غزة.. محطة في حروب المنطقة ــ عدنان الساحلي

الجمعة 24 أيار , 2024 11:50 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
منذ نكبة فلسطين وتشريد القسم الأكبر من شعبها وحلول الصهاينة مكانهم، لم يظهر الموقف الرسمي العربي بمثل هذا الانكشاف والوهن والتواطؤ، على رغم الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين، والتي اودت حتى اليوم بما يزيد عن الأربعين ألف شهيد ومفقود، وأكثر من ثمانين الف جريح خلال سبعة أشهر، فيما سجون العدو الصهيوني تعج بآلاف المعتقلين والمسجونين من شتى أنحاء فلسطين.
وهذا الانكشاف المخزي في مواقف معظم الحكومات العربية، هو أكثر المشجعين للوحشية "الإسرائيلية" في ممارسة حقدها ودمويتها بحق الفلسطينيين. كما ان هذا السكوت العربي في واقعه هو الوجه الآخر للحروب والمخططات التي وضعت للمنطقة، وكان يجري تنفيذها باقل قدر من الصخب، فجاءت حرب غزة لتكشفها وتضعها أمام محك الحقيقة وصراحة الوقائع.
أبرز ما كشفته حرب غزة أن التطبيع كان يجري على قدم وساق بين بعض البلدان العربية والكيان الصهيوني، في تجاهل كامل للقضية الفلسطينية وحقوق شعبها، وما حديث تلك البلدان المطبعة عن ربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينية إلا ذراً للرماد في العيون، فلا الكيان المعادي يقبل بها، بل هو لا يقبل بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس، وهو يستكمل على مراحل، عملية تهجير الفلسطينيين إلى خارج وطنهم. ولا الدول العربية المطبعة في وارد الخروج على الإرادة الأميركية و"الإسرائيلية" من أجل قضية فلسطين، فتلك الدول ربطت وجودها كأنظمة وحكام بشرط الحماية الأميركية و"الإسرائيلية" لها، وهذا التطبيع سيكون سبباً في تسعير حروب المنطقة؛ وليس إنهاؤها، لأن قطار المطبعين ينوي اجتياح كل ما يعترضه، فيما معارضوه مصرون على المقاومة والمواجهة، وما حرب غزة وحروب مساندتها إلا وجه من وجوه هذا الصراع. وما شهدته بلدان عربية من تدمير وتخريب وتفتيت تحت شعار "الربيع العربي"؛ وكذلك ما شهده لبنان من حرب إخضاع مالي وسياسي، لفرض الحاقه بالمطبعين، ولإجباره على التخلي عن مقاومته، ما هو إلا تظهير لسياسة محور التطبيع والتبعية العربي؛ وللمخططات الأميركية و"الإسرائيلية" على مستوى المنطقة.
ويتبدى هذا الأمر في لبنان، في تحشد بعض الجهات والوجوه الصفراء، خلف كلمة سر أميركية هي القرار 1701، فهذا القرار كما يصفه كثيرون، هو وجه من وجوه إحياء اتفاقية 17 أيار، التي أسقطها اللبنانيون بدعم من سورية والمقاومة الفلسطينية، ويراد من إعادة طرحه فرض شروط "إسرائيل" على لبنان، خصوصاً أن الأخيرة لم تنفذ الشق المتعلق بها من ذلك القرار ولا تقبل تنفيذه.
كذلك، فإن جبهات المساندة لغزة، هي بوابات حرب مقبلة، فلا المساندون في وارد التراجع امام الهجمة الأميركية - "الإسرائيلية" - التطبيعية العربية؛ ولا الأميركي سيتوقف مسعاه لتسليم المنطقة العربية لتحالف عربي -"إسرائيلي"، يقوم بسد فراغ التفرغ الأميركي المقبل للصراع مع التنين الصيني، الذي تضخم اقتصادياً وعسكرياً وبات يشكل خطراً على الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم.  
ولو أضفنا الحدث الإيراني، المتمثل باستشهاد الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومرافقوهما، في حادث تقني، لكن لو كشفت الأيام عن أنه حادث جنائي، ناجم عن عمل عدائي خارجي، فإن الرد الإيراني سيحصل لا محالة، مثلما ردت إيران على التحرش "الإسرائيلي" بها، باستهداف الكيان الصهيوني بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة.
أما من الجهة المصرية، فقد أحرجت حرب غزة والفظائع "الإسرائيلية" المرتكبة فيها، الحياد المصري القائم منذ عقد اتفاقية "كمب ديفيد"، فالأمن المصري بات على المحك أكثر من أي وقت مضى. ولم تعد غزة منطقة عازلة بين مصر وكيان العدو، والفرعون تحوتمس الثالث قاد جيشه منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، الى قادش، قرب مدينة القصير السورية، لقتال الحثيين، لأنه كان يعتبر أن الأمن القومي المصري (وليس العربي الأوسع مدى) يبدأ في شمالي سورية.
ولو أضفنا انتفاضة معظم شعوب العالم وطلاب جامعاتها، دعماً للحق الفلسطيني ورفضاً للجرائم "الإسرائيلية" وللهيمنة الأميركية، فإن المنطقة والعالم في خط بياني متصاعد، لتأكيد الإرادة الوطنية لكل شعب، في التخلص من التبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية خصوصاً وللغرب عموماً. وكما قيل دائماً: "ما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل