الضفة الغربية: نحو حرب "الدولتين" ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 03 أيلول , 2024 10:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

منذ عملية طوفان الأقصى، وبدء العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة في الثامن من أكتوبر الماضي، لم تعُد الضفة الغربية ميزان الثقل الفلسطيني لما كانت تُعرف بإتفاقية "أوسلو"، والسلطة الفلسطينية في رام الله وجدت نفسها في بداية العدوان على غزة مُحرجةً أمام الشارع المدني الفلسطيني في الضفة الغربية، الذي "تعسكر" بعد أشهر قليلة، على خلفية الخسائر الجسيمة في أرواح المدنيين داخل القطاع، ولو أن السلطة بقيت حتى آخر رمق متمسكة ببقايا "أوسلو" لجهة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، كي لا تخسر موقعها على المستوى السياسي الدولي، كممثل للشعب الفلسطيني، من منطلق أن الضفة والقطاع جزء من دولة فلسطين، رغم ترداد نتانياهو لعبارة "لا حماس ولا عباس" في غزة، الى أن انتقل العدوان الى شمال الضفة، وبشكلٍ خاص جنين وطولكرم وطوباس، ولامس أريحا وحتى رام الله، بذريعة اعتقال وقتل مَن تعتبرهم الحكومة الصهيونية "إرهابيين".

ومن مدن وبلدات الشمال اشتعلت مدينة الخليل في جنوب الضفة يوم الأحد الفائت بعمليتين نوعيتين: تفجير سيارتين على حدود الخط الأخضر مع المستوطنات الصهيونية ومناطق عرب 48،  وعملية اغتيال ثلاثة جنود "إسرائيليين"، لاحقت سيارتهم سيارة فلسطينية، وقد سبق وذكرنا أن اللعب بالنار مع الضفة الغربية لا يشبه قطاع غزة الخالي من المستوطنات "الإسرائيلية" منذ العام 2005، وما التداخل الديموغرافي بين المدن والبلدات الفلسطينية مع المستوطنات الصهيونية سوى صفيح ساخن ستدور فوقه حرب المواجهات المباشرة.

ورغم أن المقاومة في الضفة الغربية لا تُقاس بقطاع غزة لجهة العديد والعتاد، لكن الاختلاط الحاصل بين العرب واليهود في الضفة، لم يكن ضمن البنية السكانية في القطاع، ولذلك أرسلت "إسرائيل" قواتٍ الى الضفة، بلغت لغاية الآن ثلاثة أضعاف تلك التي أدخلتها الى القطاع، لأن المواجهات ستكون أخطر أقسى وأشرس، ووجهاً لوجه، وربما بالسكاكين والسلاح الأبيض.

والمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية تحميها الجدران العالية التي تعزلها عن الجوار الفلسطيني، وإذا كانت بعض هذه المستوطنات بعيدة عن المدن والبلدات الفلسطينية، فإن الطرق المؤدية إليها تمر داخل أو قرب هذه المدن والبلدات، وتحصل يومياً مواجهات فردية، لكن المستوطنات "المعتدية" على حرم المدن والبلدات الفلسطينية هي التي ستحصل فيها المواجهات الكبرى، ويعتمد فيها العدو "تكتيك السير في الجدران" في البيوت الفلسطينية المتلاصقة، بحيث "لأسباب أمنية وخوفاً على الجنود" يعمد الجيش الصهيوني الى الانتقال من بيت فلسطيني الى آخر، عبر استحداث فجوات في الجدران الداخلية للمنازل، لتفادي هجمات الفلسطينيين؛ كما يحصل في مخيم جنين حالياً.

وهناك قواسم مشتركة بين ما يحصل في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو أن "إسرائيل" التي عثرت على جثث ستة رهائن لها في جنوبي رفح، جعلت من أنفاق محور فيلادلفيا ذريعة للبقاء فيه لغاية الآن، وتعتبر أن أنفاقه الافتراضية مع مصر هي التي عززت قدرات حماس العسكرية، وأن هذه الأنفاق كانت السبب في عملية "طوفان الأقصى"، وبما أن مصر قد ابتلعت لغاية الآن مسألة سيطرة "إسرائيل" على محور فيلادلفيا، فإن الأردن سيبتلع تهجير فلسطينيي الضفة الغربية إليه، وبذلك يتهيأ لناتنياهو إنهاء مقولة حل "الدولتين"، ويستفيد من دعم صديقه ترامب بتوسيع أراضي "دولة إسرائيل" لتشمل قطاع غزة الذي تمّ تعيين مسؤول "إسرائيلي" لإدارة شؤونه المدنية، وإخضاع الضفة الغربية لحكم مدني مماثل، بعد إقصاء سلطة رام الله عن ممارسة أية صلاحيات في الضفة.

نتانياهو نجح لغاية الآن على المستوى الداخلي في التسويق لحرب "النصر الشامل" على "مَن ارتكبوا هولوكوست العصر" بسكان مستوطنة صهيونية في غلاف غزة، ونجح أيضاً في استقطاب تأييد الرأي العام "الإسرائيلي" لحرب إبادة بحق الفلسطينيين والقضاء على حلمهم بدولة مستقلة ذات سيادة، وهذا لن يتحقق قبل قضم الضفة الغربية، أو على الأقل استعادة السيطرة عليها أمنياً وليس عسكرياً، لأن السيطرة العسكرية تعني تهجير أربعة ملايين فلسطيني الى الأردن، بينما السيطرة الأمنية تربض على صدورهم وعلى نمط يومياتهم، والاعتماد على مضايقتهم، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وضرب بناهم التحتية، ومن ضمنها المستشفيات، لإيصالهم إلى مستوى اليأس والتفكير بالانتقال إلى الأردن، تحت ذريعة الهجرة المؤقتة، والمؤقت في هذا النوع من الصراعات القومية يصبح دائماً، لاسيما بعد سقوط ما يقارب 41 ألف شهيد ودمار القطاع والانتقال لتدمير الضفة.
الضفة لن تكون لقمة سائغة للجيش الصهيوني، لا على المستوى السياسي، كونها تحمل رمزية سيادة السلطة الفلسطينية، وهذا ما يتعارض مع القرارات الأممية والإجماع الدولي، حيث تعترف 149 دولة بوجوب قيام دولة فلسطينية، ولا على المستوى العسكري، حيث تنتفي عن الضفة صفة الاعتداء على أمن "إسرائيل" في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس وفصائل المقاومة في غزة، وبذلك يكون تكتيك النهج الذي قد يعتمده الجيش "الإسرائيلي" لمحاولة احتواء الضفة وتطويعها تمهيداً لتهجير أهلها، بعيداً جداً عن تحقيق استراتيجية التوسعة "الإسرائيلية" على حساب فلسطين والأردن، لأن الأردن - أسوة بمصر - رافض لتهجير الفلسطينيين إليه، ما لم تقرر أميركا ذلك في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

والحلقة الأخيرة من مسلسل التهجير القسري للفلسطينيين لن تكون نتيجته في الضفة أفضل من غزة، وكما يحمل الغزيُّون خيامهم من الشمال الى الجنوب، وبالعكس، تحت وطأة العدوان، هكذا سيفعل أبناء الضفة الغربية، مع وجود فارق؛ أن الفلسطينيين في غزة ما طالت أياديهم المحيط اليهودي حولهم، بينما الضفة قادرة من خلال التقارب الجغرافي مع المستوطنات على إيذاء المستوطنين وتهديد أمنهم الذاتي، وحرمانهم من ممارسة أعمالهم وحياتهم اليومية.

وإذ يعتقد نتانياهو أنه عبر  تعيين مسؤول صهيوني لإدارة الشؤون المدنية لمليوني فلسطيني في قطاع غزة، يرفضون مغادرة أرضهم لا إلى سيناء ولا إلى سواها، فإن الجيش "الإسرائيلي" اعترف أكثر من مرة بعجزه عن التواجد داخل القطاع في حالة "شبه احتلال"، فإن الضفة الغربية تترامى على مساحات من سهول ووديان وعوائق طبيعية كثيرة، مع كثافة سكانية متداخلة مع المستوطنات، والمقاومة فيها تعتمد على تكتيك "الانقضاض"، ولن يهنأ لمستوطن "إسرائيلي" العيش، لأن ثأر الدم في قلوب الشعب الفلسطيني قد نضجت فكرته وخططه اللازمة، والضفة الغربية ذاهبة إلى حرب الدولتين، والى معارك لا نهاية لها قبل تقرير المصير، والفلسطيني الذي يُقهر منذ العام ثمانية وأربعين، وقدّم في العدوان على غزة ما يفوق أربعين ألف شهيد، سيحرم "الإسرائيلي" من العيش بأمان أربعين سنة مقبلة، وستة ملايين فلسطيني ما بين غزة والضفة الغربية لا بد لهم من وطن، حتى ولو استغرق الصراع أربعين سنة ضوئية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل