الخسائر الاقتصادية للعدوان .. الضفة الغربية أولاً

الجمعة 15 آذار , 2024 09:28 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

تظهر التقديرات الرسمية الصادرة مؤخراً عن مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، والمتعلقة بالخسائر الاقتصادية الإنتاجية التي لحقت بقطاع غزة والضفة الغربية من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن التأثيرات الاقتصادية للعدوان تشمل على حد سواء قطاع غزة والضفة الغربية، وأن الحديث الغربي عن إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية ليس سوى ذر للرماد في العيون، إذ ما فائدة الاعتراف بدولة تبقى مواردها وثرواتها مهددة دوماً بالتدمير والتخريب، واقتصادها مرهون أو محكوم من كيان محتل؟

وعليه، فإن الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الفلسطيني لا تؤشر إلى وحشية الحرب الإسرائيلية التي تشن على قطاع غزة والضفة الغربية فقط، وإنما إلى المسؤولية المترتبة على كاهل المجتمع الدولي في ثلاثة ملفات رئيسية هي: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ومواجهة مشاريعه التوسعية، إعادة إعمار الاقتصاد الفلسطيني بقطاعاته ومكوناته، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وسيادتها على جميع الثروات والموارد الوطنية.

19 مليون دولار يومياً

تقدر السلطة الفلسطينية قيمة خسائر القطاعات الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة من جراء العدوان الإسرائيلي الحالي بأكثر من 2.295 مليار دولار، وذلك خلال الأشهر الأربعة الأولى من بدء العدوان، وبمتوسط خسارة يومية تصل إلى نحو 19.133 مليون دولار. وهو رقم لا يشمل الخسائر في الممتلكات والأصول الثابتة.

واللافت في الإحصائيات المنشورة أن الخسائر المسجلة في قطاع غزة لا تشكل سوى ما نسبته 35% فقط من إجمالي الخسائر المشار إليها سابقاً، مقابل نحو 64.7% هي نسبة الخسائر التي لحقت بالقطاعات الاقتصادية الإنتاجية في الضفة الغربية.

وهذا ما يشير بوضوح إلى أن العدوان الإسرائيلي لا يستهدف فقط قطاع غزة الذي قدّم التضحية الأثمن المتمثلة في نحو 32 ألف شهيد، وإنما أيضاً مناطق الضفة الغربية التي هي بنظر قادته ليست أقل خطراً على كيانه.

في تفاصيل الخسائر المعلنة، تكشف الإحصائيات أن إجمالي قيمة الخسائر الاقتصادية المقدرة في قطاع غزة تبلغ نحو 809.7 مليون دولار، والجزء الأكبر من تلك الخسائر تمركز في قطاع الخدمات والفروع الأخرى، حيث شكلت خسائر هذا القطاع ما نسبته 72%، ثم جاءت الخسائر في قطاع الصناعة بنسبة تقدر بنحو 26.5%، وأخيراً قطاع الإنشاءات وكانت نسبة مساهمته في الخسائر نحو 1.3%. علماً أن عدد منشآت القطاع الخاص في القطاع يقدر بنحو 56 ألف منشأة، معظمها توقف عن العمل والإنتاج، كما أن غالبية العمالة في غزة والبالغ عددها نحو 153 ألف عامل تعطلت باستثناء العاملين في قطاع الصحة والإغاثة الإنسانية.

وبحسب مؤسسات السلطة، فإن "هذا الأثر لم يقتصر على قطاع غزة، وإنما انعكس على الضفة الغربية أيضاً، وإن كان بشكل أقل، إذ أدى عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تبعه من تداعيات في الضفة الغربية تمثلت في تشديد الخناق على محافظات الضفة، وتقطيع التواصل بينها، وعرقلة وصول البضائع من الخارج، ومنع وصول الفلسطينيين من مناطق الـ48 إلى مدن الضفة، ومنع وصول العمال للعمل في الداخل المحتل، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في اقتطاع أجزاء من العائدات الضريبية (المقاصة) على مدار العام تجاوزت 2 مليار شيكل؛ وكان آخرها اقتطاع الجزء المتعلق برواتب موظفي قطاع غزة - كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى شل الحركة الاقتصادية في فلسطين". تشير التقديرات إلى أن نحو 29% من منشآت الضفة الغربية، والبالغ عددها 120 ألف منشأة، تأثر إنتاجها بالتراجع، أو توقف عن الإنتاج، أي أن نحو 35 ألف منشأة في الضفة تضررت، والعدد آخذ في الازدياد يومياً مع استمرار العدوان.

وتوضح البيانات الإحصائية كذلك تركيبة الخسائر في الضفة الغربية، والبالغة قيمتها نحو1.486 مليار دولار، وتذكر أن معظمها تركز في قطاع الخدمات والفروع الأخرى بنسبة 60.8%، ثم قطاع الصناعة ثانياً بنسبة 37.4%، فقطاع الإنشاءات ثالثاً بنسبة 1.6%.

أبعد من إعادة إعمار

رغم أن هذه الخسائر قد تبدو قليلة مقارنة بقيمة الخسائر المسجلة في دول أخرى، بيد أنها كارثية بالنسبة إلى المجتمع الفلسطيني، الذي يعاني أساساً من قيود وحصار إسرائيليين يمنعانه من تحسين مؤشراته الاقتصادية واستثمار موارده وثرواته، ولا سيما أن المجتمع الدولي وقف على مدار عقود عدة يتفرج على النكبة الفلسطينية، ويدعم من خلال بعض الدول مآلاتها السلبية الخطيرة على الواقع الفلسطيني.

لذلك، فإن التعاطي الدولي مع هذه الخسائر وفق الآلية نفسها المتبعة منذ ثمانية عقود، والقائمة على البعد الإغاثي المقيّد أساساً بالعديد من المؤثرات والمتغيرات من قبيل الإجراءات الإسرائيلية المعرقلة وعدم وفاء الدول بالتزاماتها المالية لتمويل العمليات الإنسانية، يعني أن "إسرائيل" نجحت في تدمير مقومات الحياة الفلسطينية واستمراريتها في قطاع غزة بالدرجة الأولى وفي الضفة الغربية بالدرجة الثانية، وتعميق أكثر لحدة الصراع العربي-الإسرائيلي وما يشكله ذلك من تهديد للأمن والاستقرار الدوليين. وعليه، فإن أي مقاربة دولية جادة لهذه الخسائر يفترض أن تتضمن ما يلي:

- عدم اقتصار عملية إعادة إعمار قطاع غزة المدمر بكامله على ما يروج حالياً من إعادة بناء وتشييد للوحدات السكنية وبعض البنى التحتية والمرافق الخدمية، وإنما العمل على إقرار مجموعة من حزم المساعدات الضرورية لاستعادة الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بعضاً من نشاطه وعافيته، وليكون قادراً على تجاوز خسائره وتعويضها.

وهو ما يتطلب توافقاً دولياً للقيام بهذه المهمة التي تتعارض مع المصالح الإسرائيلية الساعية إلى نشر المزيد من المستوطنات ومزيد من إضعاف وبعثرة الاقتصاد الفلسطيني، بيد أن هذا التوافق لا يتوفر حتى الآن.

- ضمان ألا تعاود "تل أبيب" تدمير مؤسسات الاقتصاد الوطني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا يتطلب العمل دولياً على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي -الإسرائيلي، وفي مقدمتها إنهاء احتلال "إسرائيل" للأراضي العربية وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، إذ بغير زوال الاحتلال لا يمكن تعويض ما خسره الاقتصاد الفلسطيني وإعادة بناء مؤسساته وتنشيطها لتكون قادرة على النهوض بمتطلبات الشعب الفلسطيني في الداخل.

-جزء أساس من عملية إعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني والحيلولة دون تعرضه لانتكاسات خطيرة في المستقبل مرتبط بالسماح للفلسطينيين باستثمار مواردهم وثرواتهم الوطنية والتحكم بمعابرهم البرية والبحرية والجوية، بعيداً من أي تدخلات أو قيود، أي أن العمل الغربي والاعتراف بدولة فلسطينية سيبقى منقوصاً وغير جدي ما لم يتم ضمان أن تكون هذه الدولة كاملة السيادة وتملك حرية قرارها السياسي والاقتصادي وحماية مصالحها ومنشآتها وبناها الاقتصادية والخدمية.

لكن هل المجتمع الدولي الذي عجز عن وقف العدوان ومجازره اليومية، وإدخال بضع شاحنات من المساعدات الإغاثية إلى الجياع في شمال القطاع، سيكون قادراً على الدخول في مواجهة صعبة مع الكيان الصهيوني الرافض لأي سيناريو يكون فيه الفلسطيني قريباً من نيل حقوقه الكاملة؟

 

زياد غصن ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل