القِمَّة الروحية التأمت حَرَجاً.. فمتى يلتئم السياسيون خجلاً؟ _ أمين أبوراشد

الخميس 17 تشرين الأول , 2024 11:29 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

وأخيراً اجتمعوا، ربما كان يجب أن يلتفُ حزام النار على عنق لبنان، ليُعلن رؤساء الطوائف فيه التفافهم، لكننا مع الأسف، مع بهجتنا بِجَمعَتِهم في بكركي، قرأنا البيان الختامي الذي جاء كما بيانات القِمَم العربية أو الأمم المتحدة، وهو أقرب الى قصائد الشعر المنثور، ووجدانيات في غير موقعها، ولم نجِد على الأقل بنداً انتظرناه؛ بتشريع أبواب كل معابد وقاعات الثماني عشرة طائفة لإيواء وإغاثة النازحين ونحن على أبواب الشتاء.

ومع توجيه تحية التقدير والاحترام لكل رجل وعالم دين؛ مسيحياً كان أم مسلماً، بادر فردياً، بالتعاون مع المؤسسات الأهلية النبيلة للقيام بالواجب الوطني المقدس، فإن المدنيين اللبنانيين أفراداً وجماعات تحركوا كما الرُسُل لأداء واجب يُقارب القداسة، رغم الصعوبات المادية والميدانية القاسية.

ولأننا من خلف سواد الدخان، رأينا مشهديات تضامن شعبية لبنانية تُدمِع العيون فخراً، نتساءل عما إذا كان هؤلاء الأنقياء ينتمون في المِحَن إلى ثماني عشرة طائفة، أم أنهم وإن اختلفوا سياسياً أو حتى وطنياً، جمعتهم طائفة الإنسانية التي يندُر وجودها في مجتمع طائفي طوائفي سوى لبنان.

وكي نكون أكثر صراحة أمام رؤساء الطوائف، فإن وضع بضعة ملايين لبناني مقيمين على الأرض اللبنانية، أنهم باقون في لبنان لأن معظمهم غير مُرِيدين أو غير قادرين على المغادرة لأكثر من سبب، ووضعهم جنوباً سيكون في أسوأ الأحوال كما وضع مليوني فلسطيني في قطاع غزة، وأربعة ملايين في الضفة الغربية ولكن، لا بُدَّ لهذه الملايين من "يوم تالٍ"، وإذا كان اليوم التالي لم يتحدد لا في القطاع ولا في الضفة الغربية، بعد مرور سنة على عملية "طوفان الأقصى" وبدء الحرب، لانتفاء وجود هيئة معنوية للدولة الفلسطينية الموحَّدة، فأين هي بقايا الهالة السياسية للدولة اللبنانية من دستورها، الذي أوجد لها الحلول كلما "دخلت في الحائط"، بعد أن دخل كل الوطن اللبناني بالحائط، قبل العدوان على غزة وقبل عملية إسناد غزة؟

كل المطلوب من الطبقة السياسية بعضٌ من خجل، خصوصاً تلك المنتخبة من الشعب اللبناني، فلا اللقاءات الثنائية تُغني عن مجلس النواب، ولا طريق عين التينة تبدو أنها توصلهم الى ساحة النجمة، والمشكلة باتت أكثر تعقيداً بعد تفاقم العدوان، لأن بعضهم ينطلق الآن من حيثية جديدة في الرهان على مرحلة "ما بعد حزب الله"، وهو على عجلة من أمره في هذا السبيل، ويعتقد ربما أنه من السهل فرض "رئيس مظلِّي" يهبط على لبنان بدل أن يركب دبابة كما في العام 82، وهذا ما لا يُمكن أن يتوفَّر، لا الآن ولا في المستقبل القريب، خصوصاً أن صانع الحروب الأميركي منشغل بنفسه وبقدوم رئيس إلى البيت الأبيض، وفي هذا الوقت كل الغرف السوداء لديه مُقفلة بوجه المتسوِّلين للسيادة.

ولا نريد استباق نتائج الميدان العسكري، لنرصُد التداعيات الآتية، لأن هذه الطبقة السياسية الصدئة مرتاحة لوضعية "مكانك راوح"، وتحديداً المجلس النيابي بصفته السلطة الرسمية الوحيدة الباقية، بعد كوما المجلس الدستوري والقضاء بكل تفرعاته، والميدان العسكري دخل على الأقل في حرب استنزاف طويلة، ورجال المقاومة لديهم خارطة طريق ولا ينتظرون إملاءات سياسية من أحد.

كل ما هو مطلوب من الطبقة السياسية أن تحسِم أمرها ولا تربط نفسها بأي حسم عسكري قد يحمل لها مفاجأة ما، لأن الرَغي بعبارة "رئيس توافقي" مضى عليه لغاية الآن أكثر من سنتين، وهذا الرئيس كائناً ما كانت صلاحياته بعد الطائف، فهو على الأقل رأس الدولة في هذه المرحلة الوطنية الخطيرة، وبات انتخابه يحمل صفة "العاجل جداً"، ولو على طريقة "قصقص ورق ساويهم ناس"..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل