"خراب الهيكل".. تحذيرات "إسرائيلية" من تكرار "الكارثة"

الخميس 17 آب , 2023 12:07 توقيت بيروت فـلـســطين

الثبات ـ فلسطين

"التاريخ لديه نزعة تكرار نفسه في مواقيت لئيمة ومثيرة للقشعريرة"، هذه واحدة من عبارات كثيرة حَفِل بها النقاش الإسرائيلي الذي أتى على وقع  ذكرى التاسع من شهر آب العبري، والذي صادف قبل أسبوعين تقريباً.

تصادف ذكرى إحياء "خراب الهيكلَيْن" الأول والثاني هذا العام، وفق السردية اليهودية (الإشارة إلى هذه السردية لا تعني تبنيها) ذروة الانقسامات التي عمّت الكيان، على خلفية الخطة القضائية بشكلٍ عام وإقرار "حجّة المعقولية" بشكلٍ خاص، ما دفع عدداً من المحللين والخبراء إلى تشبيه ما يجري اليوم في "إسرائيل" بما حدث عشية "خراب الهيكلين". 

هذا "التوقيت التراجيدي" أعاد تغذية مخاوف تاريخية، وعِقد رمزية، عكسها عديد من الأوساط الإسرائيلية من المستويات والأطياف كافة، وتحديداً من إمكانية تكرار تجربة "خراب الهيكل" (المتمثل حالياً بالدولة القومية الحديثة)، كون هذا التوقيت أتى على وقع اتفاق جارف، بأنّ  المناسبة هذا العام تضمّنت نقطتي انكسار في تاريخ "الشعب اليهودي": نقطة ذروة الحداد على "خراب الهيكلَين" من جهة، ونقطة ذروة الانقسامات التي تفجرت على خلفية خطة الحكومة القضائية. 

وتبرز رمزية هذا التوقيت في ما أشار إليه معلقون على أنّ الأحداث الأكثر تقسيماً في تاريخ الشعب اليهودي، تُصادف أيضاً في أيام الحزن على "خراب الهيكلين": فك الارتباط عن غوش قطيف (قطاع غزة)، بذكرياته الصادمة، والذي نُفّذ عشية التاسع من آب (العبري)؛ علماً أنّ الانقسام الرهيب حول التصويت على تقليص "حجة المعقولية" حدث في محيط التاسع من آب (العبري).

وبطبيعة الحال، فإنّ هذا التقاطع الزمني والموضوعي مثّل للعديد من المحللين والخبراء، مناسبة لرسم خطوط المقارَنة بين الواقع الحالي المأزوم في "إسرائيل"، وبين الواقع الانقسامي-الصراعي الذي عاشه اليهود عشية "خراب الهيكلين"، الأول نحو سنة (586 ق م)، على يد نبوخذ نصّر؛ والخراب الثاني في العام (70 م)، على يد الإمبراطور الروماني تيتوس.

ولم يكن من العسير على بعض المحللين والخبراء استعراض أوجه شبه كثيرة بين الوضعين: الآني والتاريخي، أي بين الخرابين: المتحقق تاريخياً والمتوقع مستقبلاً، إذ إنّ "العلاقات بين اليهود كانت (عند الخراب) متداعية، وزاخرة بالخلافات والكراهية كما هو حاصل اليوم تحديداً". 

هذه المقاربات دفعت الخبراء والمحللين، إلى التحذير من أنّ التاريخ اليهودي حافل بالكوارث، وأن المتورطين فيه (عمداً أو إخفاقاً) لم يخطر على بالهم أصلاً، أنّهم سيصلون إليها.

وهذه الكوارث التاريخية كانت مدفوعة بثلاثة موجّهات، وكلها تنطبق –برأي خبراء إسرائيليين- على العقلية التي تدير صراعات اليوم. 

الموجِّه الأول: الاستخفاف بالتداعيات، بمعنى أنه "يجب أخذ الأمور بتناسب"، فلن تقع حرب داخلية بين اليهود، و"الجيش" لن يفقد تماسكه وكفاءته، و"خراب الهيكل" لن يتكرّر، بسبب تمرير قوانين الخطة القضائية، برأي شريحةٍ واسعة من الإسرائيليين. 

-الموجِّه الثاني: تعتقد شريحة واسعة أنّ هناك سيطرة على الأحداث، تُمكِّن من كبحها في الوقت المناسب، ولا سيما في حالات الطوارئ. 

الموجّه الثالث: يُمكن إصلاح الضرر الذي سيقع، وإن في وقتٍ لاحق.

ويقترح خبراء على القادة الإسرائيليين، أن لا يركنوا إلى هذه الموجِّهات، التي سبقت أيضاً "خراب الهيكل" الثاني، وأن يضعوا موجِّهات أكثر صرامة، من تلك التي وضعها الأجداد.

والجدير ذكره، أنّ حادثة صغيرة يمكن أن تؤدّي إلى كارثة كبيرة، عبر ميكانيكية ذاتية تدهور الأمور إلى منطقة فقدان السيطرة والكوابح، علماً أنّ إعادة العجلة إلى الوراء، وإصلاح ما فسد، ليس أقل أهميةً من ما سبقه.

وبالعودة إلى الواقع المُعاش، فإنّ "الدولة المعجزة"، كما يصفها خبراء، تقف في عامها الـ 75، أمام أصعب التحديات التي عرفتها في البُعد الداخلي.

ويشرحون أنّ الشرخ الاجتماعي عميق وواسع، والجروح التي فتحها لم تندمل، وهذا الشرخ مسّ بأعصاب حساسة، وألحق أضراراً نفسية واجتماعية يصعب إصلاحها.

وهذا الخلاف، الذي تجاوز منذ زمن الميدان السياسي، بات حاضراً في كل نُظم الحياة، وصولاً إلى تحطيم الغلاف الذي حمى "الجيش" الإسرائيلي وأجهزة الأمن، التي تعدّ "رمز الإجماع ومعاقل الدولة"، وبات يُهدد بتحطيم نموذج "جيش الشعب" أيضاً.

ويرى محلّلون أنّ هذا التوقيت، بما يحمل من عِبر ورموز، هو الوقت المناسب لعرض الحقيقة (كما يرونها). وهي أنّ القضية ليست قضية "حجّة المعقولية" أو الخطة القضائية، بل هي قضية صراع إثني قديم، وشرخ اجتماعي متجذّر وُلدا من جمع تيارين قويين في المجتمع الإسرائيلي، ارتبطا معاً في تيار واحد، في قوة موحّدة كبيرة حققت حلم وإرادة التيارَين معاً. 

التيار الأول هو جزء لا يُستهان به من أبناء الطوائف الشرقية (اليهود السفارديم) في "إسرائيل"، الذي كانت حوله على مرّ السنين جهات مصلحية صنعت رأسمال سياسياً، وادعوا من دون توقّف، أنهم يمثِّلون طبقة "إسرائيل الثانية" (المقصود مواطنو الدرجة الثانية)، مقابل الارستقراطية الأشكينازية المتغطرسة.

التيار الثاني، هو التيار الخلاصي المتطرّف، وأغلبه أشكيناز يرتدون القلنسوات المطرّزة (التي ترمز إلى الصهيونية الدينية)، بعضهم من متضرري فك الارتباط وإخلاء "غوش قطيف"، وحلمهم هو تطبيق حلم أرض "إسرائيل" الكاملة في دولة شريعة، كما في أيام الملك شلومو (سليمان)، بما في ذلك إعادة بناء الهيكل الثالث.

ويُضيف المُعلّقون أنّ القاسم المشترك بين هذَين التيارَين هو تحييد المحكمة العليا وتغيير الدستور، لتحقيق أحلامهم بتحويل "إسرائيل" إلى دولة يهودية - دينية صرفة.

وإلى هذَين التيارَين انضمّ الحريديم، الذين عرقلتهم المحكمة العليا وقراراتها على مرّ السنين، لكن أساس اهتمامهم هو قانون التجنيد الذي يزعجهم، انطلاقاً من علم واضح بأنّ ثورة قضائية فقط تُضعف المحكمة، لتخدم إرادتهم. 

ولتكتمل الصورة، بحسب المعلقين، توفّر لهذَين التيارَين (الحريديم والخلاصيين) رئيس حكومة ضعيف، يُركّز بكله على محاكمته ومستقبله، معتبرين أنه رئيس حكومة خانع يسيطر عليه شركاؤه، الذين يستغلون جيداً تعلّقه بهم، ويُملون عليه جدول الأعمال العام.

صورة الوضع، وخطورته، أجملهما رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان بقوله (معاريف/ 07-08-2023): "ما لا يقوله نتنياهو بالإنكليزية سأكتبه بالعبرية – تغيير تركيبة لجنة اختيار القضاة، إلى جانب قانون أساس تعلّم التوراة أو بند التغلب (على المحكمة العليا)، سيقوداننا ببساطة إلى خراب الهيكل الثالث".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل