تصنيف الجامعات: ورقة الغرب في الهيمنة العلمية وسرقة الكفاءات

الإثنين 11 أيلول , 2023 01:38 توقيت بيروت دولــي

الثبات ـ دولي

اتّهم رئيس جهاز الاستخبارات الروسية الخارجية سيرغي ناريشكين الغرب بالغش بتصنيفات الجامعات دولياً، وبعرقلة تقدّم النظم التعليمية لدولٍ كثيرة ولا سيّما في آسيا وأفريقيا، ما يسهّل اصطياد الشباب الموهوبين من هناك. 

قضيةٌ جديدة تطرحها موسكو على مسرح التداول العالمي، وهذه المرة ترتبط بمسألةٍ شديدة الأهمية وهي التعليم الأكاديمي، حيث تبدأ من هناك الهيمنة العلمية على العالم. 

لافتٌ جداً ما أدلى به رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين خلال مشاركته في "مؤتمر الاستعمار في الشرق وتأثيره على العالم الحديث"، فقد شدّد على أن الغرب بسبب عدم احترامه للثقافات الأخرى، وقناعته بتفوّقه يتّخذ خطواتٍ خاطئةٍ جداً تهدف إلى الحفاظ على مكانته المميزة المزعومة، والترجمة العلمية لذلك هي الغش في تصنيفات الجامعات، بهدف اصطياد الشباب الموهوبين من أفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى إعاقة النظم التعليمية في دول هذه القارات.

يعتمد الغرب لإنجاح استراتيجيته في الهيمنة على قطاعي التعليم والعلوم مسارين جوهريين، الأول يقوم على بذل جهودٍ حثيثةٍ لإبقاء مؤسسات التعليم والثقافة الوطنية في الدول الأخرى في تخلّفٍ وجمود، ومهما قيل عن مساعداتٍ وتمويلاتٍ تبقى في حقيقة الأمر أقرب إلى الفولكلور.

واقعٌ يعزز عجز ووهن سياسات التعليم الوطنية، ويُجبرها تالياً على الارتباط بمؤسسات الغرب ومناهجه وقيمه.

بينما المسار الثاني يقوم على توهين وتيئيس الجامعات في آسيا وأفريقيا وغيرهما، وتصنيفها باستمرار في مستوياتٍ مخفضة وفقاً لمعاييره التي يشوبها الغش أحياناً، لخلق ظروفٍ ضاغطةٍ تدفع الشباب إلى هجرة التعليم، أو توجّه المتفوقين منهم الى الجامعات الغربية. 

بهذا الأسلوب يجري تحويل عددٍ من المجتمعات غير الغربية إلى جهاتٍ مصدّرةٍ قسرياً للمواهب الفكرية والذهنية. 

مسؤولية الغرب المزدوجة هنا لا تُعفي وزارات التعليم والحكومات في الدول المنهوبة الطاقات العلمية، من الجريمة العلمية المرتكبة منذ أجيال، فالتعليم في كل مستوياته في أدنى اهتمام، وتكاد أكلافه لا تُلحَظ في الميزانيات العمومية وبرامج التخطيط، فيما اندثر البحث العلمي تقريباً.

في المقابل تتولى برامج المنح وسياسات الترغيب في الغرب مؤسساتٌ خاصةٌ وحكوميةٌ، وبميزانياتٍ هائلة مهمتها نصب الفخاخ للعقول والمواهب والطاقات العلمية والثقافية، لدفعها إلى مغادرة بلدانها والاستقرار في الجامعات الغربية، حيث المصيدة الكبرى. 

عن معايير التصنيف الغربي للجامعات الأكاديمية بالشكل والسياسية بالمضمون، قال محلل الميادين للشؤون الأوراسية والدولية مسلم شعيتو، إنه " تبيّن في الفترة الأخيرة، للكثير من دول العالم الثالث أن الغرب يضع المعايير انطلاقاً من أهدافه، وأحلامه وقيمه، التي تسعى إلى سرقة كل العقول.

وأضاف شعيتو أن هدف الغرب  الأساس هو "ضرب التعليم في الدول الأخرى"، بالتالي هذا يعزز الرأي القائل أن المعايير التي يضعها الغرب هي فعلاً سياسية بامتياز. 

أما عن أسباب تفوق الجامعات الأميركية، وقدرتها على اجتذاب الطلبة المتفوقين من دول العالم أكد محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية منذر سليمان، أنه منذ الحرب العالمية الثانية، وما بعدها، أصبحت الجامعات إحدى الأذرع الأساسية للنفوذ الأميركي التي استطاعت الولايات المتحدة، من خلالها عبر الإنفاق الكبير على التعليم، والتقاليد الأكاديمية العريقة خلق هذه السمعة العالمية.

بالإضافة إلى الدور البارز الذي أدته السفارات الأميركية، في محاولة رصد الكفاءات العلمية والأكاديمية التي تنمو، ومحاولة جذبها وتسهيل هجرتها للولايات المتّحدة.

ويشير محلل الميادين للشؤون الاقليمية والثقافية سليم بوزيدي أن الوقت قد حان لمناقشة ومراجعة الصورة الذهنية عن تفوّق الغرب المطلق معرفياً ومؤسساتياً، ويضيف أن السؤال الأهم لنا هو "هل نمتلك الأدوات المعرفية والمنهجية وحتى التقاليد العلمية التي تمكّننا من خلق بيئة تستطيع أن تناقش مثل هذه الأسئلة الكبرى؟ 

ويتابع بوزيدي "نستطيع أن نقول بكل أسف، أننا نفتقد في المنطقة العربية البيئة المهنية والأكاديمية والمعرفية، سواءٌ من ناحية جودة التعليم، أو طريقة التوظيف، أو الكادر"، قائلاً "نحن في ذيل الترتيب". 

من جهته يرى شعيتو أن روسيا "تورطت في انخراطها في المعايير الغربية رغم إدراكها لعدم موضوعيتها، وهدمت كل ما تمتلكه من تراث علمي وتقني وأساليب في علاقاتها مع تطوير العلوم".

ويضيف شعيتو أنه منذ سنة تقريباً سجل موقف لافت لروسيا برفضها كل هذا النظام التعليمي الغربي السابق، وبدأت تعود إلى نظامها، الذي أثبت نجاحه أيام الاتّحاد السوفياتي، بإعادة تصنيع دولة تهدمت أثناء الحرب العالمية الثانية، في فترة أربع سنوات".

ويتحدث سليمان عن إمكانية بروز الصين كمنافس أكاديمي للولايات المتّحدة، وتحقيقها تفوقاً في حقل التعليم العالي، قائلاً "كما كان هناك حلم الأميركي، فإن هناك حلم صيني يتبلور من خلال تركيز الصين على خلق بنية تعليمية قوية، وإرسال أعداد هائلة بالآلاف من الطلاب للولايات المتّحدة للدراسة في جامعاتها، بالإضافة الى تقديم الصين لمنح على المستوى الدولي".

ويشير سلمان إلى "الحجم الهائل للأوراق البحثية الذي تنتجه الصين والبالغ 400 ألف ورقة بحثية صينية، والتي تكاد توازي الولايات المتّحدة، عدا عن الاهتمام الصيني بالتقنية العالية ". 

وعن فشل الدول العربية ودول الجنوب عموماً في الاستثمار في طاقاتها ونخبها الأكاديمية المبدعة، عزا بوزيدي ذلك "إلى غياب البيئة السياسية والمهنية أو حتى القرار للاستفادة والاستثمار في هذه الطاقات" مضيفاً، "ما أن توفّرت الإرادة السياسية، والبيئة المهنية الأكاديمية الحقيقية، فإنّ الإبداع والكوادر موجودة لدينا". 

وأسِف بوزيدي "لغياب الرؤية الاستراتيجية للتعامل مع أهم قضية، وهي احترام المعرفة وقدسيتها".

وعن دور التعليم والجامعات في الصراع العالمي يرى شعيتو: أن الغرب يسعى لاعتبار التعليم أساساً في الصراع الدولي، وضرب القطاع التعليمي والمؤسسات التعليمية البحثية في العالم، كهدف استراتيجي، ويستشهد بما فعله الغرب حين اختلف مع روسيا التي كانت تصنف الكثير من جامعاتها في المئة الأولى من الترتيب العالمي، إلا أنها بعد الخلاف أصبحت خارج هذا التصنيف، في المئة الثانية أو الثالثة.

وعن أهمية الإنفاق على البحث والتطوير العلمي في تعزيز المكانة الأكاديمية للدول يرى سليمان "أنه أحد الركائز الأساسية للتطور التعليمي والمعرفي"، ويضيف أن "البنتاغون يُعدّ موازنات لمشاريع بحثية للجامعات الأميركية، كجزء من ميزانيته، بمبالغ تصل إلى خمس مليارات دولار، كجزء من التعاون المشترك، الذي سهّل إنتاج العديد من أنظمة الأسلحة، أو التقنيات التي تُستخدَم في المجال العسكري".

ويؤكد سليمان أن 400 مليار إلى 500 مليار في أميركا والصين يتم إنفاقها على البحث العلمي. لافتاً أنه "لو نظرنا الى الدول العربية وحتى الغنية منها، فسوف نجد تصنيف السعودية 41 بقائمة الدول التي تُنفق على البحث والتطوير 

وعن المعركة الغربية لاستنزاف الكوادر والأطباء في العالم العربي وكيفية مواجهتها، لفت بوزيدي أن "الدول المغاربية تخسر سنوياً الآلاف من خيرة أبنائها لصالح الدول الغربية وتحديداً فرنسا، مؤكداً أن "الرقم الرسمي الفرنسي يتحدث عما بين 8000 إلى 15000 ما بين طبيب وطبيبة متخصصين، بعضهم الآن مدراء مستشفيات ورؤساء أقسام، كلهم درسوا في الجامعات الجزائرية بالأموال الجزائرية بالخبرات الجزائرية، لكن للأسف الشديد خسرتهم المنظومة الصحية، خسرتهم المنظومة الأكاديمية". 

لأنهم في منتهى البساطة "لم يجدوا البيئة المناسبة، فاختاروا البيئة الأفضل"، ويؤكد أن "المشكلة بالأساس هي مشكلة رؤية سياسية في المقام الأول"، ويشير إلى أن "بناء دولة قوية يحتاج جامعة قوية ومدرسة قوية، وهذا يتحقق عبر إعادة الاعتبار للمعلم، والمنظومة التربوية". 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل