العدوان على غزة: حراك سياسيّ وميزان الربح يميل لمصلحة المقاومة الفلسطينية

الأربعاء 19 أيار , 2021 09:41 توقيت بيروت فـلـســطين

الثبات ـ فلسطين

في اليوم التاسع للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استمرت السخونة في الجبهة العسكرية، بين فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع من جهة، و"الجيش الإسرائيلي" من جهة ثانية، كما استمرّ الجدل الإعلامي الإسرائيلي بشأن جملة من القضايا، أبرزها: مساعي وقف إطلاق النار، والمراحل التي بلغتها هذه المساعي، وتزايد الحديث عن فشل "إسرائيل" في إحراز "صورة النصر"، واستمرار موجة انتقادات للمستوى الاستخباريّ الإسرائيلي الذي أخفق في التنبؤ بنيّات المقاومة وتقدير قوتها الفعلية.

مساعي وقف إطلاق النار

أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن "إسرائيل" دخلت في سباق مع الوقت قبل إيقاف إطلاق النار، والذي بدأت بوادره تَلُوح في الأفق، وأن المعركة العسكرية استنفدت نفسها ودخلت في مرحلة بداية النهاية. 

وبحسب التقارير، فإن التطوّر الذي عزّز هذا الاتجاه تَمَثّل باتصال الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء أمس الاثنين برئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الاتصال الثالث منذ بدء العداون الإسرائيلي على قطاع غزة. وشدّد بايدن في حديثه مع نتنياهو على أنه يدعم إيقافاً للنار في غزة، وبحث معه في الاتصالات بمصر في هذا الشأن، وأضاف أنه يريد أن تبذل "إسرائيل" كل جهدٍ ممكن لتجنُّب إصابة مدنيين في غزة.

في المقابل ردّ نتنياهو بأنه مصمّم على إنجاز هدف العملية، وإعادة ما سمّاه الأمن إلى "مواطني إسرائيل". كما شكر الرئيس الأميركي على دعمه المستمرّ لـ"حَقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الرئيس الأميركي مضطرّ إلى التعامل مع ضغطٍ متزايد من داخل الحزب الديمقراطي. وأول أمس، وقّع 28 سيناتوراً – أكثر من نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ – رسالةً تدعو إلى إيقاف فوريّ للنار مع "حماس".

ترافقت هذه التطورات مع إشارات من مصادر سياسيّة إسرائيلية تفيد بأن "إسرائيل" يُهيِّئ قنوات محادثات حيال إمكان إيقاف النار بعد أن يتخذ المستوى السياسي فيها قراراً بشأن الموضوع، وأن رئيس الموساد يوسي كوهِن ينسّق القنوات مع الأردن وأبو ظبي وقطر، في حين أن رئيس مجلس الأمن القومي ينسّق القناة مع المصريين.

وذكرت تقارير أن مصدراً إسرائيلياً قال إن الضغط الدولي على "إسرائيل" من أجل التوصل إلى إيقافٍ للنار يتزايد، وأن الجهود الدولية للتوصل إليه مستمرة في الأيام الأخيرة، بقوة كبيرة.

وفي السياق، تعزّز انطباع يقوده تيار واسع من المعلِّقين والخبراء، يشي بأن العملية استنفدت نفسها، وأن نافذة الفرص السياسية بدأت تتقلَّص شيئا فشيئاً، وذلك في ظلّ تحذيرات من إطالة أمد العملية، لأنها دخلت مرحلة "التوحُّل"، الأمر الذي قد ينقلب على "إسرائيل" سلباً، بحسب ما رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، الذي أضاف أنَّ من المرجَّح أن ترتكب "إسرائيل" أخطاء في هذه المرحلة.  

في المقابل، يرى محلل الشؤون الخارجية في قناة "كان" الإسرائيلية، موآف فاردي، أن الضغط على "إسرائيل"، دولياً وأميركياً، ليس كبيراً في هذه المرحلة، وأن بايدن "لم يرفع بعدُ البطاقة الحمراء في وجهها، وأن لديها فرصة زمنية سانحة لتحقيق مزيد من الضربات.

"حماس" أحرزت "صورة النصر" 

موقع سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية على "أسدود" (أ ف ب)

مسار الجولة القتالية بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية، يحكمه – في هذه المرحلة - حدّان: الأول، سعي "إسرائيل" الحثيث لإحراز صورة نصر، تبرّر - برأي مراقبين - قَبولها باتفاق إيقاف إطلاق النار، بعد أن أُهينت في بدايات المعركة. والثاني، المستوى والحجم للضغوط الأميركية والدولية، التي قد تُمارَس عليها لإيقاف عدوانها.

في هذا السياق، برز لدى أوساط إسرائيلية إقرار واسع يرى أن "إسرائيل" فشلت - حتى الآن - في إحراز هذه الصورة، بينما نجحت المقاومة في إحرازها منذ بدايات المعركة.

ورأى مراسل الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، أن حركة "حماس" حققت صورة النصر منذ بدء المعركة، عبر عدّة أمور، منها: تقديم نفسها حاميةَ للقدس، وقصفت "العاصمة" (القدس) في يوم عيدها (الإسرائيلي)، وأدخلت أعضاء الكنيست الملاجئَ، وأطلقت صليات على "تل أبيب"، وأعادت المشكلة الفلسطينية إلى الساحة الدولية. وهذا، في رأي خبراء، له أثر إستراتيجي بعيد في الوعي، بعكس "الإنجازات" الإسرائيلية ضد "حماس".

وشدّد يهوشع على أن "إسرائيل"، ما لم تحرز واحدة من ثلاثة "أوراق جوكر"، فإنّها لن تنتصر في المعركة. وهذه الأوراق هي: 

الصورة الأولى، تصفية مسؤولين فلسطينيين كبار جداً، مثل القائد العسكري لحركة "حماس" محمد الضيف، أو رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، أو القائد العسكري مروان عيسى. والثانية هي مهاجمة مراكز الثقل، كما في عملية "جنوب أزرق"، والتي كان من المفترض بها أن تؤدي إلى مئات القتلى في صفوف "حماس" في هجوم الأنفاق. والثالثة هي المناورة (البرية)، والتي هي غير مطروحة،على ما يبدو، على الطاولة.  

في الموازاة، رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه في اليوم التاسع للعملية، فإن المعركة دخلت في مرحلة "التوحُّل" (الغرق في الوحل)، ولفت إلى أن "إسرائيل" "خرجت (أو جرّتها "حماس") إلى معركة هدفها الردع، وليس الحسم. ثمة أمل في أنه بعد عدة هجمات مباغتة، وبعد عدة عمليات اغتيال مؤلمة، سيتحسّن، على نحو جوهري، ميزان الردع وستطول المدة الزمنية التي ستنشدها غزة لنفسها إلى حين المعركة التالية. وهذا الأمل لا يُلغي المخاطر المرتبطة باستمرار القتال".

وحذر هرئيل من أنه "عاجلاً أو آجلاً، ستقع فوضى ما. إمّا ستحقق "حماس" إنجازاً هجومياً مباغتاً يهزّ معنويات الجمهور الإسرائيلي، وإمّا سيجري أسر جندي إسرائيلي، وإما أن الجيش سيرتكب خطأً يتسبّب بقتل جماعي لمدنيين فلسطينيين، ويثير انتقاداً دولياً".

ميزان الربح يميل لمصلحة المقاومة الفلسطينية 

في مقارنة بين التداعيات التكتيكية والاستراتيجية لأيام القتال الماضية، أشار نائب رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، عيران عتسيون، إلى عدة نقاط، تُظهر أن ميزان الربح مال من الأساس لمصلحة فصائل المقاومة في قطاع غزة:

- "إسرائيل" لن تخرج منتصرة من هذه الجولة. لقد دخلتها في ظروفٍ دونية، لأسبابٍ سياسية – شخصانية لنتنياهو.

- "حماس" انتصرت في هذه الجولة منذ بدايتها، عندما زرعت وعياً مفاده أنها "حامية القدس"، وشلّت الكنيست، ثم مطار بن غوريون، ثم "غوش دان" (الوسط). نعم، هكذا يبدو أثر الوعي الاستراتيجي.

- الأضرار التي ألحقها الجيش الإسرائيلي بالبنى التحتية العسكرية والاقتصادية لـ"حماس" ستُعوَّض، لكن هذه الأضرار لا يمكنها أن توازن الأثر الاستراتيجي المذكور أعلاه.

- لقد ضُربت الاستخبارات الإسرائيلية مرة أخرى عندما فشلت في تقدير نيات "حماس" وقدراتها، وهي تواصل ضرب صنَاع سياسة "تفعيل القوة"، والذين يُخطئون في الاعتقاد أن عدّ الجثث، والقنابل، والأهداف، والطائرات ("160 طائرة ألقت مئات الذخائر على كذا وكذا أهداف وقتلت كذا وكذا مخربين)"، يُنتج أثر وعي "انتصار".

- التصور الخاطئ في عدة مستويات: الأول، تجاهل الفارق الهائل بين الجماهير المستهدَفة. الجمهور الوحيد الذي ينفعل إيجاباً من خط الدعاية الإسرائيلي هذا، بحق، هو "الجمهور الإسرائيلي"، بالنسبة الى كل البقية، إطار القصة هو نوع من داوود وجالوت، و"إسرائيل" ليست داوود. الخط الإعلامي الذي يقدّم "إسرائيل" على أنها تُدافع عن نفسها من هجمات ليس فعّالًا، لأن "إسرائيل" يُنظر إليها – بحق – على أنها الجانب القوي في المعادلة.

- صور انتصار "حماس": أعضاء الكنيست في الملجأ؛ هروب حشود من سكان "تل أبيب" في شاطئ البحر إلى الملاجئ؛ سقوط صواريخ قرب مطار بن غوريون، أو في منشأة خط أنبوب نفط "إيلات" – عسقلان؛ لا يوجد تعاطف تجاه "إسرائيل" وسط أغلبية جماهيرها. ونعم، يوجد تعاطف متزايد تجاه "حماس" وسط جمهورها، من الفلسطينيين والعالمين العربي والإسلامي.

- هذه الجولة مُربكة لأن فيها قديماً وفيها جديداً. الجديد هو الفوضى داخل "إسرائيل"، في الشوارع. والمصلحة الإسرائيلية هي الفصل بين القصتين.

 

المصدر: الميادين


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل