الولايات المتحدة... و"ديمقراطية" الأفيون 1/2.

الثلاثاء 29 كانون الثاني , 2019 12:38 توقيت بيروت دولــي

من حرب الأفيون التي شنتها بريطانيا والدول الاستعمارية، في العام 1839 على الصين التي قررت في حينه منع أو الحد من زراعة واستيراد الأفيون، بسبب الارباح الهائلة والمذهلة التي كانت تجنيها  "الأمبراطورية البريطانية" من تجارة الأفيون، فكان أن ارتكبت لندن وحلفاؤها مجازر وحشية، وكل ذلك كان تحت شعار "حرية التجارة".

قبلها طبعاً، لا ننسى وقاحة المستعمر الأبيض بأكتشافه القارة الأميركية، ولجوئه إلى إبادة السكان الأصليين "الذين أطلق عليهم الهنود الحمر" في أقذر وأفظع عمليات الاستيطان والإحتلال والإبادات الجماعية.

عمليات الاستعمار والإبادات البشرية التي كانت تشن على مختلف القارات والشعوب كانت كلها تحت عناويين "تمدين الشعوب، ونشر الديمقراطية" وتحت هذه العناوين ارتكبت أفظع الجرائم بحق البشرية، في القرون 18 و19 و20 ومع بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، بات شعار "نشر الديمقراطية"، يظلل الحروب الظالمة للنظام الرأسمالي الذي احتكر قيادته الولايات المتحدة الأميركية، التي سيطرت على أنابيب النفط والمال، وعمليات الصيرفة، وتحكمت بالأنظمة المالية، وجعلت الدولار الذي لا يحظى بأي تغطية ذهبية منذ العام 1975، عملة العالم الأساسية، وتكاد تكون الوحيدة.

وقد استفادت واشنطن من تجارب كل الحروب الاستعمارية القديمة، التي أسهمت في تضعضع دول الاستعمار القديم، ابريطانيا، فرنسا، النمسا، هولندا، وغيرها...، وتقدمت لتحتل مكانها بأسلوب جديد، وهكذا، بدأت بعد الحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1936-1943)، تقضم ما تبقى من نفوذ لبريطانيا التي قيل يوماً أنه "لا تغيب الشمس عنها" ولفرنسا التي سيطرت القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، على عاصمتها باريس، وتحررت بفضل المقاومة الفرنسية ودعم الحلفاء.

الولايات المتحدة التي لم تشارك في الحرب العالمية الأولى، ودخلت الحرب في نهاية الحرب العالمية الثانية، مقدمة أفظع الجرائم بحق الإنسانية بالقائها قنبلتين ذريتين على هيروشيما ونكازاكي في اليابان، بدأت تحط عينها على ما بقي من مستعمرات لبريطانيا، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي، التي كانت تشير الدراسات والاستكشافات منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي أن أرضها تختزن عصب العالم (النفط)..

لهذا بدأت الدخول إلى المنطقة عبر أحلاف باشرت بانشائها، في نفس الوقت الذي كانت تحرض الدول الاستعمارية القديمة على بعضها، وتمد مخالبها إلى المستعمرات، والتي توجت عام 1945 بلقاء الرئيس الأميركي روزفلت بملك السعودية عبد العزيز في قناة السويس، فأعلن هذا الأخير الولاء المطلق للسيد الأميركي الذي وعده بتوفير الحماية المطلقة.

في نفس تلك الفترة كانت تجري التحضيرات لتنفيذ وعد بلفور الذي اطلق عام 1917 وتجسد عام 1948 باغتصاب قطعان الصهاينة لفلسطين.

وإذا كانت الشعوب العربية قد واجهت بقدر ما بقي لديها من قوة وبأس المشروع البريطاني – الصهيوني- الأميركي، بعد عقود من السيطرة العثمانية التي كانت تسهم بتخلف مناطقنا، فإن أولى البوادر للمواجهة واخذ القرار، كانت في ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، الذي اطلق رياح المد القومي والتحرر، والذي كانت ابرز تجلياته باعلانه تأميم قناة السويس عام 1956، وهو ما استجلب العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته بريطانيا وفرنسا و"اسرائيل" فكان من نتيجتها أن صمدت مصر، وأن انتهى النفوذ البريطاني في الخليج، وصار ضمن "العباءة" الأميركية، وبالتالي، أصبحت "أنابيب النفط" ضمن مشروع الهيمنة الأميركية على العالم.

ذلك لا يعني أن زعيمة النظام الرأسمالي العالمي، لم تتطلع خارج منطقة الخليج، بل هدفت إلى السيطرة على العالم في مختلف السبل والوسائل التي تعددت اشكالها ووسائلها ومنها:

- إغراء العقول البشرية والعلماء، الذين قدمت لهم كل وسائل الترغيب للهجرة إلى القارة الجديدة، فاسهموا في تقدم الولايات المتحدة في كل المجالات.

- انشاء الأحلاف الاستعمارية العدوانية المتعدد والتي يبقى ابرزها حلف الناتو.

- منع قيام أي نظام وطني وتقدمي في القارة الأميركية فجعلت البرازيل اكثر الدول مديونية في العالم، وشجعت على قيام العصابات وتجارة المخدرات والحروب الأهلية، وفي كل مكان يسقط مشروعها كانت تتدخل بشكل مباشر كما فعلت في غواتيمالا والارجنتين، وكما فعلت في تشيلي عام 1973، وفي بوليفيا.

وهي إذا كانت قد فشلت في تدمير الثورة الكوبية واعادة كوبا إلى الحظيرة الأميركية إلا أنها أستمرت بحصار ظالم على جزيرة الحرية منذ عام 1959.

والولايات المتحدة التي نجحت في احباط التطور والتقدم الاجتماعي الذي حصل في البرازيل منذ بداية هذا القرن في ظل حزب العمال وقائده لولا دي سيلفا، تحاول الآن احباط الثورة البوليفاريا في فنزويلا عبر العوبتها رئيس البرلمان وعبر التدخل الأميركي المباشر، لكن كما صمد القائد الراحل هوغو تشافيز في العام 2002، سيتكرر الصمود هذه المرة بقيادة خليفته مادورو...

للبحث صلة.

أحمد زين الدين


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل