نصر "طوفان الأقصى"... وفيضان إعلامي في أقصى جهوزية ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 17 كانون الثاني , 2024 08:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

المشاركون في التظاهرات الشعبية في مختلف الدول الغربية رفضاً للعدوان "الإسرائيلي" وتضامناً مع غزة، ليسوا من الأجيال التي واكبت القضية الفلسطينية أو محطات الصراع العربي - "الإسرائيلي"، لأن أعمار غالبيتهم بالكاد تبلغ عمر اتفاقية أوسلو عام 1993 وما دون، ولم يسبق أن لفت اهتمامهم الجمود الراقد الراكد في الشرق الأوسط، الذي أرسته أجواء التطبيع التي سادت خلال السنوات الماضية، الى أن جاء "طوفان الأقصى" المُفاجئ للجميع، وكأنه تسونامي العصر الذي عوَّم القضية الفلسطينية، وأعادها الى شاطئ الأمان الحقيقي؛ بمتناول العقول والضمائر التي شهِدت وتشهد بأم العين أفعال مرتكبي "الهولوكوست الحديث"، وكأن الشعب الفلسطيني نفسه هو الذي ارتكب بهم تلك المجازر والحرائق في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

على أية حال، هذا هو التاريخ الإجرامي لصهاينة كل العصور والأزمنة، وما كانت مشهديات التدمير والتهجير والقتل لتصل إلى الشوارع الشعبية، الإقليمية منها والدولية، لولا الإعلام المقاوِم والصورة الموثَّقة والخبر الموثوق لمجريات العدوان الهمجي على المدنيين الآمنين في قطاع غزة والضفة الغربية، وكان لمواقع التواصل الاجتماعي الدور الكبير ضمن الجبهة الإعلامية في مساندة ما تقوم به المقاومة الفلسطينية.

وإذا كان الصهاينة يعتبرون أن السابع من أكتوبر الماضي قد ارتكب فيه الفلسطينيون ما يشبه الهولوكست على الطريقة النازية، فهذه الواقعة هي نتاج خمسة وسبعين عاماً من القهر والقتل، والتدمير والتهجير والحصار والتجويع، والاستيطان الاحتلالي لمجموعات من شياطين العنصرية، الذين لن يحلموا بعد اليوم بالأمان ما دام الشعب الفلسطيني يفتقر لمقومات العيش الكريم على أرضه.

صور انتشال أشلاء الأطفال والنساء والعجزة من تحت الركام تفاعلت معها الشوارع الشعبية الغربية، بصرف النظر إذا كانت هذه الجماهير تعرف أين يقع قطاع غزة على الخريطة وأين تقع فلسطين، إضافة الى مشهديات النزوح والمساكن المدمرة والخيم البلاستيكية، وطوابير الانتظار أمام المخابز وصنابير المياه، وداخل طوارئ المستشفيات التي لم يرحمها هذا العدو الهمجي، ولا رحمَ المرضى والجرحى فيها.

وإننا إذ نسأل الرحمة لأرواح مئة وبضعة عشر شهيدَ صحافة وإعلام، نغتبط لرؤية أي مراسل فدائي في قطاع غزة، لديه الإصرار على نقل الصورة كما هي من واقع الأرض، رغم الاستهداف المتعمَّد من جيش الاحتلال للإعلاميين وعائلاتهم بهدف إسكات، ليس فقط الإعلام العسكري المقاوم، بل حتى وسائل الإعلام المُحايدة التي ترفض "الدبلجة السياسية" التي يمليها عليها الإعلام الصهيوني.

والإعلام الغربي الخاص، سواء كان أوروبياً، ومنه البريطاني والفرنسي والألماني، أو كان أميركياً خاصاً عبر كبريات القنوات والصحف، كان وما زال واقعياً في نقل حقائق معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، في مواجهة الإجرام العنصري الصهيوني، وهذا الإعلام هو الذي حرَّك الشوارع الشعبية الغربية وأضاء على حقيقة المأساة الإنسانية، لا بل جيَّش الجماهير ضد حكوماتها المؤيدة لما يُسمى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وأدانت هذه الجماهير كل الحكومات التي تبيع أسلحة إبادة المدنيين في فلسطين، ووصلت الأمور في أميركا الى خلافات داخل قواعد الحزب الديمقراطي نفسه، مع بدء معركة الانتخابات التمهيدية الرئاسية، بين مَن يعتبر أن الرئيس بايدن ضعيف ومتردد وعاجز عن لجم نتانياهو وحكومته المتطرفة، وبين مَن يعتبر بايدن فاشلاً في رسم السياسة الخارجية وفرض هيبة "الأمة" الأميركية؛ من أوكرانيا الى فلسطين وانتهاء الآن بأزمة البحر الأحمر.

وسواء أظهر الإعلام الخارجي بطولة المقاومة الفلسطينية أو إنجازات محور المقاومة؛ من صنعاء الى بغداد إلى بيروت، فإن الداخل "الإسرائيلي" في المقابل مُلتهب بفعل الخيبات والهزائم، فلا "جيش الدفاع" استطاع سابقاً هزيمة حماس وتطويع القطاع، ولا هو يستطيع تنحية حماس عن القرار الفلسطيني، رغم حرب الإبادة التي رفعت وثائقها دولة جنوبي إفريقيا الى محكمة العدل الدولية، وسط هزالة الموقف "الإسرائيلي" أمام العالم، والخلافات السياسية التي أنتجتها عملية طوفان الأقصى، وقسَّمت حكومة نتانياهو، ومزَّقت مجلس الحرب، خصوصاً على وقع تظاهرات أهالي الأسرى والخلافات على أرقام الموازنة التي تُظهر عجزاً بلغ 7% على خلفية عدوان بدون جدوى، لا قضى على حماس ولا حرر أسيراً واحداً على قيد الحياة.

 ونبقى ضمن فيضان الإعلام على ضفاف طوفان الأقصى، ومع الإعلام "الإسرائيلي" تحديداً، ونقتطع جزئيات مما وصفت به صحيفة "هآرتس" رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، عشية 100 يوم من الحرب على قطاع غزة بـ"سيّد الإخفاق متعدّد المجالات"، والفاشل على أصعدة الأمن والدبلوماسية والاقتصاد.

وفي سياق الأهداف "الإسرائيلية" المعلنة من الحرب على غزة، شدّدت "هآرتس" على أن الجيش يُراوح في غزة، وأن استبدال المصطلحات في الإعلام لا يغيّر هذا الواقع، في حديث عن استبدال مصطلح "تقويض حماس" بمصطلح "تجريد القطاع من السلاح".

مراوحة الجيش "الإسرائيلي" في غزة، عزتها الصحيفة إلى أداء رئيس الأركان ومرؤوسيه "العالقين بين كماشتيّ مستوى سياسي قدراته فاشلة، وخط ائتمان دولي متراجع"، لافتةً إلى أنه في الخارج يتم التعامل مع “عصابة الائتلاف” بشكل مختلف عمّا هو عليه في "إسرائيل"، وأن أهداف الحرب لا يمكن تحقيقها في ظل هذه الحكومة العاجزة ورئيسها الفاشل المحتال.

وتابعت الصحيفة أنه عند الحدود مع لبنان، جرى تدمير المستوطنات بالقصف، وعشرات الآلاف من "الإسرائيليين" هم لاجئون، مشيرةً إلى أن الحكومة تبدو وكأنها تخلت عنهم.

وتطرقت الصحيفة الى انسحاب تداعيات حرب 2023 على الاقتصاد، حيث تعاني "إسرائيل" من أزمة جدّية، ووصفت “هآرتس” الأخبار الاقتصادية الأخيرة بـ“المرعِبة”، مشدّدة هنا على غياب كفاءة نتنياهو في إدارة "إسرائيل" في "ساعتها الصعبة".

وذكرت "هآرتس" أن نتنياهو سيعمل على تعزيز حكمه والاستمرار في الهروب من القانون بواسطة خلق مستنقع حربي وحفرة اقتصادية.

بدورها صحيفة "معاريف" نشرت استطلاعاً للرأي، بيّنت نتائجه أن 9% فقط من المستوطنين يقولون إنّ “إسرائيل” ستحقق إنجازاً أو ستفوز في حربها ضدّ غزّة.

كذلك كشف استطلاع رأي إسرائيلي آخر، أنّ غالبية "الإسرائيليين" فقدوا الثقة في حكومة نتنياهو، مع تزايد الانتقادات ضدّه، والخلافات بين أعضاء حكومته، إضافةً إلى اعتقاد الكثيرين منهم أن الدعاية "الإسرائيلية" ضد حماس خلال الحرب "سيئة جداً"، وأظهرت نتائج استطلاع الرأي أنّ 69% من "الإسرائيليين" يطالبون بانتخابات مبكرة.

وعلى وقع التظاهرات التي لا تتوقف داخل الكيان الصهيوني ضد نتانياهو والحكومة ومجلس الحرب، وسط انقسامات سياسية في أعلى الهرم، ينجح إعلام المقاومة في توحيد الصف الفلسطيني بين القطاع والضفة الغربية، وها هي الضفة تخوض غمار الحرب عبر الاشتباكات اليومية مع قوات العدو، رغم سقوط الشهداء والتنكيل بالأرزاق وبلوغ عدد الأسرى عتبة الستة آلاف، لكنها حربٌ جدِّية سيخوضها الفلسطينيون، وعند كل نقطة دم بريء سينبت مقاوم لحربٍ من نوع جديد ضد هذا الاحتلال، قوامها عشرات الآلاف من الفلسطينيين جاهزون
للانتقام لشهدائهم على غرار ما حصل في "رعنانا" من طعنٍ ودهس، وهذا كله نتاج ما زرعته العنصرية الصهيونية على مدى 75 عاماً، وبمباركة شيطانية من حاخامات "شعب الله المختار"...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل