"وثيقة بكركي".. بين ملائكة الرحمة وشياطين كل الأزمنة ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 02 نيسان , 2024 11:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بصرف النظر عن المُسوَّدتين الأولى والثانية لاستيلاد وثيقة بكركي، والجلسات التي عُقدت قبلهما وبينهما وما بعدهما، ما زالت الاجتماعات قائمة لمناقشة الصيغة النهائية لهذه الوثيقة، بغية تأمين إخراجٍ لها، كي تكون شبه مقبولة مسيحياً وغير مرفوضة بالمطلق وطنياً، لأنها ستؤخذ على القطعة، ليس لأن الشريك المسلم لديه تحفظات على بعض بنودها، بل لأن الطرف المسيحي المتمثل بتيار المردة، على سبيل المثال، لا يعجبه فيها لا السيناريو ولا الإخراج.

بمعنى آخر، هذه الوثيقة هي واحدة من عشرات المبادرات في تاريخ بكركي، خصوصاً منذ ولاية المغفور له البطريرك صفير، ووصولاً إلى ولاية البطريرك الحالي بشارة الراعي، لكن لا أحد من السياسيين في لبنان، مسيحيين كانوا أم مسلمين، حمل على محمل الجد مبادرة واحدة من بكركي، حتى أن الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية التي كانت تقترحها القيادات الإسلامية منذ ما قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان، إرضاءً لمعنويات الصرح، كانت بكركي تُبدي رأيها بها ولا يؤخذ به، وقد يكون خطأ بطريرك بكركي، سواء كان المرحوم صفير، أو البطريرك الحالي الراعي، أنهما أنزلا مقام بكركي إلى سوق السجالات السياسية، وباتت عظة الأحد كلاماً ممجوجاً لا طائل منه سوى أنه يُحبط المسيحيين أكثر مما هم محبطون في لبنان والمهجر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ما زال باب الصرح مُشرَّعاً لكل "مارق طريق" من أهل السياسة، وله الحرية بأن يخطب من على منبر الصرح حتى لو كان من "نافثي السموم"، وهذا ما لا يتناسب ومقام بكركي الديني والوطني.

وليست وثيقة بكركي بحد ذاتها هي المشكلة، بل ما أحاط بالمسودة الأولى من انفعالات "قواتية" وكتائبية بحق سلاح المقاومة، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة، على طريقة السيد سمير جعجع في الارتجال: طبعاً طبعاً طبعاً، مع ثلاثة "أكيد" وثلاثة "حتماً"، وناضور النائب سامي الجميل بالنظر الى الأمور من بُعد، وأتت المسودة الثانية بلمسات التيار الوطني الحر، عبر شطب عبارات بهوًرًة التنفيذ الفوري و"وقف شاحنات معراب وبكفيا عن تحميل سلاح المقاومة" وبالتالي وقف "المهزلة الولَّادية"، وطرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية من ضمن الأمور الوطنية الكبرى، التي تستوجب حواراً وطنياً يضمن حماية لبنان وسيادته، سيما أن المقاومة تخوض حالياً حرب الردع وتوازن قوة المواجهة مع العدو "الإسرائيلي"، بصرف النظر عن رأي بعض واضعي وثيقة بكركي بدور هذه المقاومة في ما يحصل على خلفية العدوان على غزة.

ولو سلمنا، جدلاً، باتهام البعض للمقاومة بأنها تستجلب العدوان على لبنان تحت عنوان "إسناد غزة"، وأنه كان من الأفضل خوض الحرب تحت عنوان "تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا" إذا كان لا بدَّ من التورُّط ولكن، ذهب البعض الآخر الى ما هو أبعد وأخطر، عندما انشغل باله وأبدى قلقه على وضع المسيحيين في البلدات والقرى الجنوبية، مثل الرميش والقليعة على سبيل المثال لا الحصر، وهنا لا نملك سوى القول لكل حزب أو مرجعية سياسية أو دينية، أن مَن يعتبر أبناء الرميش والقليعة والبقاع الغربي وزحلة وزغرتا وعكار أنهم من مسيحيي الأطراف، وأنهم تلقائيا خارج حسابات دعاة التقسيم والفدرلة، فليرفع أطرافه عنهم على الأقل، لأنهم لم ينالوا درهم تنمية من كل المرجعيات والأحزاب التي تستوطن بيروت والمتن وكسروان، وبالتالي، أبناء الرميش والقليعة وسواهما من البلدات المسيحية في الأطراف، هم ملائكة الرحمة في التشبث بأرضهم، وهم أهل الحكمة والواقعية وحسن الإدارة السياسية لشؤونهم ضمن مناطق مختلطة طائفياً، وكفى الزعامات الزائفة تتضامن معهم لتؤذيهم كما فعلت في الجبل وشرق صيدا وزحلة، أو كما فعل نائب سابق خائب، عندما قرر قضاء سهرة في القاع ليحمي اهلها من الدواعش وأخذ صورة مع الشباب حاملاً "الكلاشن"، في أتفه مسرحية لا يحضرها حتى الأطفال.  

ولأن الإعداد لوثيقة بكركي تزامن مع أزمة الشغور الرئاسي، ومع ما يحصل على الحدود الجنوبية، أطلّ أحد دعاة المطالبة بالفيدرالية وقال حرفياً منذ أيام: لنا جمهوريتنا ولكم جمهوريتكم، في أخطر منطق تقسيمي تحريضي، فإننا نمتلك الجواب عليه بصفتنا من "مسيحيي الأطراف": اللامركزية الإدارية هي مطلبكم، ونحن نرتضي تطبيقها من الآن، ومن ضمنها الإدارة الاجتماعية للشرائح الشعبية ضمن مناطقها، عبر المحافظين ورؤساء البلديات والمخاتير، بالتنسيق مع العائلات الكبرى في البلدات والقرى، وبتطبيق هذه اللامركزية، من حق ابن الرميش والقليعة وسواهما من بلدات الأطراف، أكان رجلاً أم امرأة، عجوزاً أو طفلاً، مقيماً في بلدته أو مغترباً، أن يقول لكم: اخرسوا..وهو على حق، لأنكم بالكاد تحمون أنفسكم وكراسيكم، والرميش والقليعة وسواهما، لديهم الرجالات والكفاءات والقدرات التي تغنيهم عن تجار الدم الذي نزفه المسيحيون مجاناً على مذابح شياطين آخر زمن وكل الأزمنة عبر مغامرة هذا ومقامرة ذاك من حُماة "المجتمع المسيحي".

ولأن بعض أبناء الرميش والقليعة حاولوا كما أبناء بعض القرى الحدودية، استئجار شقق في بيروت وجبل لبنان بهدف تأمين متابعة أولادهم في المدارس، ارتفع إيجار شقة من غرفة واحدة مع منتفعاتها غير النافعة الى 700 دولار شهرياً، ولم نجد ديراً أو مؤسسة اجتماعية أو منظمة أهلية لإستضافة هذه العائلات لفترة مؤقتة، ولذلك، نسمح لأنفسنا أن نقول لتجار الهيكل هؤلاء: ليتكم تخرسون.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل