ذكرى انتصار الثورة في إيران والتحوّلات المستمرّة

الأربعاء 14 شباط , 2024 10:34 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

لم تكن الثورة الإسلامية في إيران التي انتصرت في الحادي عشر من شباط عام 1979 كغيرها من الثورات مجردَ تحركٍ برز إلى الساحة في مرحلة تاريخية محددة، بل انها عصارة تجارب مرّ فيها المجتمع الإيراني في عقود سبقت الثورة وتعددت فيها الخيارات والاتجاهات من الاشتراكية الشرقية الى القومية الغربية، ما أدّى الى نشوء أزمة هوية نتيجة للثقافة المشوّهة التي تمّ ترويجها عن الفكر الديني، وذلك في إطار مشروع ممنهج تمّ رسمه لتفريغ الإسلام من مضمونه؛ وهذا ما يمكن له ان يساعد في تفتيت الأمّة وتجزئة قضاياها ومنع وحدتها. الا ان بروز نخبة من المفكرين في المجتمع الإيراني وفي مقدمهم الإمام روح الله الموسوي الخميني عملوا ونجحوا في ان يسترجع الشعب الإيراني هويته الأصلية بعدما برعوا في فضح الثقافة المستوردة التي أُريدَ نشرها في المجتمع، ونجحوا في إزالة الشوائب التي أرادوا إشاعتها عن الفكر الإسلامي الذي تحوّل حافزاً ودافعاً للتحرك الشعبي والثورة في إيران، فكان لاجتماع المرتكزات الثلاث الايديولوجيا الإسلامية والقيادة الحكيمة المتمثلة بالامام الخميني والحضور الشعبي الملتزم بإرشاداته الأثر الحاسم في انتصار ثورة إسلامية أحدثت زلزالاً وتحوّلات في الكثير من الميادين سواء منها على المستوى الداخلي او الخارجي، والمتميّز فيها انها متحركة ومستمرة تحاكي أحوال الزمان والمكان وتحافظ فيها على مبادئ الثورة بمرونة الحاسم وحياكة المتبصر ورباطة جأش المقتدر.
ومن أبرز هذه النماذج التي ثبتت عليها الجمهورية الإسلامية شعار لا شرقية ولا غربية وشعار وجوب نصرة الشعب الفلسطيني وتحرير القدس الشريف.
1 ـ الثورة وشعار لا شرقية ولا غربية
لعلّ الذي يتبحّر في ماهية شعار «لا شرقية ولا غربية» وما نتج عنه بعد ما يزيد على اربعة عقود يكتشف البعد الاستراتيجي لفكر الإمام الخميني الراحل فهو صحيح أراد من إطلاق هذا الشعار التأكيد على ثابتة مفادها أن الجمهورية الإسلامية لديها خطاب مستقلّ تماماً في مجال السياسة الخارجية، وتقديم نموذج متميز للحكم دون ايّ وصاية وهيمنة من اي جهة في العالم، الا انه أراد أيضاً تقديم رسالة الى القوى الحية في الداخل الإيراني وأحرار العالم على انّ هذا الشعار يستوجب ايضاً الاعتماد على النفس في عملية النهوض الشاملة في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية والعسكرية وبناء القدرات في عالم لا يحترم إلا الأقوياء…
شعار لا شرقية ولا غربية جعل إيران بلداً نموذجياً في الاعتماد على الذات وتطوير الخبرات والقدرات الوطنية وبعد عقود من انتصار الثورة أصبحت بلدا منافسا في مجالات كثيرة لا سيما في الأبحاث العلمية وإنتاج الطاقة والقدرات العسكرية.
2 ـ الثورة الإسلامية وفلسطين
على اثر نكسة العام 1967 أعلن الإمام الخميني بشكل صريح انّ الولايات المتحدة الأميركية كالدول الغربية في العداء للأمة نتيجة لدعمهم المطلق لكيان الاحتلال الصهيوني؛ واعتبر أثناء الحرب أنّ العدو ليس «إسرائيل» وحدها، بل كلّ من يدعم الكيان الغاصب، كما وجَّه الإمام الخميني رسالة من النجف الأشرف دعماً للمقاومين في فلسطين، مؤكداً أن الشاه و»إسرائيل» صنف واحد، وأنّ معاداة أحدهما تعني بالضرورة العداء للآخر.
حينما انتصرت الثورة الإسلامية أعلنت طهران جملة من الخطوات الاستراتيجية أهمّها قطع العلاقات مع «إسرائيل» والولايات المتحدة، ومنح الفلسطينيين مقرّ السفارة «الإسرائيلية» السابق من أجل افتتاح سفارة لهم، ثم أعلن الإمام الخميني آخر جمعة من شهر رمضان كلّ عام يوماً «للقدس»، الذي أصبح معلماً أساسياً يتجدّد خلاله الالتزام بإبقاء قضية القدس حية، وان لا سبيل لها إلا التحرير وفكّ أسرها من براثن الاحتلال.
لا شك انّ التحوّلات التي نتجت عن قيام الثورة الإسلامية في إيران بدأت بردم الهوة التي أوْجدتها معاهدة كامب ديفيد ومن ثم مؤازرة مقاومي لبنان اثر الاجتياح الصهيوني ومدّ عناصر المقاومة الفلسطينة بكلّ أسباب القوة والاقتدار، فكان ذلك عاملاً حاسماً في إرساء معادلات جديدة في المنطقة عصية على الكسر. وفي سياق متصل فإنّ نجاح قيادة الثورة في صياغة محور تتظلّل فيه قوى المقاومة وجه ضربة قاصمة الى كلّ مشاريع التطبيع التي كان ولا يزال يُراد لها شطب فلسطين شعباً وقضية فجاء الطوفان من حيث لم يحتسبوا، وهو المؤازَر من محور الثورة التي رفع إمامها الراحل شعار تحرير فلسطين قبل انتصار ثورته. وما زال الشعار من ثوابت الثورة في القول والفعل وسيستمرّ مترافقاً بالاستعداد والتشبيك وبناء القدرات حتى إزالة هذا الكيان عن أرض فلسطين من البحر الى النهر وهو أمر ليس بعيداً…

 

 خضر رسلان ـ البناء

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل