مصير جبهات المقاومة في ظل طوفان الأقصى

السبت 16 كانون الأول , 2023 11:07 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

قامت المقاومة الإسلامية اللبنانية بمواكبة الزلزال الإستراتيجي الذي وقع صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، في استجابةٍ سريعةٍ للمتغيرات العميقة والمفاجئة التي هزَّت الإقليم برمَّته. 

وفي إثر ذلك، اتخذت قراراً شجاعاً بتسخين جبهة جنوب لبنان، وكانت الغاية زيادة مخاوف الأميركي من توسع دائرة الحرب مع مرور الوقت، كما حذَّر أكثر من مرةٍ وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران حسين أمير عبد اللهيان، لا أن تؤدي إلى نتيجةٍ عكسيةٍ بإيجاد انطباعٍ لدى المقاومة الفلسطينية بتردُّد الحلفاء في تبنِّي خيار توسيع نطاق المعركة، كما أصبح يتواتر عن قيادات الفصائل الفلسطينية، فهل بات من الضروري أن تعيد المقاومة الإسلامية النظر في تكتيكاتها الحربية المتبعة حتى اللحظة في إدارة المواجهة الراهنة؟

إن مقاربة المسألة من زاوية عدد شهداء المقاومة الإسلامية، وحجم التضحيات والخسائر في الجبهة اللبنانية، تعد سفسطةً في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ أمَّتنا ومقاربةً عقيمةً تتجاهل لب القضية، حالها في ذلك حال تلك المقاربات التي تنطلق من التشكيك في مصداقية المقاومة، ومدى التزامها بالدفاع عن المسجد الأقصى والحقوق العربية والإسلامية، إذ إن المقاومة الإسلامية كانت قد أعلنت عن هدفين رئيسين للعمليات الميدانية: تخفيف الضغط عن جبهة الحليف في قطاع غزة، وإجبار العدو خلال وقتٍ معقولٍ على القبول بوقف إطلاق نارٍ مشرِّفٍ يلبي شروط المقاومة الفلسطينية.

لكن هذه الحرب تدخل يومها السبعين، لتغدو بذلك أطول حربٍ يخوضها الكيان على الإطلاق في تاريخه، ولا مؤشرات جدية حتى اللحظة على قرب وقف إطلاق النار، رغم التباين السياسي الذي ظهر مؤخراً بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحكومة العدو، والذي يظل محصوراً بالشق السياسي، ولا يتخطاه إلى الجانب العسكري وأهداف العدوان، فمِن الواضح أنَّ الأميركي لا يزال مطمئناً – بدرجةٍ مقبولةٍ – إلى فاعلية الردع الذي أحدثه إرسال أساطيله البحرية إلى شرق المتوسط. 

لذلك، فإن المقاربة العقلانية للقضية تبدأ من تقييم مدى خدمة العمليات الميدانية لتحقيق الهدفين الرئيسين اللذين حدَّدتهما المقاومة الإسلامية. وإذا ما كانت التكتيكات الحربية الراهنة تفي بهذا الغرض، فالنتيجة النهائية التي تصبو لها قوى المقاومة قاطبةً تتمثَّل في ربح هذه المعركة المصيرية التي سترسم نتيجتها مستقبل تلك القوى مجتمعةً. أما الباقي، فيدخل ضمن إطار التفاصيل.

يعد العدوان الذي يشنُّه الكيان الغاصب حرب إبادةٍ جماعيةٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد اجتمع فيه ثلاثةٌ من أعتى الجيوش في العالم – الجيشان الأميركي والبريطاني وجيش الاحتلال – ضدَّ مقاومةٍ محاصرةٍ حصاراً خانقاً دام أكثر من 17 عاماً، خاضت خلالها المقاومة ما يزيد على 4 حروبٍ، كانت كفيلةً باستنزاف وهزيمة دولٍ عظمى وجيشٍ عرمرم، وضدَّ قطاعٍ صغيرٍ ذي طبيعةٍ جغرافيةٍ منبسطةٍ وساحليةٍ، ولا يملك أي خطِّ إمدادٍ، بمعنى أن استمرار صموده بعد 70 يوماً يعد معجزةً حقيقيةً بحسب كل الظروف المادية.

إن التعاطي مع الصمود على أنه مجرد شعارٍ لفظيٍ، لا باعتباره عملاً سياسياً له مقوماته الموضوعية، إضافة إلى كونه عملاً "يستهدف بالدرجة الأولى إفقاد العدو قناعته بتحقيق أهدافه، وبأن إطالة الحرب تصب في مصلحة الطرف الأضعف"، يعد خطأً جسيماً ورهاناً خطيراً يمكن أن يحصر نتائج الصمود بالآثار المعنوية على المدى البعيد، بدلاً من أن يحقِّق إنجازاً عملياً في المدى المنظور، ناهيك بإمكانية تحول الصمود إلى نكسةٍ في هذه الحالة، فكيف يصير الأمر إذا ما أخذنا بالحسبان الوضع الإنساني المفجع في قطاع غزة؟ من الممكن بقدرٍ ما الرهان على صمود المقاتلين، لكن لأي مدى يمكن الرهان على صمود الحاضنة الشعبية في ظل وجودها في رقعةٍ جغرافيةٍ ضيقةٍ لا مكان حتى للنزوح فيها؟ لذلك، يمكن القول إنه بات من الضروري إعادة النظر في التكتيكات الحربية المتبعة حتى اللحظة في إدارة المواجهة الراهنة.

لم يَعُد خافياً على أحدٍ بعد 70 يوماً بأن الأميركي هو مَن يقود فعلياً دفة الحرب، وأنَّه مَن بيده وقفها أو استمرارها، ولم تعد خافيةً أيضاً خشية الأميركي من توسُّع نطاق المعركة بشكلٍ أكبرٍ يهدِّد مجمل مصالحه الإستراتيجية في المنطقة.

لذلك، ربما يكمن الطريق الأقصر والأقل كلفة على جميع الحلفاء في قوى المقاومة من أجل الوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار في التلويح بصورةٍ أكثر جدِّيةٍ بتوسيع نطاق الحرب، ولن يتأتى هذا دون تغييرٍ نوعيٍ في تكتيكات إدارة المعارك الحالية، وبالعمل ضمن إستراتيجية "لا نريد الحرب لكن لا نخشاها" بصورةٍ فعليةٍ، فهل تنجح قوى المقاومة في اللعب على حافة الهاوية كما فعلت في محطاتٍ سابقةٍ؟

لقد غدت وحدة جبهات المقاومة أمراً واقعاً لا مفر منه بعد طوفان الأقصى، إذ أصبح مصير تلك الجبهات، ولا سيما جبهتي لبنان وفلسطين، مترابطاً عضوياً أكثر من أيّ وقت مضى، وذلك بمعزلٍ عن أي اعتباراتٍ أخرى أو أي تنسيقٍ سابقٍ، فالنتيجة النهائية للمعركة الدائرة في قطاع غزة سوف ترسم مستقبل المنطقة برمتها، وتحدِّد مدى حضور حركات المقاومة إقليمياً وداخلياً في مشهد ما بعد الحرب، ناهيك بحضور دول محور المقاومة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وعلى هذا الأساس وحده ينبغي مقاربة الأمور، وذلك حتى لا نتوه في السفسطة والتفاصيل بعيداً عن الأهداف الإستراتيجية للمعركة الحالية. ولعل أي كلفةٍ تُقدِّمُها قوى المقاومة، مهما بلغ عظمها، لن توازي بحالٍ المجازفة بضياع إنجازات عملية طوفان الأقصى، ولا سيما أن النصر بات قاب قوسين أو أدنى.

 

 

 

عمرو علان ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل