كلفة تدمير غزة ودمار المجتمع "الإسرائيلي" ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 09 نيسان , 2024 10:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كشفت بيانات رسمية دقيقة أن عجز الميزانية "الإسرائيلية" قد يرتفع من 2.25% إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري. وأوردت البيانات المالية أن الكلفة الباهظة للحرب تُقدًّر بنحو 150 مليار شيكل (40.25 مليار دولار) عن الفترة من أكتوبر 2023 حتى نهاية مارس 2024، وهذه الفرضية كانت مطروحة على أساسٍ تقديري فيما لو استمرت الحرب لنهاية الربع الأول من العام الجاري.

ومخاوف الانكماش الاقتصادي كما يراها الخبراء، ليست ناتجة عن هروب الاستثمارات بسبب الحرب الحالية من منطلق النظرة العلمية للرأسمال الجبان، بل لأن هناك مخاوفاً وجودية باتت تسكن حنايا الشعب "الإسرائيلي" بعد عملية 7 أكتوبر من جهة، ومن جهة أخرى خيبة "الإسرائيليين" من نتائج مناورات جيشهم داخل قطاع غزة واستمرار قدرة المقاومة الفلسطينية على إطلاق الصواريخ من القطاع، والمواجهات التي تحصل في الضفة الغربية، إضافة الى وضع النازحين من غلاف غزة ومستوطنات الشمال على الحدود مع لبنان، وبالتالي لم يتورَّع الكثيرون من "الإسرائيليين" عن الإقرار أمام وسائل الإعلام بأن الهجرة العكسية لليهود من "إسرائيل" قد ارتفعت وتيرتها باعتبارها بلداً غير آمنٍ لهم.

ولعل أفضل توثيق عن الهجرة العكسية لليهود هو الذي رصد بدايتها بعد حرب تموز مع لبنان عام 2006، والافت ليس في هجرة مزدوجي الجنسية الى بلدانهم الأصلية، بل بلوغ عدد مَن يحملون الجنسية "الإسرائيلية" نحو 900 ألف بنهاية العام 2023، وهؤلاء ولدوا في فلسطين المحتلة، وقرروا الهجرة لأنهم يعتقدون أن "إسرائيل" لن تكون بالنسبة لهم آمنة.

وإذا كان عدم الشعور بالأمان يسيطر على مواطني "إسرائيل" المولودين داخل الكيان، فلا لوم على مَن استوردتهم الحكومات الصهيونية لإشغال المستوطنات التي تتمدد على الارض الفلسطينية وعلى حساب الشعب الفلسطيني، سواء كان هؤلاء المُستورَدُون من اليهود الغربيين (الأشكيناز) أو اليهود الشرقيين (السفارديم) الذين تنتمي لهم فئة المتدينين المتشددين المعروفين باسم الحريديم، وشكلوا مؤخراً أزمة سياسية اجتماعية داخل البيئة اليهودية على خلفية رفضهم أداء الخدمة العسكرية، وتهديد الحاخام الأكبر للسفارديم يتسحاق يوسف بمغادرة المتدينين الى الخارج في حال إلزامهم بالتجنيد.

أزمة الأحزاب "الحريدية" المتشددة دينياً في الكيان الصهيوني مع باقي التيارات السياسية، خصوصاً العلمانية منها، بدأت عام 1948، عندما أعفى ديفيد بن غوريون نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية، ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية، وبالتالي بات الانتساب للأحزاب "الحريدية"، أو ما يعرف الآن بالحريديم، ملاذاً لكل من يرغب التهرُّب من الخدمة العسكرية، تحت ستار التفرُّغ لدراسة التوراة والحفاظ على الأصول الدينية إليهودية، وبالتالي فإن الصراع القديم الجديد بين الحريديم وباقي مكونات المجتمع اليهودي لن ينتهي بنهاية الحرب على غزة، بل ستنتج عنه توترات داخلية تزعزع بنيان هكذا مجتمع هشّ، ومشكلة تجنيد الحريديم هي واحدة من تناقضاته.

وأبرز تناقضات المجتمع "الإسرائيلي"، أن الأشكيناز، أي اليهود الغربيين، يسيطرون على الاقتصاد، ولهم حصراً السيطرة السياسية والعسكرية والوظيفية، ويعتبرون أنفسهم بُناة "إسرائيل"، ولهم الفضل في تطويرها بأفكار وابتكارات استقدموها معهم من أميركا والغرب الأوروبي، فيما السفارديم أي اليهود الشرقيين، هم درجة ثانية منذ تأسيس الكيان، يعملون كأجراء لدى مؤسسات وشركات يملكها الأشكيناز، وبالتالي يتمّ التعامل معهم بِدُونية، ولا يحظون بمناصب سياسية وعسكرية عالية.

ومما زاد من الفجوة بين الأشكيناز والسفارديم، أن المتدينين اليهود (الحريديم) غالبيتهم من السفارديم، وتفرغهم للمدارس الدينية زاد من عدمية إنتاجيتهم وبالتالي درجة فقرهم، وكما كل المجتمعات الفقيرة يُقدمون على الإنجاب أكثر من سواهم وتزداد نسبتهم السكانية، وتعمل نساؤهم في وظائف يدوية شاقة (عاملات زراعة وصناعة) فيما غالبية رجالهم يقبعون في منازلهم لتربية الأولاد وتنشئتهم دينياً.

ووسط التهديدات المتبادلة بين الأحزاب الائتلافية في حكومة نتانياهو وداخل مجلس الحرب، بين غانتس وغالانت اللذين يطالبان بضرورة تجنيد الحريديم، وبين بن غفير وسيموتريتش الرافضَين لذلك، أصدرت المحكمة العليا "الإسرائيلية" في خطوة غير مسبوقة، أمراً بتجميد أموال المدارس الدينية اليهودية، والذي اعتُبر "إطاراً قانونياً" لوقف إعفاء طلبتها من الانضمام للخدمة العسكرية.

ورغم المعارضة الكبيرة التي تشنّها الأحزاب الحريدية ضد "وقف الإعفاء"، تقول تايمز أوف إسرائيل إنَّ النائب العام أخبر المحكمة أن الجيش سيكون مُلزَماً بالبدء في تجنيد الرجال الحريديم في الأول من إبريل الحالي.

وإذ تجد حكومة نتانياهو نفسها اليوم، في مواجهة تحديات الانقسام والتفكّك داخلها، بعد تهديد أعضاء فيها بالانسحاب في حال لم يتم تجنيد طلبة الحريديم، وفي الجهة المقابلة يواجه نتنياهو ضغطاً من الأحزاب الدينية -ضمن إئتلافه- والتي تُصرُّ على أن تبقى "المدارس الدينية" متفرِّغة لتعلُّم وتعليم التوراة، فإن الأمر يتخطى هذه الحكومة الى كل حكومة مقبلة، لأنها ستكون حُكماً منقسمة كما المجتمع "الإسرائيلي"، الذي لم يعرف تشرذماً كهذا منذ تأسيس الكيان، وجاءت تداعيات "طوفان الأقصى" عليه، لتكشف عوراته ونقاط الضعف في تكوينه الإجتماعي، وفيما أبناء غزة ينزحون من أرضهم الى أرضهم، ورد تقرير على موقع أخبار تأشيرة "شينغن" الأوروبي، عن زيادة إقبال "الإسرائيليين" على الهجرة الى أوروبا، وبلغت نسبة طلبات الحصول على الجنسية البرتغالية 67%، والفرنسية 13% وكل من الألمانية والبولندية 10%، ووفق الصحف "الإسرائيلية"، فإن الهجرة العكسية لليهود، سببها الأبرز فقدان "الإسرائيليين" لشعور الأمان بسبب تزايد عمليات المقاومة بعد عملية طوفان الأقصى.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل