مفتاح مكافحة الفساد .. في جَيب مدير عام الوزارة !

الإثنين 04 شباط , 2019 12:13 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ مقالات

سُئِل وزير الداخلية الأسبق مروان شربل خلال مقابلة تلفزيونية منذ أيام، ماذا ينصح الوزيرة الجديدة ريَّا الحَسَن، فأجاب بما معناه: عليها أن تستعين لمساعدتها بضباط متقاعدين، لأن الضابط الذي ما زال في الخدمة لن يُبدي التعاون الكامل معها، كي لا يُحسَب عليها، سيما وأن الوزير يتبدَّل ومن مصلحة الضابط  الحفاظ على مصلحته!

الكلام خطير وواقعي، سيما وأن الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية قالها بكل صراحة عندما تم تعيينه وزيراً منذ سنوات: "أنا بجيب عدِّتي معي وما بدِّي إشتغل بعدِّة غيري"، في إشارة واضحة الى كبار موظفيّ الوزارة.

في نصيحة الوزير شربل، وصراحة الوزير فرنجية، تكمُن أسرار العرقلة التي تنتظر كل وزير فور تعيينه لأية وزارة، لأنه سيصطدم أولاً بالمدير العام "المُتمَسمِر" على كرسيه، يستقبل وزيراً ويودِّع آخر، وكل رؤساء المصالح والدوائر والأقسام هُم على مدى سنوات وسنوات تحت أُمرة المدير العام، وهو "أبقى" لهم من أي وزير يأتي ويرحل.

ومشكلة الوزير الجديد أنه بحاجة للمدير العام منذ لحظة وصوله الى وزارته حتى مغادرته، وهو وإن كان يتمتَّع بسلطة سياسية، لكنه مجرَّد ضيف بالنسبة لكافة الموظفين الذين يتعاطون مع وجوده على أساس أنه صاحب المعالي وأن احترامه واجب ولكن، كل تفاصيل مهامهم اليومية مُرتبطة بالرئيس الإداري المُباشر وفق الهيكلية المُعتمدة في كل وزراة، مدير عام، مدير مصلحة، رئيس دائرة، رئيس قسم وصولاً الى الأجراء العاديين. 

نعم، يأتي الوزير الى وزارته ليصطدم أولاً بمدير عام الوزارة، وإذا صُودِف أن المدير العام هو من الخطّ السياسي أو الحزبي للوزير، فهو لن يتعاون بالكامل معه كي لا يُذيب شخصيته المعنوية أمام كوادر وزارته من أجل وزير، والمُصيبة الكبرى، إذا صُودِف اختلاف التوجُّه السياسي والحزبي وحتى الطائفي والمذهبي بين الوزير والمدير العام، عندها يقع المحظور لأن المدير العام لديه مرجعيته السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية، وهو من الثوابت في موقعه، ويُمضي الوزير فترة ولايته في استرضاء المدير العام "بالتي هي أحسن" لتسيير شؤون وزارته، كي يُبعِد النكَد عنه، وهناك أمثلة عديدة عن عرقلة مدير عام الوزارة لمهام الوزير!

وفي دولةٍ هيكلية مؤسساتها لغاية الآن كما هيكلية المزرعة، كل المقاييس فيها بالمقلوب، فإن أداء القطاع العام هو بالإجمال قائم على الصفقات والتنفيعات، مما جعل المدير العالم بحاجة لرضا رئيس المصلحة لتسهيل مصالحه، والعكس صحيح، إضافة الى العلاقة بين رئيس المصلحة ورؤساء الدوائر والأقسام، وصولاً الى الأجير العادي الذي هو "عُنصر إنتاج التنفيعات"، ويعتاش من "جارور الرشاوى" لديه كل الطاقم الإداري تصاعدياً، ونادراً ما سمعنا، ونأمل أن نسمع، عن طرد موظفٍ مُرتشٍ، أو أجيرٍ يتحايل على القانون لإمتصاص دمّ المواطن تحت طائلة عرقلة معاملته.

وبما أننا نعيش اليوم أجواء تسلُّم وتسليم في الوزارات، ونسمع الوزير المُغادر يُعدِّد للخَلَف ما أنجزه في وزارته، فإننا للأسف نرثي لحال السَلَف والخَلَف معاً، طالما ليس هُناك بعد تفتيش مركزي فاعل وهيئات رقابية "شهابية"، تُطهِّر القطاع العام من الفاسِدِين والمُرتَشِين والنصَّابين، الذي لم يجدوا لغاية الآن من يجروْ على زحزحتهم عن كراسيهم أو أن يقول لهم "يا محلى الكحل بعيونكم"، يُضاف اليهم "أجراء بالإسم" محسوبون على بعض الوزارات ويتقاضون رواتبهم دون الحضور الى العمل!

ولأن شعار هذا العهد هو مكافحة الفساد، فإن وزارة الدولة لمكافحة الفساد قد ألغيت لأن وزيراً بلا صلاحيات وبلا كوادر إدارية لا يستطيع حمل مصباح علاء الدين وتطهير المزرعة بسحر ساحر، وما على الوزراء الأوادم الذين نُراهِن عليهم، سوى البدء بتطهير وزارتهم و"شطف الدرج من الأعلى"، مهما كلَّفت الأمور من صراعات سياسية وحزبية وحتى مذهبية، وأن يكون للقضاء والهيئات الرقابية الدور الطبيعي في مكافحة الفساد، وكل وزارة مٌفتاح مكافحة فسادها في جيب المدير العام دون سواه، حتى لو بدأ التطهير بالمدير العام وكبار الموظفين...

أمين أبو راشد


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل