البلد لن يطير ولكن .. كي لا يطير الحُلم

الإثنين 14 كانون الثاني , 2019 11:24 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

سيدي فخامة الرئيس،

من حقِّي كمواطن لبناني أن أخاطِبُك، رغم أن مقالتي لن تٌقدِّم أو تؤخِّر في بلدٍ نختلف فيه حتى على أغنية، وإذا كان البعضُ منا مع "طار البلد" أو ضِدَّها، فنحن مع الحُلمِ الساكن قفص وجداننا والممنوع من الطيران، لأننا نرى فيك الظاهرة الإستثنائية، والفرصة الأخيرة، ليس فقط لأنك فخامة الآدمي، بل لأنك يا سيدي مُفارقة مُمَيَّزة بأنك أكثر الرؤساء مسيحيةً وأعظمهم على امتداد المشرق، وأكثر الرؤساء الموثوقِين لدى المُسلِمين، منذ ما قبل انتخابك، وخلال فترة سنتين ونصف لإنتخابك، وصولاً الى ارتقائك سُدَّة الرئاسة نتيجة تفاهم مسيحي إسلامي على وطنيتك وحكمتك ومواقفك السيادية الصلبة.

يُحاول "المزارعجيون" عرقلة مسيرة الدولة التي شئتَ بناءها على أنقاضهم، سواء عبر عرقلة تشكيل أول حكومة بعد الإنتخابات التي أعلنتَ أنها ستكون بداية عهدك، أو عبر وضعِ العصيِّ في الدواليب عند كل خطوةِ إصلاحٍ وتغيير تُهدِّد هيكل مؤسسة الفساد التي بنُوها منذ التسعينات، وينزِل أزلامهم الآن في التظاهرات تحت مُسمَّيات مختلفة للهجوم على العهد الذي يكنِس بكل شفافية موبقات العهود السابقة.  

المشكلة يا فخامة الرئيس، ليست في نزول متظاهرين "مشبوهين" الى الشارع بذريعة أمور مطلبية، بل هي في نزول مستوى الخطاب السياسي بين القيادات السياسية والكادرات الحزبية ومن كل الأطراف، ليس فقط الى المستوى الأدنى، بل الى دَرك المُخاطرة بالعيش الواحد والسلم الأهلي، لأن بعض الشرائح من شبابنا اللبناني انزلقت كثيراً الى حضيض الحوار الشتائمي البغيض، وتتبادل عبارات الحقد والتهديد كلما غرَّد وزير من هنا ونائب من هناك، أو عند كل إطلالة إعلامية نارية لشخصية حزبية فيها من استعراض العضلات أكثر من القُدرة على الهيمنة الفعلية في بلد الديموقراطية التوافقية، والتيار الوطني الحرّ أولى من سواه بتهدئة الخواطر، عبر اعتماد الحكمة واستيعاب الآخر لتخفيف الإرتدادات عن العهد وهذا ما لا يحصل للأسف، لا بل بات البعض من "جماعة التيار"، يضعون جانباً "الكتاب العوني" وينزلقون الى الخطاب الميليشيوي وهذا مرفوض حتى من العونيين أنفسهم، لأن هذه التربية ليست تربيتنا.

نعم يا فخامتك، بعضُنا نحن أبناء مدرستك يُخطىء بحق العهد، وعدم القَصد في الخطأ ليس تبريراً:

- سبق لنا عبر جريدة الثبات بتاريخ 06/06/2018، وضمن مقالة بعنوان "وزراء الرئيس أوزار على الرئيس"، أن حذَّرنا الطامحين الى إعطاء العهد الثلث المُعطِّل في الحكومة، أن هذا الثلث ليس حاجةً ضرورية لرئيس وطني جامع مثل ميشال عون، وأن مَن أجمع عليه لبنان أنه "بيّ الكلّ" يستطيع أن يعتبر كل الوزراء من حصَّته، وهذا الإصرار على استمرار النقاش البيزنطي بعدد الوزراء المحسوبين على الرئيس، بات جدلية غير مُجدية، وحجَّة في عدم التشكيل الحكومي، بل بات "قميص عثمان" لكل من يرغب استقطاع الوقت من ولايتكم كي لا يحكُم ميشال عون.

- هناك جمرٌ تحت الرماد في العلاقة بين التيار الوطني الحر ومُكوِّن أساسي شيعي، وهذا الجمر "والع" منذ الحملات الإنتخابية الماضية، وخاصة في منطقة حسَّاسة مثل جزين وجوارها، ويجب أن نعترف، أنه كان بامكان التيار الحصول في جزين على نفس النتيجة دون شحن وتحدِّي، لأن جمر تلك النار ما زال يتوهَّج كلما استعرضنا عضلات انتصارنا هناك.

- أخيراً وليس آخراً يا فخامة الرئيس، إذا كان من لا يُريدون نجاح عهد ميشال عون قد كسِبوا رهان العرقلة لغاية الآن، فلأننا نحن سمحنا لهم باستدراجنا الى السجالات الإستفزازية التي تُحرِّك الشوارع، وليت قيادات وكادرات التيار الوطني الحرّ على هامش "خلوة عين سعادة" قد تنبَّهوا، أنه من واجبنا الإنسحاب من السجالات، وأننا بحاجة الى استلهام حكمتك الوطنية في احتواء الآخر قبل فوات الأوان، ووقف العنتريات ولو كان الآخر "يتعنتر"، لأننا نحن أم الصبي، ولأنك الحُلم الذي لا يجب أن يطير...

أمين أبوراشد


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل