تركيا و"إسرائيل".. والمناطق العازلة في بلاد العرب _ د. نسيب حطيط

الأحد 17 آذار , 2024 01:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تبدو الامة العربية في اغلبيتها (أنظمة وشعوباً)، امة مستباحة؛ يغزوها من يشاء ويتحكم بها من يشاء؛ من اميركا الى "اسرائيل" الى تركيا الى كل قوة ترى في نفسها القدرة على التدخل في شؤونها ونهب ثرواتها.
تتعرّض الامة العربية لغزو جديد واحتلال جديد، تحت مسمى "المناطق العازلة" داخل اراضيها من الدول المجاورة لها، لحفظ امنها، لكن من خارج حدودها ضمن استراتيجية سافرة غير منطقية، حيث بدل أن تحمي اراضيها فإنها تغتصب سيادة الآخرين خارج حدودها، مع سيطرة امنية واقتصادية مقنّعة.
شهدت اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بناء "الجدار العازل" الذي قسّم ألمانيا الى دولتين؛ شرقية وغربية، وكان هذا هو خط الفصل بين الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي (السابق)، والكتلة الغربية بزعامة اميركا.
ابتدع العدو "الاسرائيلي" الجدار العازل داخل فلسطين المحتلة، للفصل بين العرب الفلسطينيين والمستوطنين، ولحماية امنه ومستوطنيه؛ ضمن استراتيجية تقطيع الاوصال.. وبعد حرب تشرين عام 1973 ظهرت المناطق العازلة على الجبهتين المصرية والسورية، وكانت تحت اشراف القوات الدولية في سوريا، ثم تحت سيطرة الجماعات التكفيرية والمعارضة والمناطق العازلة في سيناء ضمن اتفاقيه "كمب ديفيد ".
وفي اجتياح عام 1978 للبنان استطاع العدو "الاسرائيلي" انشاء الحزام الامني المعروف "بالشريط الحدودي" كمنطقة عازلة بين المقاومة والعدو "الاسرائيلي"، والذي عزّزه باجتياح عام 1982، واستطاعت المقاومة تحرير الارض والغاء منظومة المنطقة العازلة والحزام الامني، وبعد حرب تموز 2006 استطاع العدو وحلفاؤه الذين يسيطرون على مجلس الامن ادراج المنطقة المنزوعة من السلاح والمسلحين جنوبي نهر الليطاني حتى الحدود اللبنانية الفلسطينية.  
يوسّع العدو "الاسرائيلي" مناطقه العازلة بمصطلحات ومبررات عنوانها الرئيس: حفظ الامن "لإسرائيل"، على حساب الامن والسيادة للدول المجاورة، خصوصاً في لبنان، حيث يطالب "الاسرائيليون" ويؤيدهم الاميركيون والغربيون وبعض العرب واللبنانيين بإقامة منطقة عازلة بين الليطاني والحدود الفلسطينية، او بعمق 10 يعطيك كيلو مترات داخل الاراضي اللبنانية ويحاول العدو "الاسرائيلي" الان في حال فشله في مشروع تهجير اهل غزة ان يقيم ايضا منطقه عازله ضمن شريط حدودي يقضم من المساحةالصغيرة لغزة.
بالتلازم مع المناطق العازلة التي تطالب بها اسرائيل بادرت "تركيا" من الجهة الاخرى الى اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية، بالقوة عبر التدخل المباشر ورعاية الحركات التكفيرية او الانفصالية وتفاوض الان ايضا العراق لإقامة منطقة عازلة داخل الاراضي العراقية بعمق 40 كلم على طول الحدود التركية - العراقية مقابله زيادة حصص العراق المائية، والتي استولت عليها تركيا بسبب سيطرتها على منابع الماء لنهري دجلة والفرات والتحكم بالماء داخل سوريا والعراق!
يُضاف الى هذه المناطق العازلة الجغرافية والأمنية، والتي كانت نتاج انشاء المناطق العازلة بين الأنظمة وشعوبها والمناطق العازلة بين الثروات الوطنية والمواطنين واحتكارها من مجموعة من الحكام ،الملوك والرؤساء والامراء.
المناطق العازلة بين المواطنين والانتماء الوطني والعقائدي والمناطق العازلة بين المواطن وحقوقه في العيش الكريم والشراكة في السياسة وتقرير المصير واختيار ممثليه من نواب ووزراء او احزاب.
عندما تم تأسيس هذه المناطق العازلة وتوسعتها ،تم تدمير الاسس والركاز الوطنية والثقافية والسياسية لبناء الوحدة الوطنية او القوميةاو الدينية، لمواجهة اي غزو او احتلال حتى وصلنا، لمرحلة ان يفرح الشعب بسقوط نظامه من قبل الاحتلال او الغزو او تفرح الامةوتساهم ،بهزيمة حركات المقاومة امام التوحش والقتل الإسرائيلي! 
اذا اردنا ،منع قيام المناطق العازلة في جغرافيتنا وفي اوطاننا، لابد من الغاء المناطق العازلة بين اولي الامر وشعوبهم، بين الاحزاب ومؤيديها، بين علماء الدين والمؤمنين، بين المثقفين والاميين والغاء المناطق العازلة بين الطوائف والمذاهب.
المناطق العازلة ستتوسّع، طالما ان هذه الامة، مشتّتة ضائعة، وكل نظام او شعب او جماعة تطرح ان وطنها وبلدها "اولاً" وليفنى كل الباقين.
فإما ان نكون كلنا "أولا" او سنتساقط الواحد قبل الآخر.. "ولن نكون".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل