الاجترار "الإسرائيلي" لقيَم تعاكس تكوينه ــ يونس عودة

الأربعاء 28 شباط , 2024 12:56 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
قبل ان تضع الحرب اوزارها بين الكيان الصهيوني واهل فلسطين الذين رفضوا المساومة على الحق, ومعهم كل مناصري الحق, في وجه الطغاة الغربيين، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية, هناك حقائق لا بد من الاضاءة عليها, خصوصا وان البعض ولا سيما المرتعبين  من السطوة الامبريالية والصهيونية  لا يقاربون الامور على حقيقتها, ويعمدون الى تزوير التاريخ , وتشويه الكرامة, خضوعاً لهيكلية مدمرة تقف وراءها الحركة الصهيونية.
صحيح ان "اسرائيل" تملك اقوى واقذر ترسانة حربية في المنطقة, وتتنامى تحديثا، وبلا اي رقابة، كما تخضع غالبية دول العالم, كما صحيح ان ساسة الكيان، على اختلافهم, متخمون بالكراهية لاي نوع من السلام, ويدركون ان سلاما عادلا وحقيقيا يعني ببساطة نهاية للكيان الذي قام على القتل والاغتصاب, او بالاحرى نهاية الوظيفة التي انشأ من اجلها, وهو غير قادر على التكييف مع وظيفة جديدة.
صحيح ايضا ان الجيش "الاسرائيلي" هو الاكثر اجراما في العالم، سواء كاجرام منظم تتيحه ارهابية النظام, او كاجرام عصابات, اي عشوائي, كما تربى المستوطنون الذين هم تكوين الجيش وكل الاجهزة الامنية، وايضا صحيح أنه كانت لهؤلاء مجتمعين, اقوى ماكينة اعلامية على وجه الارض، في انتاج الاكاذيب, وتسويقها, وتبرير الجرائم بمعاونة مطلقة من النظُم الغربية، والتي يجري تصنيعها في غرف الاستخبارات المظلمة.
وصحيح ايضا ان "اسرائيل" هي الكيان الاكثر رعاية, وتمويلا من الغرب، ولا سيما من الولايات المتحدة؛ المنتج الاكبر للاسلحة القذرة, ولسموم مدمرة للمجتمعات اخلاقيا, وانسانيا, خصوصاً المجتمعات التي ارتبطت بثقافة قهرية مطعمة بتوابل الحرية المزيفة عن الجريمة؛ كأحد عناصر مكونات النظام في "اسرائيل", ليس فقط المجازر وحرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني كشواهد لا يمكن ان تحجب حقيقتها، كمن يحاول ان يحجب نور الشمس بغربال, وانما ايضا بما يتعلق بأسراهم الموجودين بين ايدي ثوار فلسطين, ولذلك كل الحديث عن المفاوضات بشأن التبادل يشعر اهالي الاسرى بانها غير جدية من جانب حكوماتهم, ورئيسها وهو الذي اظهر ديكتاتورية غير مسبوقة, نافس بها اعتى ديكتاتوريات التاريخ القديم والحديث, بحيث انها اطاح مرارا بما كاد يتوصل اليه المفاوضون الذين يرسلهم, وسرعان ما يستدعيهم ليُجهضوا جميعا بالتكافل والتضامن, كل ما توصلوا اليه, وتقديم ما سمي "بروتوكول هنيبعل"، اي ان "الجندي القتيل افضل من الجندي الاسير", بالرغم من محاولات عديدة بذلتها الرقابة العسكرية لإخفاء هذا الأمر العسكري وهذا البروتوكول والتستر عليهما، إلا أن جدلاً دار بشأنه وعن مدى أخلاقيته، إذ اعتبره كثيرون "أمراً غير قانوني  قطعيا",, ولكن تلك هي اسرائيل ,,علما ان ما سمي بروتوكول هنبيعل لا يتطابق مع تلك الحالة, وانما يقتضي تطبيق  البروتوكول في حالة إحباط عملية الاسر لحظة وقوعها، بحيث  يمكن  إطلاق نيران على منفذي عملية الاسر ولو ادى ذلك الى الاطاحة بالجنود الأسرى أيضاً.
يرى بعض الذين يحاولون التجرؤ على رفع الصوت,  أن هذا البروتوكول ينطوي على جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية، تعطي الأولوية للسلطة على الفرد، وأنه إذا كان الفرد المستعد لأن يعرّض حياته للخطر دفاعاً عن الدولة يفعل ذلك وهو يعلم أن الدولة ستفعل كل ما في وسعها لإعادته حيّاً، وأنها لن توجّه سلاحها نحوه، فإن الظروف الآن لا يمكن معها تبنّي مثل هذا التفكير بعيداً عن الواقع شديد الدموية والقسوة، ليس بحقّ الفلسطينيّ فقط.وانما من السلالة نفسها, ما يفسر الوحشية غير المسبوقة.
على الرغم من  تعمد تبسيط المسألة, لكنها في الجوهر تبدو اظهارا للقتل المشبع بالروح الاجرامية كتكوين بنيوي فاشي, الى جانب التكوين الدعائي القائم على الاكاذيب التي لا تستهدف الاعداء فقط, وانما المستوطنين انفسهم, وقد تجند لذلك "جيش من الاعلاميين " يرددون ما يزودون به كالببغاوات, واحيانا الشيء ونقيضه, وفي هذا السياق رصد الكاتب الإسرائيلي، روغل ألفر, ما وصفه ب "دراما التضليل" بشأن كيفية تقديم القائد الفلسطيني يحي السنوار الى الجمهور, اذ أن : "جنرالات" الإعلام الإسرائيلي الذين كانوا قد أخبرونا أن السنوار  "متزوج القضية" على غرار ياسر عرفات، ثم عادوا ليخبرونا أن لديه تسعة أطفال مشيرا الى تجند الإعلام الإسرائيلي ودوره في دراما التضليل التي أخرج فيها الشريط الذي قيل انه للسنوار وولديه في احد الانفاق بقوله: "كان واضحا أن هناك يدا خفية غير أنظمة العمل وأنماط التفكير المتشابهة في أوساط الصحافيين الذين يغطون الحرب في القنوات التلفزيونية، من محررين ومقدمين ومعلقين ومراسلين، خلقت شعورا بأن هناك حملة مخططة ومنظمة لها هدف واضح". الحشد والتعبئة التي تميز الشارع الإسرائيلي، الذي صار بغالبيته يرى في اهل غزة وحتى جميع العرب والفلسطينيين أهدافا مشروعة للحرب الانتقامية الغبية التي بات يقودها، فعلا، أقصى اليمين الإسرائيلي بعد أن أصبحت آراء غالبية الإسرائيليين تتطابق مع آرائه العنصرية والعدوانية، وهو ما أدى إلى تعتيم جميع بقع الضوء التي كانت تميز النظام الإسرائيلي، مثل الأكاديميا والقضاء والمحاكم ومؤسسات المجتمع المدني، وعزز من موقع نتنياهو وموقفه المتعلق ب "النصر المطلق".
يقول روغل ألفر متهكما على "جنرال الاعلام": لا يكفي أن الناطق بلسان الجيش الذي وعد الإسرائيليين بتقديم رأس "السنوار" وغيره ممن اعتبرهم مسؤولين عن أحداث السابع من أكتوبر على طبق، فهو يقوم بعد أربعة أشهر من الحرب بعرض شريط، يظهر فيه السنوار في ثالث أيام الحرب وهو "يتمشى" مع زوجته وأولاده في أحد أنفاق خانيونس الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزة، وكأن جيشه لم يقم خلال الأشهر الأربعة الماضية بـ"قلب" شمال غزة "رأسا على عقب" و"لم يبقي فيها حجرا على حجر" بحثا عنه وعن رفاقه، كما "نسي" تدمير المستشفيات وحصار مجمع الشفاء الطبي, واقتحامه بادعاء أنه يشكل مقرا تحت أرضي لقيادة حماس وعلى رأسها السنوار.
كل اجهزة الاستخبارات حول العالم بما فيها اجهزة استخبارات العدو الصهيوني, ومن خلال التقارير التي نشرت بعيد "طوفان الاقصى" الذي اذهله, وشكل صدمة مرعبة لها, اجمعت تقديرتها ,وهي تقول انها استندت الى معلومات ان المقاومة في غزة لن تصمد شهرا او شهرين على الاكثر, وها هي تختتم الشهر الخامس, بحيوية وشكيمة غير مسبوقة, حتى ان الاجهزة نفسها باتت تردد ما يقوله المحللون للاحداث سيما ان القتال في شمال غزة متواصل, وعادت الى اجترار الاسباب التي حدت بالمقاومة الفلسطينية لاطلاق المارد المحاصر, وفي السياق تعتبر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أنه تبلورت لديها "صورة واضحة جدا" حول الأسباب التي دفعت حركة حماس ورئيسها في قطاع غزة، يحيى السنوار، إلى شن هجوم "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وذلك بحسب معلومات استخباراتية تم ضبطها أو تحليلها خلال الحرب على غزة، واشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" لى وجود خلافات أحيانا بين شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") وبين جهاز الأمن العام (الشاباك)، لكن توجههما متشابه جدا في فهم الدوافع، بسبب توفر معلومات يصفونها بأنها "أدلة صلبة"،
وحسب هذه المعلومات التي تقول أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إنها ضبطتها، فإن السنوار توصل إلى قناعة بأنه "انتهت كافة السبل". وخلال مداولات في الأشهر التي سبقت الحرب، كانت حماس تعتبر أنه "يجب التركيز على إشعال" الضفة الغربية. لكن كلما مرّ الوقت تبين أن عمليات مسلحة، وكذلك محاولة أسر جندي، لن تكون كافية.فقد توصل السنوار والمقربون منه إلى الاستنتاج أن الوضع بات خطيرا على القضية الفلسطينية. ورأوا أن الوضع القائم في المسجد الأقصى في خطر بسبب اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، وأن وضع الأسرى يتدهور، وسيتدهور أكثر بدون احتمال لتحريرهم سوى "بعملية اختطاف عملاقة". كما أن الاعتقاد لدى حماس كان أن اتفاق تطبيع علاقات بين إسرائيل والسعودية أصبح قريبا، وأن القضية الفلسطينية ستبقى في الخلف، وربما لفترة طويلة.
يجهد الكيان الصهيوني بكل مكوناته لتغييب المسألة الاساس, وهي الاحتلال لارض فلسطين, التي لابديل عنها للشعب الفلسطيني, مهما توزعت الخيارات, وضمنها العربية, التي تحاكي الاجرام والفشل و الضياع والدعاية "الاسرائيليين".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل