مقعد الجزائر في مجلس الأمن .. هل يؤثر في القضية الفلسطينية؟

السبت 27 كانون الثاني , 2024 09:44 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

كشفت الحرب الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة هشاشة المنظومة الدولية، وتحديداً مجلس الأمن الدولي، الذي بدا عاجزاً عن القيام بالمهام المنوطة به، وأهمها حفظ السلم والأمن الدوليين، وخصوصاً في ظل الانحياز الأميركي الكامل إلى كيان الاحتلال واستخدام حق النقض عدة مرات في المجلس من أجل منع تمرير قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

فشَل مجلس الأمن في وقف الحرب على قطاع غزة أفضى إلى كثير من التساؤلات والتحديات، ولا سيما في ظل الاستفراد الأميركي بالمجلس وإرادته عبر التلويح المسيَّس باستخدام حق النقض "الفيتو" في كل القضايا المتعلقة بالعالمين العربي والإسلامي، وفي المركز منها القضية الفلسطينية.

في ظل التغول الأميركي على إرادة مجلس الأمن وفشل الأخير في وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدت هناك بادرة أمل عربية أفريقية قد تعقلن الانحياز الحاصل في مجلس الأمن الدولي، متمثلة بعودة الجزائر بعد 20 عاماً إلى المجلس بعد انتخابها في حزيران/يونيو الماضي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي لولاية مدتها عامان بدأت هذا الشهر، لتكون الولاية الرابعة للجزائر في مجلس الأمن. وستشغل خلالها أحد المقاعد الأفريقية الثلاثة في المجلس وتكون الدولة العربية الوحيدة فيه. 

الرهان على قدرة الجزائر على إحداث تغيير وتأثير في قرارات مجلس الأمن ليس كبيراً مقارنة بدور الدول الخمس الكبار دائمي العضوية في المجلس، لكنه مهم في كبح جماح التسييس الحاصل تجاه القضايا العربية والأفريقية، ويمكن للجزائر أن تقوم بعملية تنسيق بينها وبين الدول العشر غير الدائمة العضوية في المجلس لتشكيل حق النقض الخاص بهم، ذلك أن أي قرار في المجلس يحتاج إلى 9 أصوات مؤيدة لإقراره.

يضاف إلى ذلك أنَّ الجزائر حصلت على دعم 96% من مجموع الأصوات، وصوتت لمصلحتها 184 دولة من أصل 193 دولة، الأمر الذي يعني أن هناك ثقة دولية ورهانات كبيرة عليها وعلى دورها في مجلس الأمن الدولي، وأن هناك مكسباً عربياً أفريقياً إسلامياً، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، باعتبارها أبرز قضية دولية الآن في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية منذ أكثر من 110 أيام.

نجاح الجزائر في عضوياتها السابقة في مجلس الأمن الدولي، وخصوصاً الدورة الأخيرة 2004، تجاه كل من العراق وفلسطين والسودان، ونشاطها وفاعليتها في المجلس خلال تلك الفترة، وتقاربها مع دولة جنوب أفريقيا التي تقود منفردة ملاحقة كيان الاحتلال في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وتقاطع محددات الدولتين من قضايا التحرر الوطني ومحاربة الاستعمار والتفرقة العنصرية وضرورة تعزيز السلم والأمن الدوليين وإنهاء الحروب يُعد مكسباً عربياً أفريقياً للقضية الفلسطينية. 

أبرز محددات الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية على المستويين الرسمي والشعبي يتمثل بمقولة خالدة للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، وما زالت تلك المقولة حاضرة في الجزائر حتى اللحظة، وما زالت الجزائر تناصر القضية الفلسطينية. وقد نجحت في جمع شمل الفصائل الفلسطينية من أجل إنجاز مصالحة فلسطينية في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2022. وانتهى اللقاء فيما عُرف "بإعلان الجزائر".

 إن عودة الجزائر إلى مجلس الأمن الدولي، لا سيما في هذا التوقيت، سيلقي بظلاله على حالة التغول الإسرائيلي الحاصلة في فلسطين، ويتوقع أن يُفضي إلى نتائج سياسية فلسطينية مصيرية ومهمة، بأن تصبح فلسطين دولة عضواً في الأمم المتحدة بدلاً من وضعها الحالي كدولة عضو مراقب غير عضو، وهو ما أشار إليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال القمة العربية التي استضافتها الجزائر 2022، والتي أفضت إلى تشكيل اللجنة الوزارية العربية مفتوحة العضوية لدعم دولة فلسطين لمساندتها في نيل الاعتراف والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وبالتالي من المحتمل أن تستفيد الجزائر من عضوية مجلس الأمن وتواصلها مع الدول الأعضاء في تكثيف اتصالاتها وعلاقاتها الخارجية للحثّ على الاعتراف بدولة فلسطين ودعمها في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

ملامح التأثير المتوقع لمقعد الجزائر غير الدائم في مجلس الأمن الدولي في القضية الفلسطينية عموماً، ودورها في وقف الحرب الإسرائيلية الدائرة على قطاع غزة، ومخططاتها وأهدافها على وجه الخصوص، تتجلى في جملة مؤشرات ومحددات يمكن إيجازها في التالي:

- تصريح الممثل الدائم للجزائر في الأمم المتحدة السفير عمار بن جامع مطلع كانون الثاني/يناير الجاري، وتأكيده أن الدفاع عن القضية الفلسطينية ووضع حد للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وخصوصاً الأطفال والنساء، سيكون على رأس أولوياتها خلال فترة عضويتها في مجلس الأمن، وتأكيده أنّ من غير المنطقي وغير المقبول لا سياسياً ولا إنسانياً ولا أخلاقياً "أن يبقى مجلس الأمن -باعتباره الهيئة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين- مكتوف الأيدي وعاجزاً تماماً عن إيقاف هذه الجرائم البشعة في حق الشعب الفلسطيني الأبي".

- مبادرة الجزائر لعقد جلسة طارئة في مجلس الأمن لبحث قضية التهجير القسري لسكان قطاع غزة في 9 كانون الثاني/يناير الجاري. وقد أثمرت الجهود الجزائرية في مجلس الأمن الدولي برمجة جلسة طارئة حدثت في 12 كانون الثاني/يناير الجاري، بحثت خطر التهجير القسري الذي يواجه سكان غزة، في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة. 

وقد جاءت هذه المبادرة بعد 10 أيام فقط من انضمام الجزائر رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي لمنصب مقعد غير دائم لسنتين، وتعهدت فيها بجعل قضية فلسطين أولويتها داخل المجلس. 

وقد تعرض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال خطابه أمام غرفتي البرلمان الجزائري في كانون الثاني/يناير الجاري بشكل مباشر لقضية تهجير الفلسطينيين، عندما حذر من سايكس بيكو جديدة في غزة، مؤكداً أن بلاده ستظل مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، مبرزاً أن "الجزائر تدافع بشراسة عن مبادئ ثورتها وعن قيم البشرية، ولا تتخلى عن الدول الضعيفة".

- تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال ندوة صحافية مع نظيره السيراليوني جوليوس مادا بيو الذي زار الجزائر من أجل التنسيق بين البلدين باعتبارهما عضوين غير دائمين في مجلس الأمن حالياً بأن بلاده خلال فترتها الحالية في مجلس الأمن الدولي ستواصل العمل مع شركائها الأفارقة من أجل أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لرفع "الظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني"، مؤكداً أن البلدين سيواصلان العمل لدعوة المجتمع الدولي، وخصوصاً مجلس الأمن، من أجل "تحمل مسؤولياته التاريخية والقانونية والأخلاقية فيما يتعلق بالظلم التاريخي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، والذي تشهد عليه الأوضاع في قطاع غزة التي تعاني إبادة وجرائم حرب غير إنسانية أمام عالم عاجز عن ردع الاحتلال الصهيوني".

إن المهمة أمام الجزائر كبيرة والرهان عليها فلسطينياً وعربياً وأفريقياً أكبر، وعقلنة الجنون وأنسنة القرارات وتحييد الاستفراد الأميركي المنحاز إلى كيان الاحتلال في مجلس الأمن واحدة من أهم الأولويات. يتقدم كل ذلك القدرة على التأثير في مجلس الأمن من أجل نصرة القضية الفلسطينية ووقف المجازر الإسرائيلية المستمرة.

 

ثابت العمور ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل