الفراغ الرئاسي خير من حرب أهلية ــ عدنان الساحلي

الجمعة 09 آب , 2024 10:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تتساءل صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: "هل التحالف العربي بقيادة واشنطن جاهز لصد رد إيران القادم"؟ وتنقل عن مسؤولين أميركيين اعتقادهم ان الرد قد يكون "مفاجئاً وأوسع نطاقاً وأطول ومنسقاً من اتجاهات متعددة".
الصحيفة الأميركية، تذكّر من نسي، أو تناسى، أن هناك حلفاً عربياً – أميركياً - "إسرائيلياً" قائماً للدفاع عن "إسرائيل" ولمواجهة إيران والمقاومة، وقد اختبرنا وجود هذا الحلف عملياً عندما تصدت دفاعات دول عربية معروفة، للصواريخ وللطائرات المسيرة الإيرانية، خلال رد إيران على عدوان "إسرائيل" عليها، الشهر الفائت، بحجة أن تلك الدول تمنع استخدام اجوائها من قبل طرف لمهاجمة طرف آخر، متجاهلة أن أجواءها؛ وحتى أراضيها، التي تستقبل قواعد عسكرية أميركية، تستخدم من قبل أميركا و"إسرائيل" لضرب دول عربية أو مجاورة.
ولا ينأى لبنان عن هذا الواقع الأميركي، الذي يقول بشكل علني وبلسان الرئيس الأميركي وكبار مسؤوليه، خصوصاً بعد عملية "طوفان الأقصى" البطولية، التي فضحت هشاشة الكيان الصهيوني، الذي يحتل فلسطين: "أنا إسرائيل.. وإسرائيل أنا"، بل إن الرئيس الأميركي بايدن لم يتورع عن القول انه "صهيوني"، فيما وزير خارجيته بلينكن، خاطب "الإسرائيليين" المرعوبين من شجاعة وجرأة الفلسطينيين، أنه جاءهم داعماً ومطمئناً "باعتباره يهودياً وليس فقط وزيراً أميركياً".
هذا السرد ضروري لرؤية المأزق اللبناني بعدم القدرة على التوافق لملأ الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، على الرغم من مرور قرابة السنتين على مغادرة العماد ميشال عون قصر بعبدا. فبعض اللبنانيين المعروفين بعلاقتهم بالأميركي علناً، و"بالإسرائيلي" علناً وسراً، يضغطون بكل الوسائل لضم لبنان إلى "المحور الإسرائيلي"، الذي لم تنقطع علاقتهم به وبمشاريعه خلال مختلف مراحل المشروع الصهيوني، منذ أن كان "وكالة يهودية" إلى أن أصبح كياناً يقوم على أنقاض فلسطين ولحم وعظام ودماء وآلام شعبها.
هؤلاء المتصهينون سبق ان صرحوا بأنهم يريدون رئيساً للجمهورية يواجه المقاومة ويتخلص منها، طبعاً عبر الاستعانة بالعدو "الإسرائيلي" وحاميه ومسلحه ومموله الأميركي، فهم يرون أن وجود رئيس لا يؤيد المقاومة، سيخلّ بالتوازن الداخلي ويسمح لهم بشن حرب على المقاومة، والخطوة الأولى، الطبيعية، تكون بموقف سياسي لذلك الرئيس المزعوم، يتصادم فيه مع المقاومة، بما يجر القوى العسكرية اللبنانية بدورها إلى التصادم معها، خصوصاً أن الأميركي ومن يدور في فلكه من دول يبدي حرص الذئب على الغنم، فيقدم مساعدات مالية للجيش اللبناني لدعم الرواتب المتهالكة لجنوده، كما يواصل احتكار تسليح الجيش عبر منعه له من تلقي أي تسليح من غير المنظومة الأميركية، فيبقى سلاح الجيش مقتصراً على خردة مستودعات الجيش الأميركي، من مخلفات الحرب العالمية الثانية، التي تتيح للجيش اللبناني ممارسة دور قوى أمن داخلي، لكنها لا توفر له ما يلزمه ليواجه الاعتداءات "الإسرائيلية".
والواقع أن تلك القوى تعمل على خراب لبنان، لأنها تتجاهل قوة المقاومة وقدرتها على الدفاع عن نفسها، وسعة وامتداد جمهورها، بما يمنع تحقيق ذلك المشروع الشيطاني، الذي يسعى لإشعال حرب داخلية تحرق ما نجا من حروب القوى الانعزالية التي تحالفت مع العدو "الإسرائيلي" بين عامي 1975 و1992.    
ولا تنطلق تلك القوى من فراغ، فهي تضع في حسابها، أن للأميركي وجودا ونفوذاً قويين في لبنان، عبر هيمنة السفارة الأميركية على قسم كبير من وجوه السياسة والزعامة ورجال واركان الطوائف في لبنان، وكذلك عبر تسهيلات عسكرية توفرها السلطات اللبنانية للأميركيين، في القواعد العسكرية الجوية اللبنانية وفي مختلف ثكنات الجيش، التي لا يغيب عنها المستشارون الأميركيون، في حين أن مطار حامات هو قاعدة عسكرية أميركية، كما حولت السفارة الأميركية في عوكر إلى مدينة عسكرية أميركية ضخمة تشبه المنطقة الخضراء في بغداد، وهناك نفوذ أميركي لا ينكره مبصر، على المؤسسة العسكرية، مقابل دعم عيني للجيش لا يتجاوز المائتي مليون دولار سنوياً، من الأسلحة والآليات المستعملة، التي أحالها الجيش الأميركي إلى التقاعد، بعدما تخطاها الزمن وأصبحت خردة.
ويعرف اللبنانيون مدى هيمنة الأميركيين على المنظومة المالية والمصرفية اللبنانية، وأنهم هم الذين حموا رياض سلامة "المدير التنفيذي" للمؤامرة الأميركية، التي قضت بتجفيف لبنان من العملات الصعبة، وبتهريب ما لم يسرقه السياسيون وأصحاب المصارف من إيداعات اللبنانيين إلى الخارج. كما يعرفون مدى نفوذهم في مختلف مؤسسات الدولة، وأن التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت تديره السفيرة الأميركية، لاستهداف المقاومة وإبعاد التهمة عمن يعمل في خدمة المشاريع الأميركية.
ولعل تجربة الرئيس الأسبق الراحل كميل شمعون ليست بعيدة عن أذهان المتابعين، فهو بعد أن وصل إلى موقع الرئاسة، أعلن نيته الانضمام إلى "حلف السنتو" المعروف ب"حلف بغداد"، وهو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة، والذي أسس بقرار أميركي عام 1955 للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، ولمحاربة مصر جمال عبد الناصر، وكان ذلك الحلف الأميركي يتكون، إلى جانب المملكة المتحدة، من العراق وتركيا وإيران وباكستان، لكنه لم يشهد نجاحاً في تلك الفترة ، اذ انسحب العراق منه بعد إعلان ثورة 14 تموز/يوليو 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي فيه. كما فشل شمعون في ضم لبنان إليه.
وهذا التذكير لا ينسينا تجربة بشير الجميل، الذي تطلع ليكون رئيسا للجمهورية، فرفع شعار "تحرير لبنان من الغرباء"، وتحالف مع العدو "الإسرائيلي"، الذي درب له ميليشياته وسلحها، بتمويل سعودي. واليوم، تحلم القوى التي ورثت الشخصين المذكورين بتنفيذ المشروع ذاته، خدمة للمصالح والسياسات الأميركية والغربية. مما يجعل استمرار الفراغ الرئاسي أقل كلفة على اللبنانيين، من إدخالهم في اتون حرب يريدها الأميركي و"الإسرائيلي" ومن يأتمر بأوامرهما.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل