة غب الطلب لاستعمالهم ضد دولتهم وضد لبنان، خدمة لأطماع ومشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية، وهذا الخنوع الرسمي اللبناني يشجع المبعوث الأميركي-الصهيوني عاموس هوكشتين، على طرح حلول واقتراحات تخدم العدو الصهيوني وتنفذ مخططاته، بل تنقل بوقاحة تهديداته للبنان، والأهم، هل بإمكان حكام لبنان اتخاذ موقف سلبي من النفوذ الأميركي في لبنان ومن التسهيلات العسكرية التي تتمتع بها الجيوش الأميركية والبريطانية في لبنان، بعدما انخرط هؤلاء مباشرة في الحرب "الإسرائيلية" ضد كل عربي يعادي "إسرائيل" ويؤيد الشعب الفلسطيني؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل