كيف ساعدنا أميركا على أنفسنا في حربها الناعمة؟ _ د. نسيب حطيط

السبت 30 آذار , 2024 12:31 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 
من الامور المؤسفة والخاطئة التي لا زالت قائمة منذ العام 1990، ان بعض القوى السياسية التي تحكم البلاد على مستوى الحكومة ومجلس النواب والنقابات والإدارة العامة والمصارف، ساهمت في الحرب الأمريكية الناعمة على لبنان وعلى المقاومة، بعضها بقصد، وبعضها بقله الكفاءة، وبعضها لتأمين مصالحه الشخصية والحزبية والطائفية، فاشتركوا في الحرب الأمريكية الناعمة لإسقاط لبنان من الداخل دون إنزال اي جندي اميركي او حتى دفع دولار واحد.
نجح الامريكيون بتهديم المؤسسات والسلطة والقطاع العام والتعليم الرسمي والامن الاجتماعي والمعيشي، وعدم جمع النفايات، لكن بأيدي المسؤولين والنواب والوزراء اللبنانيين، فلم توقّع اميركا على اي قرار ضريبي، ولا على سرقة الودائع، ولا على تهديم التعليم الرسمي، لكن من وقّع على كل ذلك هم المسؤولون اللبنانيون.
في معادلة غريبة واستثنائية، ساعدت بعض الناس احزابها في سلبها حقوقها ومحاصرتها بانتخابها واعادة انتخابها على مدى 30 عاما، بحجة الدفاع عن الطائفة والتمثيل الحزبي، دون محاسبة للمقصرين والفاسدين،  ثم ساعدت الاحزاب اميركا على نفسها وعلى انصارها بان تولّت او شاركت امور السلطة والإدارة في لبنان، وكانت المسؤولة عن عدم حماية الودائع والمعاشات التقاعدية، وتحمّلت مسؤولية القتل البطيء غير الرحيم للناس وفق الطلقات التالية:
- فرض الضرائب 40 ضعفاً، وتآكل الرواتب والتقديمات الصحية والاجتماعية. 
- تهديم التعليم الرسمي والجامعي لصالح التعليم الخاص للطوائف، فقسّمت التعليم من الروضة حتى الدكتوراه على الطوائف ثم على الاحزاب داخل الطوائف، وأنهكت التعليم الرسمي ومستوياته الأكاديمية واخضعته للتجارة والكسب المالي.
- هجرة الشباب للتفتيش عن فتات الرواتب رغم الغربة  حتى هاجرت النساء؛ في ظاهرة استثنائية لم تحدث في الحرب الأهلية، ولا اثناء الاجتياحات "الإسرائيلية" ان تخرج النساء بدل الرجال للعمل في الخارج ويبقى الازواج قرب الاولاد؛ بسبب الحصار على الرجال في العالم العربي.
-لم تستطع صيانة الامن الاجتماعي ومنع انتشار الادمان والمخدرات والبطالة والخوّات والفلتان الاخلاقي الذي يعاني منه المجتمع اللبناني أكثر مما عانى منه في الحرب الأهلية اللبنانية.
- تناقض الموقف حول النازحين السوريين.. فبعضها اعتصم تأييداً ودعماً للنازحين نكاية بالنظام في سوريا والمقاومة، وبعضها لا يستطيع التصدي لعملية النزوح المنظّم لقلب المعادلة الديموغرافية في لبنان، لاعتبارات طائفية وسياسية، فغرق لبنان بملايين النازحين الذين استنزفوا بناه التحتية وغيّروا المشهد الاقتصادي وعلينا الاعتراف انه اذا خرج السوريون من لبنان بشكل اجمالي مع هجرة الشباب اللبناني الى الخارج وتكبّر الشباب اللبنانية عن بعض الاعمال، فإن الاقتصاد اللبناني سيتوقف، خصوصاً في الصناعة والزراعة وبعض الاشغال الاخرى، حتى صار النازح السوري جزءاً من الدورة الاقتصادية، والأخطر ان يصبح جزءا من المعادلات الديموغرافية والأمنية والاجتماعية.
نجحت امريكا دون ان تخسر جندياً واحداً او دولارا واحدا، بحفر خندق كبير خلف اللبنانيين لإسقاطهم ودفعهم اليه عندما تبدأ الحرب العسكرية التي قد تكون عاجلة ام آجله، لكنها واقعة حتما عندما تتوفر الظروف والامكانيات "الإسرائيلية".
الحرب الناعمة التي ساعدنا اميركا فيها على أنفسنا تحكمها المعادلة الغريبة: "هذا قبر الشعب اللبناني رضي الله عنه، الذي قتلته الاحزاب والسلطة رضي الله عنها".
اللبنانيون ينتظرون من المقاومة تصويب المسار ومنع الحرب الناعمة التي تشنها الحكومة ومجلس النواب على الناس، وأن تقف الى جانب الشعب المظلوم لحمايته.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل