"إسرائيل".. جولة في حروب الغرب ــ عدنان الساحلي

الجمعة 16 آب , 2024 12:06 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
جاء الحشد العسكري الغربي لنجدة الكيان "الإسرائيلي" عقب عملية طوفان الأقصى البطولية التي شنها المقاومون الفلسطينيون، ليؤكد حقيقة طالما حاول كثيرون تجنب الإشارة اليها؛ وهي أن هذا الكيان الذي اغتصب فلسطين وأقام "دولة" غير شرعية عليها، ما هو إلا قاعدة عسكرية استيطانية متقدمة في بلادنا، لفرض نفوذ الغرب، الذي ما زال يمارس الاستعمار والاستعباد وسرقة ثروات الشعوب.
ومن يسمع تصريحات المسؤولين الأميركيين، بداية من رئيسهم، يلمس مدى التبني الأميركي والغربي للكيان التلمودي، الذي يغطي بتوراته حملة صليبية غربية ليست إلا استمراراً "للحملات الصليبية" التي واجهها العرب والمسلمون؛ واعادوها خاسرة من حيث اتت.
دامت "الحملات الصليبية" نحو قرنين من الزمان، بين أعوام 1096 و1291م، ولم تستطع أن تديم بقاءها في شرق المتوسط وبلاد مصر والشام تحديداً، وكان للمسيحيين العرب دور كبير في التصدي لتلك الحملات، فكان ذلك الشعار الذهبي الذي رفعوه "زيوان بلادي ولا القمح الصليبي"، وتذكر كتب التاريخ ان المسيحيين العرب كانوا اغلبية في بلاد الشام، لكن "الحملات الصليبية" أحرجتهم فشاركوا في التصدي لها؛ وصولاً إلى اعتناق قسم كبير منهم دين إخوانهم العرب المسلمين.
  كما ساهم ظهور الدولة العثمانية القوية في وقف "الحملات الصليبية" البرية على بلادنا، فانكفأت لفترة، لتتحول فيما بعد إلى حملات بحرية تقصد مصر. كانت أبرزها حملة نابوليون بونابرت عام 1798، التي فشلت في الاستيلاء على مدينة عكا، وجاء التهاء نابوليون بحروبه الأوروبية؛ ومقتل قائده في مصر الجنرال كليبر، على يد البطل سليمان الحلبي، وتدخل البريطانيين ضده، ليخرج الفرنسيين من مصر عام 1801، لكن هذا الخروج لم يعن ترك الغرب لبلادنا، بل كان ترصداً وتأمراً للعودة بتخطيط أكثر خبثاً، وهذا ما عبر عنه عضو في مجلس اللوردات البريطاني عام 1814 عندما وقف في مجلسه ليقول: إن المنطقة الواقعة بين مضيق جبل طارق والخليج الفارسي هي اكثر منطقة في العالم ينسجم شعبها في التاريخ والعادات والتقاليد واللغة والدين، لكن لا مصلحة لنا في وجود دولة واحدة فيها.
 على الجهة المقابلة، كان بنو عثمان ملوكا متسلطين، ولو ادعوا انهم خلفاء على المسلمين، فقد جعلوا العرب وغيرهم من المسلمين عبيداً ممنوعين من التحدث بلغتهم وملزمين بالانسياق خلف التتريك، وأي دولة "إسلامية" تلك التي سيطرت عليها "ماسونية الاتحاد والترقي"، علماً أن احتلال تركيا للبلاد العربية لم يكن له أي هدف إسلامي، بل كان توسعاً مصلحيا وامبراطورياً، فالعرب هم الذين نقلوا الإسلام إلى قبائل الترك وعلموهم دينهم، لذا لم يكن قدومهم إلى بلادنا فتحاً بل إحتلالا، مثل الغزوات الصليبية، وكان التنافس على الحكم وسفك دماء الإخوة والاقرباء، هو سمة تلك الدولة وسلاطينها.
وجاء تمرد محمد علي باشا (وهو ضابط الباني في الجيش العثماني)، وحملته في الشام ضد الدولة العثمانية (1831-1833)، لتزعزع أركان السلطنة العثمانية؛ وبالذات حين وصل جيش إبراهيم باشا إلى كوتاهية غرب الأناضول، في طريقه إلى إسطنبول. وهدد عرش الخليفة العثماني، بعد أن تقدم إلى منطقة الأناضول في تركيا الحالية في عام 1832. وفي معركة على سهول الأناضول شمال قونية بتركيا، هزمت قوات الباشا القوات العثمانية بقيادة الصدر الأعظم محمد رشيد باشا؛ وبات الطريق مفتوحا إلى الأستانة والقصور الإمبراطورية، فتدخلت روسيا وأنقذت العرش التركي. ثم حصلت معركة نسيب كواحدة من أشهر معارك الجيش المصري، بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا، قرب مدينة نسيب الواقعة شرق عنتاب وغرب نهر الفرات في 24 يونيو عام 1839. وأدت تلك المعركة وخسارة الأسطول العثماني المواجهة في البحر، إلى تدخل القوى الأوروبية، في يوليو/تموز من عام 1840، حيث اتفقت بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا على إنهاء الحكم المصري في سورية. وهنا جاء دور الغرب لينتقم ويكمل حملاته للسيطرة على المنطقة.
لم تكن حماية الغرب للسلطنة العثمانية من حملة "نائب السلطان" في مصر محمد علي باشا من دون ثمن، بل كان لها أثمان غالية، ما يهمنا منها اثنان لا يحتاجان إلى حجج ووثائق لتأكيدهما. الأول هو إقامة متصرفية جبل لبنان. وهو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية وعُمل به من عام 1861 وحتى عام 1918. وجعل هذا النظام جبل لبنان منفصلاً من الناحية الإدارية عن باقي بلاد الشام، تحت حكم متصرف أجنبي مسيحي عثماني غير تركي؛ وغير لبناني تعينه الدولة العثمانية بموافقة الدول الأوروبية العظمى الست: بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا. وكانت تلك الخطوة الأساسية لإقامة دولة "لبنان الكبير"، على أسس طائفية وعنصرية ميزت وما تزال بين مواطنيه، مما سبب حروباً ومآس ما يزال اللبنانيون يعانون منها. وهي السبب الأساس في هجرة ممتدة منذ تلك السنوات، جعلت القسم الأكبر من اللبنانيين مغتربين في بلاد الله الواسعة.
أما الثمن الثاني الذي دفعته السلطنة العثمانية للغرب لقاء حمايتها، فهو "التطنيش"، إن لم نقل التواطؤ والسكوت، عن هجرة اليهود إلى فلسطين، بعد أن أقنعتهم بريطانيا بأن فلسطين تناسب رواياتهم التوراتية، أكثر من أوغندا أو الأرجنتين، اللتين كان اليهود الصهاينة يريدون إقامة دولة لليهود في إحداهما، فالكيان "الإسرائيلي"، كما يبدو بوضوح، هو حاجة غربية قبل أن يكون مطلباً يهودياً، و"إسرائيل" ليست سوى جولة في حروب الغرب الاستعماري الذي تلطى خلف شعار الصليب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل