"داتا فضائح حاكم مصرف لبنان".. سيناريو جديد لتخلي الغرب عن حلفائه

الثلاثاء 22 آب , 2023 09:34 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ لبنان

كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" أن حاكم مصرف لبنان المركزي السابق، رياض سلامة، أرسل بعد وداعه منصبه "فلاش ميموري" إلى خارج لبنان، خزّن عليها معلومات تحتوي على أسرار عمله، تحسباً لحدوث "شيء سيّئ"، خاصةً بعد تخلي جهات غربية عنه، وفق التقرير.

تنقل الصحيفة عن أحد كبار السياسيين اللبنانيين قوله إنه "ما دام سلامة في لبنان فإنه لن يلجأ الى فضح أسرار السياسيين اللبنانيين ليبقى الجميع سعداء"، وهذا يعني أنه خزّن داخلها فضائح تتعلق بكلّ مَن تورّط معه وشاركه في الغرف من المال العام، وصولاً الى إفلاس بلدٍ برمّته.

حالة سلامة هذه لا تُعَدّ فريدةً في نوعها، فالتخلّي الغربي ولا سيّما الأميركي عن الحلفاء والوكلاء بات سياسةً محقّقةً مهما تأجّلت، ومطار العاصمة الأفغانية كابول لا يزال شاهداً على ذلك، آلاف العاملين الأفغانيين مع القوات الأميركية جرى التخلّي عنهم وتُركوا لملاقاة مصيرهم هناك.

وتُنهي أميركا أدوار حلفائها في العالم بعد إتمامهم مهامهم أو فشلهم فيها، لأن اللعبة الأميركية تستمر بأدواتٍ جديدةٍ أكثر فعالية بحسب رؤية كلّ إدارةٍ أميركية. 

ما هي المصالح التي مُرّرَت بالنسبة للغرب من قبل رياض سلامة؟

قال محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية، موسى عاصي، لبرنامج "التحليلية" على شاشة الميادين، إن سلامة كان يخدم الولايات المتحدة عندما فرض على المصارف اللبنانية أن تقوم بتعبئة استمارات لكل مودِع، فيها كل المعلومات، والتفاصيل عن حياته وأنشطته وأملاكه وهويته وهوية عائلته، وهذه الاستمارة كانت تُرسَل مباشرةً إلى أميركا أي أنها على علم بكل تفاصيل حياة أكثر من 90% من اللبنانيين.

وتابع أنّ المسألة الثانية والأخطر، عندما قام رياض سلامة بتطبيق كل القرارات الأميركية وفرض العقوبات على مؤسسات إنسانية تابعة للمقاومة في لبنان في السنوات الأخيرة، أي قبل خمس أو ست سنوات.

الداتا التي يهدّد بها سلامة هل ستحميه من تهم الفساد ونهب الأموال؟

محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية منذر سليمان قال إنّ هذه التسريبات ستكون لها تداعيات خارجية، لأنها متعلقة بمسألة حماية رياض سلامة من القضاء اللبناني الذي لم يتحرّك بما يكفي لمحاسبته ومحاكمته حتى الآن.

وأضاف أنّ القضاء اللبناني عجز عن محاكمته لأنّه كان الرمز الأساسي الظاهر للفساد، ولكن الفساد بالأساس مرتبط بأن لبنان أصلاً يُحكَم مِن مَن يقف وراء المصارف في لبنان عملياً، والهندسة المالية التي قام بها وكل الإجراءات التي قام بها، بما فيها عملية تسهيل تهريب الأموال التي تمت وإفلاس الدولة وسرقة أموال المودعين.

وأكد سليمان أنّ "الفلاش ميموري" هو تهديد للداخل اللبناني بأن "لا تمسّوني، إذا مسستموني بأي خطر فأنا أستطيع أن أكشف أوراق الجميع".

ما هي استراتيجية أميركا في التعامل مع حلفاء لها احترقت أوراقهم؟

محلل الميادين للشؤون العربية والإسلامية قتيبة الصالح، أكد أن كل رئيس أميركي تقريباً عاش لحظة التخلي عن حليف بشكل أو بآخر مع اختلاف مستوى هذا التخلي الى حد ما.

وتابع أنّ هذا التصرف الأميركي هو سلوك، وثقافة لربّما، وجزء من التقاليد الأميركية في طريقة التعاطي مع "الحلفاء"، في طريقة تعريف مفهوم العلاقة مع "الحليف".

وذكّر الصالح بالطريقة التي تصرفت عبرها الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمتعاملين الأفغانيين عند انسحاب وخروج أميركا من أفغانستان.

وتحدّث الصالح عن وثيقة تعود الـ 1975 تتحدث عن حدثين الأول في 14 من نيسان/أبريل 75 في البيت الأبيض، والثاني في 23 من نيسان/أبريل في مجلس الشيوخ، والجامع بينهما والقاسم المشترك هو موقف اتّخذه جو بايدن عندما كان سيناتوراً أميركياً.

وتابع أنّه في الاجتماع الأول في البيت الأبيض الموضوع كان حول إخراج أو عدم إخراج المتعاملين الفيتناميين مع الجيش الأميركي، وقال بايدن سأصوّت من أجل المال لإخراج الأميركيين المتبقّين ولكن لن ندفع دولاراً واحداً للسكان المحليين، ثمّ في الاجتماع الثاني في مجلس الشيوخ قال "لا أعتقد أن الولايات المتّحدة ملزمة أخلاقياً أو غير ذلك بإجلاء الرعايا الأجانب، والولايات المتّحدة ليست ملزمة بإجلاء واحد أو مئة ألف فيتنامي جنوبي".

وتابع أنّه اليوم بعد نصف قرن رأينا كيف تعامل بايدن مع المتعاملين الأفغانيين عند انسحاب وخروج أميركا من أفغانستان.

أين أصبحت تحقيقات الدول الأوروبية في قضايا سلامة؟

أكد عاصي أنّ  التحقيقات تجري حالياً في عدد من الدول ولا سيّما في سويسرا وفي فرنسا، ألمانيا، لوكسمبرغ وبريطانيا أيضاً، وفي الفترة الأخيرة نُشرَت بعض نتائج التحقيقات التي جرت مع مروان خير الدين صاحب مصرف الموارد في لبنان، وهو الشخص الذي كان يتعاون بشكل أساسي مع رياض سلامة، وهذه المعلومات التي سُرّبَت عن هذه التحقيقات تطال جزءاً صغيراً جداً من عملية الفساد.

وكشف أنّ مروان خير الدين تحدث عن مجموعة صحافيين تلقّوا رشى من مصرف لبنان عبر مصرف الموارد.

وتابع أنّ المسألة الأساسية في التحقيقات التي تجري في سويسرا والتي تطال رياض سلامة وشقيقه وآخرين في مبالغ تم تحديدها ما بين 300 إلى 400 مليون دولار هي قيمة الفساد المتّهم به سلامة وشقيقه والآخرين، وهذه الأموال ربما موجودة في سويسرا وأيضاً على شكل أموال في المصارف والممتلكات مباني وعقارات.

وأكد أنّ هذا التحقيق يراوح مكانه والسبب في هذا يعود الى أن السلطات السويسرية لا تحصل على الدعم الكافي والمساعدة الكافية من القضاء اللبناني ومن السلطات اللبنانية. 

وأشار عاصي إلى أنّ رفع الغطاء الأميركي عن رياض سلامة يساعد التحقيقات في الدول الأوروبية، ولكن بالمقابل يمكن لهذه المسألة تحديداً أن تمنع السلطات اللبنانية أو الذين شاركوا رياض سلامة بعملية الفساد في لبنان من تقديم أي معلومة للخارج.

كيف من الممكن أن نقارب التجربة الأميركية مع الحلفاء إن كانوا حكومات أو شخصيات؟

قال سليمان إنّ الولايات المتّحدة لديها مصالح وهذه المصالح هي الأساس، وموضوع مَن يعتقد أنه حليف أو صديق لها هذا تفكيره، ولكن عندما تتبدل الظروف بمعنى أن الدور الوظيفي يصبح دوراً وعبئاً على الولايات المتّحدة تفتّش عن خيارات أخرى وتتخلى عنه.

وتابع أنّ ذلك ينطبق أيضاً على الجماعات التي لا تزال الآن تراهن على الولايات المتّحدة  وتتبعها وخاصةً الكرد الموجودين في أربع دول رئيسية في المنطقة، والذين الآن يؤدون دوراً تقسيمياً يمكن في نهاية الأمر أن يؤدي الى مشكلات خطيرة، ليس فقط على كل بلد إنّما عليهم أيضاً.

هل هذه ثقافة سياسية متجذرة لدى أميركا في التعامل مع الحلفاء؟

أكد الصالح أنّ الأمر ربّما لا يتعلق بتغيّر المصالح، ولكن الأمر الذي يُثير الاستغراب هو الطرف الآخر الذي يستمر إلى حد كبير في التعويل أو المراهنة على حلفه مع الولايات المتحدة، مع أن منطق الولايات المتحدة هو منطق استخدام حتى تنتهي المصلحة.

وبالعودة إلى ذلك وللدلالة على أن الأمر بالفعل متجذر بالثقافة السياسية الأميركية، فأميركا في عام 1878 لجأت لعقد تحالف مع فرنسا في ما يُسمى "معاهدة التحالف الأميركي الفرنسي"، وبمجرد انتهاء ما تُسمى بحرب الاستقلال أقدمت الولايات المتحدة على إمضاء اتّفاقية أحادية مع بريطانيا التي كانت تقاتلها وبما يضرّ بالمصالح الفرنسية.

وتابع أنّه بالحديث عن القوى أو الشخصيات يجري الحديث عن أنّ بادرة الخيانة هذه لم تكن الأولى إلى حد ما، حيث يتم الحديث عن السكان الأصليين الذين أغرت بعضهم الولايات المتّحدة بالحرب معها بمواجهة بريطانيا، ومن ثم عند انتهاء الحرب قامت بإعدام مثل وايت آيز أحد زعماء القبائل حتى لا يُطالبوا بدولة مستقلة.

هل الفوضى التي خلّفها رياض سلامة قد تنتهي؟

قال عاصي إنّ الحالة التي تُركَت في لبنان لا يمكن معالجتها بقرار من الحاكم بالإنابة.

وأوضح أنّ الجدال الحاصل في لبنان هو محاولة لإظهار بأن الخسائر في لبنان والانهيار المالي فيه حصل نتيجة هذه العلاقة السيئة ما بين مصرف لبنان ورياض سلامة الحاكم السابق والحكومات المتعاقبة، وهذا صحيح الى حد كبير ولكنه ليس العامل الوحيد الذي أدى الى الانهيار.

وتابع أنّ هناك عوامل أخرى للانهيار، مثل الهندسات المالية التي قام بها سلامة عام 2016 ودفع بموجبها مليارات عديدة، حيث قال الصحافي مخضرم محمد زبيب بأن سبعة مليارات دولار تم صرفها كمساعدات مالية لمصارف بشكل مباشر، واستفادت من هذه المصارف وتحديداً المصارف التابعة لمرجعيات سياسية وطائفية في لبنان، وهذه المساعدات تبخّرت.

ولفت إلى أنّ هناك جموعاً من العوامل أدت إلى الانهيار، واليوم موجودات مصرف لبنان لا تتعدى 7 مليارات و500 مليون دولار، وهذا رقم بسيط جداً جداً مقارنةً مع الخسائر التي تصل إلى 90 مليار دولار. 

لماذا يستمر بعض هؤلاء "الحلفاء" بتنفيذ الأجندة الأميركية والتعاطي معها؟

أوضح سليمان أنّ الذي يرتهن للخارج ويستعد للعمالة يعمي أبصاره عن المصالح الحقيقية لشعبه، وأيضاً ليس فقط للأقلية أو التبعية العرقية له.

وذكّر سليمان بأنّه منذ لوزان التي وُعد بها الكرد في العشرينيات أن تكون لديهم دولة خاصة بهم، تستمر المشكلات بما يتعلق بمستقبلهم ويتعرضون للخطر، وكان ترامب مؤخراً على استعداد للتخلي عنهم بشكل مباشر ونهائي، والسفير الأميركي السابق روبرت فورد قال إن الولايات المتّحدة ستتخلى عنهم، وحذّر الكرد من هذا الأمر، لكنهم يستمرون في هذه العملية.

وتابع: "هناك مَن يستسهل العمالة، وهذه ناتجة عن طبيعة القيادات التي فعلاً ترهن مصير بلادها وشعبها للخارج، لذلك أكبر خطر سيتهدّد فعلاً الكرد هو الاستمرار في هذه السياسة".

ولفت سليمان إلى أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيكون أيضاً حليفاً تتخلى عنه الولايات المتحدة، وعندما تتغير الأوضاع الميدانية سيحدث هذا.

ما هو مستقبل مصطلح الحليف الأميركي؟

قال الصالح إنّ بعض الأطراف ترتبط ارتباطاً وجودياً إلى حد كبير بأميركا لأنها منفصلة إلى حد ما عن السياق الوطني للمنطقة، ومفهوم الحليف الأميركي هو أنه يأخذ بالاختلاف إلى حد ما ولكن نتيجة هذا الارتباط الوجودي ستستمر بعض الأطراف في استخدام المصطلح.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل